سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج22" وثيقة 9 لقاء الحاجة خيزران الطوافشة "- رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 6277
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج22" وثيقة 9 لقاء الحاجة خيزران الطوافشة "- رشيد جبر الأسعد
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج22" وثيقة 9 لقاء الحاجة خيزران الطوافشة "- رشيد جبر الأسعد

وثيقة رقم (9)

شهادات التاريخ

أحداث الحرب و المقاومة و الهجرة و آلام النزوح في نكبة فلسطين أيار 1948م

رواية الحاجة خيزران محمد عيسى طوافشة / من اجزم ، مواليد 1918م

                                                                

مثل ما يقول العرب و مجتمعاتهم  أن النساء تقرب العوائل و العشائر و الحمايل فيما بعضها البعض ، تقرب في تلك الرابطة الشرعية المستمرة ما دامت هناك حياة ، و رابطة النسب و المصاهرة ..

فهذه السيدة الفاضلة الحاجة خيزران محمد عيسى طوافشة ( أم موسى ) ، هي ابنة عم احمد حسن وعيسى طوافشة  و والده محمد أبو جاسر و أبو رسلان و سليمان .

و هي زوجة الحاج مطلق الشيخ قاسم ، خالة الحاجة حمدية أم يحيى زوجة رجا العمار ، و الشيخ الداعية إبراهيم النبهاني ابن عمتها ، و السيدة خديجة زوجة الحاج محمود عبد الرحمن الأسعد ( المنارة / اجزم ) قريبتها ، و الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير قريبها ، و الحاجة الفاضلة نعومة العبد الله مصطفى الحسن ( أم خليل ) زوجة المناضل المرحوم علي سعيد الحسن أبو خليل ابنة عم والدها العبد الله ، و السيد عبد إسماعيل الخواجة طوافشة ابن عمها ، و الكاتب الفلسطيني رشيد جبر الأسعد زوج حفيدتها ، و دار سرية أخوالها ، و دار الشيخ قاسم عيالها ، و المجاهد الشهيد مرعي النصار ابن أختها ، و جدها لامها إبراهيم سرية التي خرج من هذه العائلة المرحوم الدكتور صالح عبد الله سرية ، و المجاهد سعد محمد عيسى أخاها ، و هو مع مرعي النصار من المقاتلين الأشداء ، كانوا يرابطون على طرق المواصلات التي يمر منها العدو الصهيوني على الطريق الدولي بين حيفا و تل أبيب ، كما و أن فاطمة أبو حمد من عين غزال زوجة احمد خليل سلامة تكون الحاجة خيزران خالتها ، و أن أمنة السعود أبو عابد بنت خالة الحاجة خيزران ، و الضابط الكاتب لبيب قدسية زوج ابنتها ، و العميد علي مطلق ولدها الثالث و السيدة غزالة زوجة بركات ( الفـّران ) ابنة أخاها عيسى محمد عيسى .

و من شهداء 1948م  عوض محمود إبراهيم سرية ( أبو منير ) خالها ، كما أن السيدة خيزران خالة صفية موسى أبو حميد أخت عبد المطلب و والدة الشاعر خالد علي مصطفى  و الله اعلم كم لها أيضا من علاقات القرابة و المصاهرة ..

تحدثت الحاجة خيزران عن ذكرياتها في فلسطين في ظل الظلم و التواطؤ البريطاني – الصهيوني قالت :

-          في إحدى المرات أن ابن أختها و أخيها قد اختفيا مدة 18 يوماً لا نعلم عن مصيرهم أي شيء ، ساورنا القلق  و الشكوك حول مصيرهم ، و على غيابهم ، تبين فيما بعد أنهم معتقلان لدى قوات الانكليز بتهمة القيام باغتيال الخونة و مقاومة الاحتلال .

كان الانكليز حين تتم محاولة اغتيال خائن او قتل بريطاني ، يتم تطويق القرية و تبدأ حملة عمليات تفتيش همجية قاسية ، ثم يخرجون الأهالي و العوائل إلى ساحة البلدة أو القرية ، ثم يفصلون الرجال و الشباب عن النساء ، بعدها يقومون باعتقال من يريدون اعتقالهم و بشكل عشوائي و تعسفي دون دليل ا واثبات .

    من بعض أشكال المظالم البريطانية سيئة الصيت أن هناك الضابط البريطاني الأهوج المدعو ( ترلي ) يسير بغرور و معه حراسة ن و في احد الأيام كان طفلي موسى قد اشتهى من والده زوجي مطلق الشيخ قاسم أن يشتري زبيب من بائع العربة المتجول ، فوقع نظر مطلق على الضابط بشكل عفوي ، فبادره الضابط على الفور :

-         كمان .. كمان .. إي تعال ، و من ثم اعتقله اعتقال فوري فجائي عشوائي ، لا لشيء ، إلا لإرهاب الناس و المواطنين الفلسطينيين في قريتهم و أرضهم و وطنهم ز  تمهيداً لإضعاف الفلسطينيين و التمهيد لقيام الكيان الصهيوني الغاصب على ارض فلسطين ، خدمة و عبودية للحركة الصهيونية ، و تم سجن زوجي هذا الإنسان البريء مدة ثلاثة أشهر في سجون   ( بيت كليم ) و (الرامة  )  و   ( مسحة ) .

     ثم سجن زوجي لا لسبب و لا لشيء بقيت و أطفال الصغار و البراعم نعيش شظف العيش و الحرمان ، مع وحشة فراق الأب .

      تعود الحاجة خيزران في ذكرياتها لمدة أكثر من نصف قرن و مأساة النكبة و الهجرة و مرارة اللجوء و التشرد و الهجرة الجماعية القسرية الإجبارية المبرمج لها من قبل عصابات الصهاينة بمباركة بريطانية  عسكرية سياسية إدارية .

   أخذت تتنهد ، الدموع تنساب بهدوء على وجنتيها لتقول :

-         كنت أسير بخطى ثقيلة و الحزن يغمرني ، و على صدري ابنتي فاطمة ، و ولدي البكر موسى يحمل على ظهر أخاه الأصغر علي ، و ولدها مصطفى يمسك بأخته خيرية ، يبكيان هلعاً و خوفاً و ذعراً من صوت أزيز الرصاص و القنابل الذي لا ينقطع ..

الهجرة شاقة .. و هي في الصيف اللاهب آخر تموز و أول آب ، و خلال شهر رمضان شهر الصيام ، منا الصائم ، و منا المفطر  لعدم القدرة ، و صلنا إلى قرية ( خبيزة ) التي لا تزال مع العرب و لم تسقط بعد .

كنا نعاني العطش و خوفاً على أنفسنا من الهلاك اضطررنا من أن نشرب من هذه العين الملوثة ، شربنا نحن و جميع المهاجرين أو المهجرين ، ليسمع الحكام و الرعاة على الأمة .

نسير حفاة .. شبه عراة .. و دون أن نتمكن من أن نجلب أو نحمل أية أمتعة .. نسير فوق الصخور و الحجارة و الأشواك .. نقطع الوديان . نسير ليلاً و نصله نهاراً .. حتى وصلنا قرية عارة و عرعرة .

و في أثناء تجمعنا ، تمج جموع اللاجئين المهاجرين الفلسطينيين في قرية عارة .. ثم توجها إلى مدينة جنين ، كان هناك في داخل مدرستها المسئولين العراقيين في زيارة تفقدية لهذه الحالة و زيارة الجبهة العسكرية العراقية في فلسطين ، و هو نوري السعيد و عبد الإله ، و أخته الملكة عالية و بعض القادة العسكريين ( رحمهم الله ) .

في أثناء هذا الجو المشحون القلق الممزوج بالمرارة و المستقبل المجهول و تلاطم الأصوات و الجلبة و انفجار القنابل و أزيز الرصاص و دوي المدافع .. تسائلت الملكة عالية  بعفوية و ببراءة أخاها عبد الإله :

-         شنو هاي أخي .. شنو هذا الديصير هنا ..!؟ موجهة كلامها لاخيها الوصي عبد الإله ، فيجيبها نوري السعيد بدهاء :

-          لا شيء إنها مناورات عسكرية ..!

  و لما زادت الأصوات ، و تمعنت بها المكلة عالية .. مع همس الناس ، و القادة و الضباط في الجيش العراقي .. و لمست بعينها حالة و وجود اللاجئين .. مع حالة البؤس و الذهول التي بدت على وجوه الأطفال و النساء و الصبايا و الشيوخ ، فقالت الملكة عالية معاتبة أخاها عبد الإله :

-         أقول لك ماذا يحدث .. ما هذا ؟ تقول أنها مناورة .. ما حال هؤلاء ؟ ما هو ذنبهم ؟ ما مصيرهم ؟ وين يروحون ؟؟ بعد أن سمعت بنفسها ملء إذنيها شكاوي الناس و تذمرهم و صراخ النساء و الأطفال .. سمعت أنين النساء و بكاء الأطفال الذي لم ينقطع .. و حزن و صمت الشيوخ المذهولين الحائرين .. و ضراوة الحرب و الدمار .. و أصوات الانفجارات ...

 تألمت جداً الملكة عالية ( رحمها الله ) لهذا الموقف العصيب ، و لهذا المشهد المأساوي و المروع و لهذا المنظر المفزع أنها لوحة كاتمة ظلماء  ..  فطلبت فوراً من احد الرجال ( الذي يقرأ  يكتب ) من اللاجئين و هو ( عبد إسماعيل الخواجة طافش ) أمرته أن يقوم بتسجيل هؤلاء اللاجئين الهائمين على وجوههم و أمرت عبد الإله ( الوصي على العرش ) و نوري السعيد و لفيف من ضباط القيادة العسكرية للجيش العراقي المتواجدين هناك في إحدى مقراتهم بجنين أمرتهم أن يتولوا أمر جلب هؤلاء اللاجئين إلى العراق لاستيعابهم كضيوف أعزاء على العراق و الدولة العراقية .. اجل استضافة ..  ليكونوا ضيوفاً كرماء أعزاء عليها وقتياً لحين التحرير و العودة .. كضيوف أعزاء كرماء على العراق على أمر ، و على حساب ، و على مسئولية وطلب و رغبة الملكة عالية انطلاقاً من الواجب الإسلامي و الشعور الإنساني و اركبوا بسيارات  - لوريات – الجيش العراقي و هي سيارات مكشوفة متوسطة الحجم و غادرنا جنين .. و قرى و مدن فلسطينية أخرى فوصلنا لبغداد بعد أيام معدودة من مشقة الفر و معاناة النقل و الجوع و العطش و الإرهاق الذي أنهكنا ..

بداية أدُخلنا في مدرسة الصناعة ببغداد ، بعدها أقمنا بنادي الرافدين و قد قطعوا قاعات – قاووش – النادي بتخصيص بلاطة – كاشية – لكل شخص فكانت عائلتنا سبع نفرات – قطع لنا سبع بلاطات – ( أي كغرفة صغيرة ( بحدود 2 × 2,5 متر) ) و هي للسكن و النوم و الطبخ و الغسل و الحمام و الجلوس ..

تحدثنا الحاجة حين تركت بيتها و غادرته مضطرة في منطقة الحارة التحتا من قرية اجزم تقول :

-         لم استطع أن آخذ شيء لم يكن هناك متسع من المجال أو على البال أن يحمل منا بعض الأمتعة .. لا مجال .. الحرب سجال .. و الخطر و الدمار و الموت في كل مكان .. تركت بيتها الذي يحوي على الأثاث مثل :

-         خزانة و مرآة و ملابس و فراش .. وسرير ابيض من حديد و له رؤوس من النيكل و العسلية و صندوق الغنا و شمعدان ابيض طويل زجاجي و له فتيل .. و أربعة كراسي خيزران صفراء و فراش و ملابس أخرى و مواد تموينية و حبوب و فواكه .. تكفي لأسابيع .. كلها تركتها .. ثم دفنت عند حاكورة البيت عشرة ليرات ذهب إسترلينية و وضعت للتمويه فوقها صبر ، و وضعت الماء و الطعام للدجاجات و قفلت باب الدار و معي المفتاح .. على أمل أن اعو داو أن نعود بعد ساعات أو بعد أيام .. ثم تنهدت الحاجة و انهالت الدموع منها مرة أخرى .. لأنها شاهدة على نكبة فلسطين و عاصرتها و عاشت أحداثها و قسوتها و مرارتها .

سالت الحاجة خيزران عن بعض المشاهد الجهادية و الصمود لأهل فلسطين فقال :

-          إن المجاهد الشجاع مسعود النصار قام بعملية فدائية وقد أصيب بعدها بإطلاق النار عليه كن الطيارة التي تحوم حوله .. جرح و اخذ الدم ينزف منه .. ولكنه استمر في المقاومة يناوش الطائرة و هو يقفز و يتنقل بسرعة من مكان لأخر  .. ثم زحف على بطنه و أطلق ناره على الطائرة .. التي لم تتمكن من الإجهاز عليه ، هرع إليه رفاق السلاح رفاق الدرب و حملوه ثم تم نقله إلى سوريا للعلاج فرفض السوريون آنذاك إدخاله فهددهم الثوار و صارت جلبة و ضجة على الحدود ثم تم إدخاله إلى سوريا و عولج و الحمد لله ..

   و عن موقف تاريخي جهادي أخر أن المجاهد المعروف حسن الجياب ( رحمه الله ) كان قد القي القبض عليه بتهمة اغتيال احد الأشخاص الخونة و قد وصل مرحلة الإعدام  و وضع الحبل على عنقه في هذه اللحظات هرعت امرأة أجنبية و قالت :

-         ليس هذا .. ليس هذا المعني و الفاعل .. و هكذا تخلص من الإعدام و كتبت له النجاة و العمر الطويل قضاه بالخير و التقوى و الصلاح و النضال و متابعة سيرة الجهاد ، و خدمة الأمة ، توفي في مدينة درعا السورية في عام 2005م .

 حينها اخذ القرويون في اجزم يغنون لحسن الجياب ، هذه الأرجوزة فرحاً بنجاته من الإعدام الباطل :

طارت الطيارة *** و هدت على الأبواب

يا ناشل ينشلك *** يا حسن الجيــــــــاب

 وحين ذكرت حادثة حسن الجياب بكت مرة أخرى ....

بعد أن يعود الثوار من القيام بمهامهم في قتل عسكري انكليزي أو تصفية خائن اتفق على تصفيته بالإجماع و بعد الأدلة الكافية ، نقوم باستلام المسدسات منهم و نقوم فوراً بإخفائها .

و في إحدى المرات كنت احمل جرة ماء – شربة – مكسورة للنصف و في قعرها مسدس و فوقه تراب و زرع و حملتها كمزهرية أمام الانكليز دون تردد أو خوف .

أما أختي خضرة محمد العيسى فقد كانت أيضاً تجمع المسدسات من الثوار و تقوم بإخفائها في ملابسها و هي ( الملاءة ) مثل الحجاب أو العباءة بكل رباطة جأش و ثقة بالنفس .

سألتُ الحاجة خيزران عن بعض بيوت جيرانها في اجزم قالت :

-         كان بيتنا في قرية اجزم / الحارة التحتا ، من جيراننا الذين أتذكرهم :

-         دار مفلح الأبرص ، دار محمد أبو جاسر ، صالح العبير ، دار مفلح الفياز ، دار خضر العرجة ، دار عبد الله الداوود (بلالطة ) ، دار شقير ، دار أسعيد ، دار محمود الحسين أبو فواز ، دار الشيخ قاسم و سعيد الشيخ قاسم و غيرهم ..

و في الحارة التحتا أبعد قليلاً كانت أيضاً بيوت كل من :

-         دار أبو قطيش ، دار الطيب ، دار البرة ...

كان لدى الحاجة خيزران صندوق عنا ، تقول إنها حفظت عن طريقه الكثير من الأغاني الاجتماعية و الأناشيد الإسلامية و الوطنية .. من أغاني الفرح قالت :

الحمد لله صبرنا و ما صبرنا شي *** صبر الطريق عالخيال و الماشي

يا مبكينا دموع العين رشراش *** الحمد لله صبرنا و ما فشلنا شي

الحمد لله صبر قلبي و ما قصر *** جنت طاب جرحى بعدما أتعسر

و حياة نجوم الليل تتفسر *** الحمد لله صبر قلبي و ما قصر

تروي الحاجة خيزران من ذكرياتها تقول :

إن جدي لامي إبراهيم السرية كانت داره قرب الجامع و كان يخطب فيه الشيخ محمود و تتذكر الحاجة خيزران تقول كنت اسمع تذكيره في الليل ، كان يتلو في رمضان في ظلام الليل ما تيسر من القران و الحديث و الدعاء و الابتهال و نحن نكمل سحورنا و ننتهي منه و هو لا يزال يذ ّكر ، تقول أن لهذا الشيخ لحية جميلة و عمامة رحمك الله يا شيخ محمود .

و في ختام اللقاء شكرت الحاجة خيزران أم موسى ، و هي لا تزال على قيد الحياة ( شباط 2009م ) . منحها الله الصحة و العمر المديد ..

 

تمت المقابلة مع الحاجة خيزران محمد العيسى

من أهل قرية اجزم مواليد 1918م في الساعة 2,5 – 4,5 عصراً باب شقتها الطابق الأرضي

بتاريخ 14 شعبان 1426هـ - الموافق 18 / 9/ 2005م – يوم الأحد

بغداد – البلديات – العمارات السكنية / عمارة تاج المعارك ( عمارة رقم 16) مدخل (3) شقة

 

رشيد جبر الأسعد

( أبو محمد )

كاتب فلسطيني / بكالوريوس تاريخ

                                                                    

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"