(( هذه الكلمات المبعثرة .. كعمرنا الذي تبعثر دون قصد مني ومنهم .. فهم في فلندة .. والبرازيل .. وكندا .. وأوربا .. وأسيا .. وأنا في أمريكا .. ونحن لم نفترق لخمسين عاماً مضت .. إلى هؤلاء .. والى كل من كان رفيقاً لطفولتي .. وزميلاً لدراستي .. وشريكاً لصبايا .. وجاراً لقلبي .. وعكازاً لوحدتي .. وأنيساً في غربتي .. أهدي لكم هذه الكلمات .. فهيَ ما تبقت لكم في ذاكرتي ... ))
عاد السيد ( مش مهم ) بعد استلامه نتيجة تحليل السكري بدمه .. وهو مثقل بالهموم .. ويكاد الدمع ينفلت من عينيه .. وهو يسير بالطرقات ولسان حاله يردد (( لما أنا من دون البشر أصاب بداء السكري )) .. متناسيا أن ملايين البشر سبقوه لمثل هذا الداء .. ومنذ عشرات السنين .. وهناك الملايين منهم أقل أو أكثر .. لديهم أعراض هذا الداء ولم يكترثوا .. ولم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى المختبر .. لإجراء التحاليل للوقوف على حالتهم .. ولكن السيد ( مش مهم ) كان الغيظ يأكل قلبه .. والقنوط يملئ عقله والحيرة تسكنه .. وعقله ظل يردد .. لما أنا من دون البشر يداهمني هذا المرض .. لما وأنا مازلت بربيع عمري .. لما أنا يا ناس ولم أتجاوز الستين من عمري ...
لما أنا يا مسكين يا أنا .. يبدو لي أني سأحرم قرائي .. مما كان سينالهم من علم وثقافة ودراية وفطنة .. كما ستفوت الفرصة الكبيرة على الكثير .. من الكتاب والشعراء في الموقع .. مما كنت سأعلمهم وأغنيهم من تجربتي الفذة .. التي لم تولد بعد .. وعلمي المطلق في أبعاد مسك القلم .. واختراعي الذي لم يسبقني إليه أحد .. في كيفية وضع الورقة قبالة القلم .. والبدأ بالكتابة من الشمال إلى اليمين .. لأني أنا ( عسراوي ) المولد وليس المنشأ .. وحالي سيؤول نحو الأسوأ إذا أصبحت طريح الفراش .. أسفا على حال الموقع الذي كنت سأغرقه .. هو والعاملين فيه وأغرق قرائه ومعلقيه ومتصفحيه .. وحتى من لم يقرأ فيه كلمة واحدة في يوما ما من فيض مقالتي ...
نعم سأغرقهم جميعا ولم يجدوا حتى ( لجن ) الغسيل .. كي يفروا على متنه .. هربا من علو موجات كلماتي .. حقا يا مساكين يا من ستقرأوا لي .. لا أعلم إن هذا هو قدركم أم قدري .. لا بأس عليكم اطمئنوا جميعا .. لأني سأعمل جاهدا كي أتعافى من دائي هذا .. من أجل عيونكم وعيون زوجتي التي تحلم منذ تزوجتها .. أن تقرأ اسمي ولو لمرة واحدة .. خارج قوائم الماء والكهرباء والهاتف .. على فكرة تذكرت أنا ليومنا هذا لا أملك هاتف .. ولكن لماذا ترسل لي دائرة الهاتف القائمة شهريا .. ولماذا أنا أقوم بتسديد المبلغ الواردة فيها .. أهو ارضاءاً لزوجتي .. أم هو تأكيد لذاتي ...
على غير عادته قام السيد ( مش مهم ) بطرق باب غرفته التي يقبع فيها .. وَلِمَ لم يفتح الباب بنفسه .. أهوَ لانشغاله بشبابه الذي سيذهب به داء السكر ي هدراً .. وقبل أن يمتع قراءه من عبقريته الألمعية .. ما إن دخل حتى ذهلت زوجته السيدة ( مغلوبة على أمرها ) .. بعدما رأت زوجها قد عاد بغير الهيئة التي خرج بها صباحا قائلة له ... ( عزه ) ماذا حل بك يا ابن عمي .. وبعدما زاد في رسم البؤس على محياه .. صرخ في وجهها ... قال ... للمرة المليون قلت لك لا تقولي لي هذه الكلمة ( عزه ) .. سأقسم بالله إن أعدتِها ثانية لأطلقك .. هنا صرخت حتى سمعها جميع سكان الحي .. من هول سماع كلمة طلاق وهي تقول ... (عزين ) ...
هرع السيد ( مش مهم ) ليغلق فمها بيده .. وهو يكاد يخنقها قائلاً ... ليتك تبقي عتلة زناد لسانك على المفرد .. فذلك خيرا لي وأستر لك يا بنت عمي .. قال بعدها ... أنا أشم رائحة غدر وخيانة في بيتي .. وهناك تسريب خطير للمعلومات قد خرجت من جنباته .. مثل ما يتسرب الماء من سقف غرفتنا ... المسكينة لم تفهم سوى كلمة خيانة .. التي جعلتها تصمت صمت أهل القبور .. قال ... ما دار بيني وبينك من حديث علمي ومنهجي وثقافي هذا الصباح .. كيف وصل إلى مختبر التحليلات الذي أراجعه دوماً ... قالت ... عن أي مختبر وتحليلات وخيانة وتسريب معلومات تتكلم يا ابن عمي ... قال ... لا تلعبي معي دور البريئة .. إني رأيت اليوم جميع من في المختبر .. قد سلطوا عيونهم عليَّ .. وراح يهمس بعضهم لبعض .. وأجزم كانوا يقصدوني بهمسهم .. لأنه تناهى إلى سمعي الضعيف جدا قول أحدهم كلمة كاتب أو كتاب .. وهذا الأمر لا يوجد له سوى تفسير واحد .. يقصدوني أنا بكلمة كاتب وسأؤلف كتاب أخط به تجربتي الرائعة جدا .. في علم وفن الكتابة طبعا بعدما ( أنطلق بسرعة البرق ) بالكتابة ..
بعدما فرغت السيدة ( المغلوبة على أمرها ) من استجماع أفكارها .. التي شتتها زوجها بتهمة الخيانة العظمى قالت ... ابن عمي سأذهب إلى المطبخ لأسكب لك من ( المجدرة ) التي تحبها .. قال ... ألم نأكل منها منذ يومين .. قالت ... نعم وأنت رفضت أن أعد أي طعام غيرها منذ يومين أيضا .. قال ... ما بك يا ابنة عمي .. وهل هناك طبيخ ألذ من ( البايت ) .. أعدك بعد الغداء سأكمل معك ما بدأناه .. لمراجعة أسماء الكتاب والمعلقين .. لأنه ظهرت أسماء لكتاب جدد وتعليقات في الموقع .. تستحق المراجعة والدراسة العميقة من قبلي شخصيا .. قبل أن أشرع جادا بالكتابة .. التي سأجعل الكل عندما يقرأني يستمتع .. وكأنه يأكل ( مجدرة بايتي ) وقد مضى عليها اسبوع خارج الثلاجة .. هذا إن كان هنالك في العمر بقية إن شاء الله ...
بقلم / جمال أبو النسب
الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا
11/8/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"