وكان
وزير التنمية السياسية الأردني خالد الكلالدة قال أول من أمس إن الحكومة تفاهمت
وإحدى الكتل البرلمانية الكبيرة على منح أولاد وأزواج الأردنيات حقوقاً مدنية، لافتاً
إلى أن لجاناً ستشكل داخل الوزارات المعنية للبت فيه، واستكمال إصدار القرار من
مجلس الوزراء.
وأضاف:
«شددنا على وضع نص في متن القرار، يؤكد أن هذه الحقوق لا تعتبر أساساً لمنح
الجنسية الأردنية لأولاد وأزواج الأردنيات، خشية الحديث عن الوطن البديل (توطين
الفلسطينيين في الأردن)، وحتى لا يؤدي القرار إلى فتح باب التجنيس».
وأثارت
تصريحات الوزير عاصفة في البلاد تصدرتها نخبة رسمية تقليدية، لم تتردد في التعبير
عن قلقها حيال ملف التجنيس المفترض.
وقاد
رئيس الديوان الملكي السابق الجنرال المتقاعد رياض أبو كركي، أحد أبرز شخصيات
الحرس القديم داخل «النظام» الرسمي، هجوماً نادراً على القرار الحكومي المرتقب.
لكن
الكثير من الساسة الأردنيين المحسوبين على المكون الفلسطيني اعتبروا أن تصريحات
أبو كركي - الذي كان رئيساً لطاقم الملك عبدالله الثاني العام الماضي - تعبر عن
نظرة «عنصرية»، في حين أن عدداً لا بأس به من هؤلاء يتهمهم الطرف الآخر بـ «تبني
مواقف شيفونية تجاه كل ما هو أردني الأصل».
وقال
أبو كركي في تصريحات حملت عبارات قاسية وأخرى تهكمية إن حديث الحكومة عن الحقوق
المدنية «دعوة صريحة إلى التوطين». وأضاف: «لماذا لا يمنح ابن الأردنية المتزوجة
من فلسطيني جواز سفر والده، الذي له كيان معترف به اسمه السلطة الوطنية الفلسطينية».
وتابع
متحدثاً باللهجة العامية: «الأردنيات يخزي العين، لا شغلة ولا مشغلة إلا الخلفة
(الإنجاب) ».
واستطرد:
«بطّلنا نتحمل، بكفينا بلاوينا، مش ناقصنا نلم مما هب ودب».
ورد
موسى برهومة، أحد أبرز الشخصيات السياسية الأردنية - الفلسطينية على أبو كركي
بالقول: «رئيس الديوان الملكي السابق رياض أبو كركي سكت دهراً ونطق "كفراً".
يبدو أنه مصاب بفوبيا الآخر، أو أنه يحنّ لمقولة نقاء الجنس الآري».
وأضاف:
«القصة لا تعدو كونها حقوقاً إنسانية ومدنية لآلاف الأشخاص المقتلعين من التاريخ
والجغرافيا... ومن الرأفة».
لكن
الحكومة الأردنية ردت على لسان الكلالدة بالقول أيضا إن «مخاوف الأردنيين تجاه
ملفي التجنيس والتوطين مبررة، لا سيما في ظل جولات وزير الخارجية الأميركي على
المنطقة، وتصريحات اليمين "الإسرائيلي" المتطرف الداعية إلى تحويل
الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين».
وقبل
ذلك، أكد رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور لعدد من الساسة والناشطين، أن تجنيس
أبناء الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين «غير وارد»، وأن قرار منحهم حقوقاً مدنية
«غير مرتبط أبدا بمفاوضات السلام الجارية حالياً».
ووسط
المناشدات الصادرة عن آلاف الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين باسترداد حقوق
أبنائهن في الحياة مدنياً لا سياسياً، عاد أبو كركي وغيره الكثير أمس ليهاجم
مبررات الحكومة، ويربط بين توقيت القرار وجولات كيري، مؤكداً أن عدد أبناء
الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين يفوق المليون ابن، وهو رقم يخالف البيانات
الرقمية لوزارة الداخلية التي سارعت إلى التأكيد أن عدد المستفيدين من القرار لا
يتجاوز 338 ألف ابن، من زواج نحو 89 ألف إمرأة أردنية من غير أردنيين (قرابة 60 في
المئة منهن متزوجات من فلسطينيين).
وكان
لافتا أن تصريحات أبو كركي المثيرة للجدل عبّرت عنها طبقة عريضة من رجالات الدولة
وساستها الشرق أردنيين خلال اليومين الماضيين. ومن هؤلاء الوزير والنائب السابق
ممدوح العبادي، الذي قال في تصريحات مثيرة أمس، إن «توجه الحكومة يثير العديد من
الشبهات»، داعياً البرلمان إلى إجهاض القرار.
وتعرب
نخبة رسمية شرق أردنية، في شكل علني، عن خشيتها من تغيير التركيبة السكانية، وتنفي
عن نفسها تهم العنصرية، وتؤكد رفضها خيار الوطن البديل، بينما تتهم نخبة أخرى
منبثقة عن المكون الفلسطيني مراكز قوى تقليدية بـ«ممارسة التمييز ضد العائلات
الفلسطينية، بحجة الخوف من التوطين».
وتنظر
بعض النخب السياسية والأمنية في الأردن منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 1970، بريبة إلى
الديموغرافيا الفلسطينية.
وخلافاً
لتصور الملك الراحل حسين بن طلال الوحدوي مع الفلسطينيين، كانت تلك النخب مرحبة
بقرار فك ارتباط الضفة الشرقية (الأردن) عن ضفتها الغربية الفلسطينية، وسعت إلى تفعيله
داخلياً.
وقبل
فك الارتباط أجرى جهاز المخابرات العامة إحصاء لأعداد الأردنيين من أصل فلسطيني
خارج الضفة الغربية، وكانت نسبتهم 48 في المئة.
وبعد
تطبيق القرار ظلت تنخفض هذه النسبة حتى وصلت في آخر إحصاء الى 43 في المئة.
المصدر : الحياة
28/1/2014