بهذه الكلمات البريئة، الصادرة عن الطفلة سيلا ذات ال 3
سنوات، حدثتنا عن أمانيها في تسجيل صوتي وصل "فلسطينيو الخارج" ولا نعلم
كيف وأين سجلته، إن كان ذلك أثناء هروبها من الشرطة التايلندية هي وعائلتها، أم
أنه تم اعتقالها مع من أبلغنا أنهم اعتقلوا أثناء إعداد هذا التقرير.
أم إنها في تلك الغرفة التي حدوثنا عنها، وهي تؤوي
العشرات مكدسين فوق بعضهم البعض، طوال السنوات الخمس الماضية، حالمين في كل ليلة،
أن يناموا ويستيقظوا وهم يبصرون شروق الشمس على أحد الشواطئ الأوروبية كما يرغبون.
هذه الأماني التي تحلم بها سيلا كل يوم، هي ذاتها أحلام
عشرات العائلات الفلسطينية التي كابدت اللجوء تلو اللجوء، فبعد أن هجر آباؤهم
وأجدادهم أيام النكبة 1948، من فلسطين إلى سوريا والعراق بسبب الاحتلال الصهيوني،
أجبرتهم الظروف والأوضاع السيئة في كلا البلدين على الهجرة واللجوء من جديد، ولكن
هذه المرة إلى أقصى الشرق إلى مملكة تايلند الواقعة في الجهة الجنوبية الشرقية
لقارة آسيا، في شبه الجزيرة الهندية.
في محاولة منهم لبدء حياة جديدة والانتقال منها إلى
الأرض الموعودة "أوروبا"، لكن اللجوء استمر في ملاحقتهم فتعرضوا
للملاحقة لمخالفتهم القوانين في تايلند بتجاوزهم فترة الإقامة المسموحة لهم بعد أن
منحوا فيزاً سياحية لمدة 3 أشهر، ليبدأ بعدها مسلسل الهروب والتخفي، تعرض بعد ذلك
الكثير منهم للاعتقال، ومنهم من بقي في السجن لمدة تزيد عن 3 سنوات متواصلة، بتهمة
مخالفتهم للقانون وإقامتهم غير الشرعية على الأراضي التايلندية.
عايشت هذه العائلات ما عايشه أجدادهم يوم النكبة ،
وتجسدت أمامهم كل تفاصيل المعاناة التي مروا بها.
خطوة إلى الوراء
منذ 5 سنوات مضت، في العام 2013، قررت العشرات من
العائلات الفلسطينية في سوريا والعراق، السفر والهجرة هربا من الظروف الأمنية
والمعيشية الصعبة في بلدان اللجوء الأول ( سوريا والعراق)، تاركين وراءهم كل
الذكريات بحلوها ومرها، واضعين نصب أعينهم هدف الوصول إلى أوروبا، عبر تسهيلات
متوقعة، وفق ما أخبرونا به، من قبل مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
دخلت هذه العائلات إلى مملكة تايلند، بطرق نظامية، عبر
فيزا سياحية تمنح إذن إقامة لمدة 3 شهور، أرادوا أن تكون محطة مؤقتة واستراحة
مسافر، يقضون فيها أياما جميلة تنسيهم ولو قليلا مما عايشوه في سنوات الحرب في
سوريا، قبل سفرهم إلى أوروبا كما كان يخططون، والذي لم يتم أبدا، لكن هذه الشهور
امتدت إلى سنوات خمس كانت مليئة بالعذابات والألم، والانتظار على أبواب المنظمة
الأممية التي منحتهم الوعود تلو الوعود بأنها قادرة على تسفيرهم ورفع ملفاتهم إلى
البلدان الأوروبية ويستمر الانتظار.
تواصلنا في موقع "فلسطينيو الخارج"، مع أحد
اللاجئين الفلسطينيين، المتواجدين في مملكة تايلند، والذي أطلعنا على بعض
التفاصيل، اعتمدنا عليها في كتابة هذا التقرير، الذي نهدف منه إلى تسليط الضوء على
أوضاعهم وظروف حياتهم اللاإنسانية وما يتعرضون له من معاملة غير إنسانية، والعمل
على إيصال صوتهم إلى العالم والجهات والمؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين وأصحاب
القرار الفلسطيني.
إحصائيات
حول "فلسطينيي تايلند"
يقدر عدد عائلات اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في تايلند،
بـ 179 عائلة فلسطينية، بمجموع يقدر بـ 350 لاجئا، من بينهم 65 امرأة، و 11٠
أطفال، بالإضافة إلى وجود عدد ليس بالقليل من كبار في السن، يعاني الكثير
منهم أمراض القلب والسكر والضغط، ويحتاجون إلى المتابعة الطبية المستمرة.
وتتركز
إقامة معظم هذه العائلات في العاصمة التايلندية بانكوك، بالإضافة إلى مدن أخرى، هم
من فلسطينيي سوريا، خاصة من مخيمات (اليرموك وخان الشيح ومخيم جرمانا) ومن
فلسطينيي العراق، وبعضهم من فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948. بالإضافة لوجود
لاجئين عرب.
قصة
اللجوء
انتقلت هذه العائلات – خاصة من سوريا – عبر رحلة
نظامية، من المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا، إلى العاصمة اللبنانية بيروت،
ومنها إلى العاصمة التايلندية بانكوك، برحلة طويلة وشاقة عانت فيها العائلات بشكل
كبير، ووفق ما تلقيناه من شهادات؛ فإن تكلفة الرحلة اختلفت من عائلة لأخرى، وكانت
بالحد الأدنى على الشخص الواحد قرابة 1700 دولار أمريكي، وبحكم وضعهم المالي
المتواضع أصلا، اضطروا إلى بيع مقتنياتهم الشخصية وأملاكهم والاستدانة لتأمين
تكاليف السفر.
الوضع
القانوني للاجئين الفلسطينيين في تايلند
بعد أن مضت فترة 3 أشهر، الفترة المسموح لهم البقاء
فيها على الأراضي التايلندية بصفة سائح، بات اللاجئون الفلسطينيون مقيمين غير
شرعيين وفق القانون التايلندي، ويعاملون على أنهم مخالفون لهذا القانون، مما يمنح
السلطات التايلندية إمكانية حجزهم وتوقيفهم.
كما أن الحكومة التايلندية ترفض معاملة اللاجئين
الفلسطينيين المتواجدين على أراضيها بعد أن قضوا الفترة المسموحة لهم كسيّاح على
أنهم لاجئون، فهذه الصفة إن حصلوا عليها تسهل عليهم حركتهم وتمنحهم صفة رسمية
للإقامة في البلد.
الوضع
الإنساني والظروف المعيشية الصعبة
تحدثنا أم خالد ( تتحفظ على ذكر اسمها الحقيقي)
عن ظروفها المعيشية، والتي تشابه كافة الأسر المتخفية خشية الاعتقال، فتقول:"
نحن موجودون في تايلند منذ أكثر من خمس سنوات في ظل ظروف قاهرة وحياة مليئة بالخوف
أكثر مما كنا في العراق أو سوريا، وإلى الآن مفوضية اللاجئين لم تحرك ساكنا لهذا
الوضع".
وأضافت:
" أطفالنا بدون دراسة، وفيهم أطفال تعدوا عمر المدرسة ولا يعرفون قراءة أو
كتابة اسمهم، الأضرار النفسية التي لحقت بأطفالنا كبيرة وجسيمة، نتيجة فقدانهم
لأدنى حقوقهم في التعليم والعيش الكريم".
وعن
الملاحقة التي تقوم بها السلطات التايلندية، وما يترتب على ذلك من ضغوط وأعباء
إضافية على العائلات، أوضحت أم خالد: "لنا خمس سنوات تنام كل العائلات رجالا
ونساء وأطفالا، بغرفة واحدة وحمام واحد هربا وخوفا من الاعتقال، بدنا نعيش من غير
خوف من غير هروب من مكان لمكان، الأهالي ما عاد تقدر تشوف نظرة الخوف والحزن بعيون
أولادها"
واختتمت أم خالد حديثها، برسالة أرادت أن توصلها للعالم
أجمع، علها تجد آذانا مصغية لمعاناتهم: " نحن في معاناة كبيرة،
والإحساس يلي حاسسته أنا وزوجي وأولادي مؤلم، طبقنا خمس سنوات بتايلند، وما بعلم
بوضعنا وظروفنا غير رب العباد ،عانينا كتير وانذلينا كتير وأكتر مين ذلنا، ووصلنا
لحالتنا هذه هي منظمة UN".
أما بخصوص الوضع الصحي والعلاج، فيحدثنا اللاجئ
الفلسطيني عمران موضحا الحالة التي وصلت إليه العائلات : " طفلة إحدى
العائلات الفلسطينية المحتجزة، التقطت عينيها جرثومة في المعتقل، أدت إلى
التهابهما بشدة مما اضطرهم إلى إجراء عمل جراحي لها، وهي حاليا لا تزال
تعاني من هذا المرض وقيد العلاج".
وأضاف: " العائلات الفلسطينية دون استثناء، لا
تستطيع الذهاب لأي مشفى للعلاج، خوفا من الملاحقة وخشية الاعتقال، فحينما نرى أي
شرطي لا يتوجب علينا سوى الهرب منه والنجاة من الاعتقال".
وفيما
يتعلق بالعمل، وكيفية تأمين قوت يومهم طوال الفترة الماضية، قال عمران: "
نستطيع العمل بخفية ولفترات قليلة جدا، بسبب الاوضاع، وفي أي لحظة لتواجد الشرطة
نقوم بالهرب، ونترك العمل".
العائلات
الفلسطينية المعتقلة في تايلند
وفق القانون في مملكة تايلند، فإن السلطات التايلندية
تعتبر أي شخص يقيم على الأراضي التايلندية، دون إذن إقامة، مخالفا للقانون
التايلندي، ما يعرضه للملاحقة والاعتقال ليصار إلى ترحيله إلى بلده، بعد أن يحجز
تذكرة الطائرة على حسابه الشخصي، وفي حال لا يملك تكلفة التذكرة يبقى في المعتقل
حتى يتمكن من سداد ثمنها.
وفي حالة العائلات الفلسطينية التي يتحدث عنها التقرير،
فإن امتلاكهم لهوية اللاجئ ( الدفتر الأبيض/ بطاقة لاجئ من وكالة الأونروا)،
يخضعهم لمعاملة أخرى، لعدم وجود بلد لهم يتم إعادتهم إليه، مما يعرضهم لما يسمى بـ"الاعتقال
المفتوح".
تعرضت هذه العائلات، لحملات ملاحقة منذ انتهاء فترة
إقامتهم القانونية أي قبل 5 سنوات، ولكن ووفق الشهادات التي وصلتنا، فإن هذه
الحملة اشتدت في الشهرين الماضيين، وازدادت حدتها بشكل كبير، في الأيام القليلة
الماضية.
وأثناء إعدادنا للتقرير، وحول الاستفسار عن أعداد
المعتقلين وظروف الاعتقال، أبلغنا أن الشرطة التايلندية قد اعتقلت 4 عائلات من
بينهم أطفال ونساء، وبلغ عددهم 18 لاجئا.
وتقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين المعتقلين في السجون
التايلندية، في سجن IDC (سجن إدارة الهجرة والجوازات التايلندية)، بأحدث إحصائية أكثر من
20 عائلة يقدر عدد أفرادها بـ 58 شخصا والأرقام قابلة للزيادة كل يوم.
شهادة
معتقل سابق في سجن IDC
وفق رواية أحد المعتقلين السابقين والذي خرج من
المعتقل، شرح لنا ظروف الاعتقال وأوضاع المعتقلين، فقال: " بعد أن يتم
اعتقالنا من قبل الشرطة التايلندية، نعرض على محكمة ويتم تغريم كل فرد محتجز مبلغ
يقدر بـ 150 دولارا أمريكيا، ثم يتم نقلنا إلى مركز الاعتقال في سجن IDC ، وهو
سجن يتبع إدارة الهجرة والجوازات، ويتم وضعنا في غرفة في أقصى حالاتها تتسع لـ 30
شخصا".
مضيفا: " لكن في الغرقة التي تم احتجازي فيها بلغ
العدد أكثر من 100 شخص، يتم فصل الرجال عن النساء، طبعا لا يميزون حالة عن حالة
بين رجال ونساء وأطفال، ومكان الاعتقال يفتقر لأدنى الاحتياجات الإنسانية، فالحمام
مشترك للجميع ومليء بالجرذان والحشرات، والأمراض الجلدية المعدية
والفيروسات الضارة، التي تنتشر بين المعتقلين بشكل سريع، أما الطعام فهو
عبارة عن خيار مسلوق وأرز مخشب" .
وأشار
المعتقل السابق إلى تواجد عدد من كبار السن في السجن، وهم يعانون من الأمراض مثل
القلب والسكر والضغط، بالإضافة إلى تواجد الأطفال واحتياجاتهم إلى اللقاحات
الدورية.
وأفصح لنا أنه على تواصل مع أشخاص معتقلين حاليا، وأن
ظروف الاعتقال لم تختلف أبدا عن سابقها، بل ازدادت سوءا لكثرة الأعداد، مما اضطرهم
إلى المناوبة في النوم بين المعتقلين، وأوضح أن أطول فترة يقضيها حاليا لاجئ
فلسطيني في المعتقل بلغت 3 سنوات متواصلة.
وحينما سألناه عن معاملة اللاجئين الفلسطينيين في
المعتقل، أبلغنا أن اللاجئ الفلسطيني الذي يحمل وثيقة لاجئ ( بطاقة un )، لا يتم
ترحيله و يبقى في المعتقل حتى تأتي إحدى السفارات الأجنبية، وتوافق على استقباله
ثم تقوم بتسفيره إلى بلدها، وأشار إلى أن هناك بالفعل حالات تم تسفيرها، منها إلى
كندا واستراليا بعد سنوات من الاعتقال.
المؤسسات الأممية والجهات الرسمية الفلسطينية
كان للأمم المتحدة وفق رواية العائلات الفلسطينية في
تايلند، سبب رئيس في الوضع الذي هم فيه، فكان لهذه المنظمة دور في إعادة توطين
العديد من العائلات التي وصلت تايلند سابقا خلال سنة ونصف، مما شجعهم على المضي في
هذه الخطوة، بعد ذلك اقتصر دورها على تقديم الوعود بإمكانية تسفيرهم إلى بلد ثالث
منذ الفترة الأولى لتواجدهم في تايلند، ولكن هذه الوعود سرعان ما تبددت، و أصبحت
ردودهم " اذهبوا إلى منظمة BRC أو GRS (منظمات تتبع لمنظمة UNHCR في تايلند) فهم يمكنهم أن يقدموا لكم المساعدة".
قي المقابل تأتي ردود هذه المنظمات و UN،
"لا نستطيع أن نحميكم وعليكم أن تسلموا أنفسكم للسلطات التايلندية
ويطالبوننا بعدم مقاومة الشرطة التايلندية أو الهروب منها".
مطالب العائلات الفلسطينية في تايلند
أجمعت العائلات الفلسطينية اللاجئة والمتواجدة في مملكة
تايلند ومنها المعتقل في السجون، على عدد من المطالب ننقلها كما وصلتنا:
نظرا لمضي ما يزيد عن خمس سنوات من المعاناة والظروف
القاهرة والانتهاكات اللاإنسانية بحقنا نحن اللاجئون في تايلند والآثار النفسية
الجسيمة التي لحقت بأطفالنا بسبب انعدام الأمان وعدم الاستقرار والخوف الدائم من
الاعتقال نطالب بما يلي :
أولا : إخراج كافة اللاجئين من داخل السجون وعودتهم إلى
عائلاتهم بالسرعة القصوى.
ثانيا : توطين كافة اللاجئين الحاصلين على بطاقات ال UN وتسفيرهم إلى بلد آمن يحترم
الإنسان .
ثالثا : توفير حياة أكثر أمنا واستقرارا لأطفالنا
وممارسة حقهم الطبيعي في التعليم واللعب .
رابعا : توفير الرعاية الصحية والدعم النفسي لأطفال لم
يعرفوا من طفولتهم سوى الخوف والكبت في ظل هذه الظروف السيئة .
أطفالنا أمانة في أعناقكم ..
ساعدوا ما تبقى من طفولتهم ..
كما طالبت العائلات الفلسطينية بإيصال صوتهم إلى مدير
منظمة الهجرة في الأمم المتحدة في جنيف، لإنقاذ الأطفال والنساء وكبار السن.
وفي رسائل مباشرة للعالم منها:
" أطفالنا أمانة في أعناقكم ومستقبلهم أمانة في أعناقكم".
"بدنا نعيش بكرامتنا وبدنا أزواجنا تطلع من السجن"
"بدنا أبسط الحقوق لأي إنسان وهي العيش بكرامة"
"بدنا أبسط مقومات الإنسانية يلي هي عدم الخوف من أي شيء "
"بدنا ولادنا يمارسوا حقوقهم بالتعليم واللعب بأمان"
" بدنا أبسط حق من حقوق الطفل إنو يكون عنده غرفة مستقلة،
نحن تبهدلنا ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
" نحن ما بدنا معونات، نحن أول مطالبنا، شبابنا وأولادنا
يطلعوا من السجن، و نريد توطين و سفر ، وأبسط طلب لنا كحق للفلسطينيين نعيش بأمان
أنا ما بفكر بحالي وزوجي أنا بفكر بأولادي قضوا حياتهم معترين ومشردين ، نحن
نناشدكم بالله نناشدكم بأن تجدوا حلا يخرج جميع من في السجن، ومع توطين وسفارة
وإلا الحالة ستسوء أكثر أكثر وأكثر".
"مطالبنا هي السفر لدولة ثالثة مطالبنا هي أبسط حق للإنسان هي الأمان، والأطفال ما تكون عليها خطر".
المصدر : موقع فلسطينيو الخارج
20/2/1440
29/10/2018