بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
أما بعد فهذه حلقة جديدة من هذه السلسة بعنوان تحريم الذبح لغير الله :
الذبح لغير الله من الأمور الشركية التي ينبغي للمسلم أن يتجنبها فقال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162.
نسكي : أي ذبحي وحجي وعبادتي.
قال الإمام السعدي في تفسيره : ثم خصص من ذلك أشرف العبادات فقال: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي } أي: ذبحي، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان والجوارح، وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال، لما هو أحب إليها وهو الله تعالى هـ.
وقال عز وجل {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة173.
قال السعدي رحمه الله: { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } أي: ذبح لغير الله، كالذي يذبح للأصنام والأوثان من الأحجار، والقبور هـ .
وقال سبحانه وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }الكوثر2 .
قال صاحب أيسر التفاسير: { فصل لربك وانحر } أي فاشكر هذا الإِنعام بأن تصلي لربك وحد ولا تشرك به غيره وكذا لنحر فلا تذبح لغيره تعالى في هذا تعليم لأمته وهل المراد من الصلاة صلاة العيد والنحر الأضحية لا مانع من دخول هذا في سائر الصلوات والنسك وقوله تعالى إن شانئك هو الأبتر أي إن مبغضك في كل زمان ومكان هو الأقل الأذل المنقطع النسل والعقب هـ .
وقال تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الحج36
قال صاحب التفسير الميسر: وجعلنا لكم نَحْرَ البُدْن من شعائر الدين وأعلامه؛ لتتقربوا بها إلى الله، لكم فيها- أيها المتقربون -خير في منافعها من الأكل والصدقة والثواب والأجر، فقولوا عند ذبحها: بسم الله. وتُنْحَر الإبل واقفة قد صُفَّتْ ثلاث من قوائمها وقُيِّدت الرابعة، فإذا سقطت على الأرض جنوبها فقد حلَّ أكلها، فليأكل منها مقربوها تعبدًا ويُطْعِمُوا منها القانع -وهو الفقير الذي لم يسأل تعففًا- والمعترَّ الذي يسأل لحاجته، هكذا سخَّر الله البُدْن لكم، لعلكم تشكرون الله على تسخيرها لكم أ.هـ.
وأما من السنة فقد وردت أحاديث تحث المسلم على أن تكون هذه الشعيرة خالصة لوجهه الكريم وتحرم صرفها لغيره سبحانه وتعالى.
فعن الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَيْكَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ قَالَ فَقَالَ مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ...الحديث.( رواه مسلم في باب تحريم الذبح لغير الله تعالى) .
قوله : ( من ذبح لغير الله ) ، عام يشمل من ذبح بعيرا ، أو بقرة ، أو دجاجة ، أو غيرها .(ابن عثيمين).
وقي كتاب الروضة في الفقه الشافعي:وفي كتاب القاضي ابن كج أن اليهودي لو ذبح لموسى أو النصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم أو للصليب حرمت ذبيحته وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو ذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقوى أن يقال يحرم لأنه ذبح لغير الله( روضة الطالبين في الفقه الشافعي).
تنقسم الذبائح إلى ثلاثة أقسام :
أولا : ذبائح مشروعة وهي مثل.
1- الضحايا.
2- الهدايا.(وهو من ذبح الهدي في الحج).
3- ذبح النذور لله .
4- العقيقة على المولود.
5- الذبح في الولائم.
6- الذبح لإكرام الضيوف .
بشرط أن تكون النية لإكرام الضيف لله وليس لكسب مصلحة عنده لتعظيمه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :فلو قدم السلطان إلى بلد، فذبحنا له، فإن كان تقرباً وتعظيماً؛ فإنه شرك أكبر، وتحرم هذه الذبائح، وعلامة ذلك: أننا نذبحها في وجهه ثم ندعها.
أما لو ذبحنا له إكراماً وضيافة، وطبخت وأكلت؛ فهذا من باب الإكرام، وليس بشرك.
وقوله: (لغير الله) يشمل الأنبياء، والملائكة، والأولياء، وغيرهم؛ فكل من ذبح لغير الله تقرباً وتعظماً؛ فإنه داخل في هذه الكلمة بأي شيء كان هـ.
7- ذبح صدقة يتقرب بها إلى الله.
8- ذبح الفدية في الحج والعمرة.
ثانيا:ذبائح مباحة وهي مثل:
1- ذبح الجزار للأكل.
2- الذبح للأكل.
ثالثا : ذبائح محرمة , وهي قسمان:
القسم الأول: شرك اكبر مثل:
1- الذبح للأصنام.
2- الذبح للجن.
3- الذبح للقباب والمشاهد والقبور.
4- الذبح لمرض الزار وهو من أنواع الذبح للجن.
5- الذبح للبئر الجديدة قبل الشرب من مائها وهو من أنواع الذبح للجن.
6- الذبح عند الانتهاء من بناء البيت الجديد قبل السكن بقصد حجاب من الجن.
7- الذبح عند دخول العروسين البيت ومشيهما على دم الذبيحة.
8- الذبح للمريض من أجل الجن أن يخرجوا منه أن كانوا قد دخلوا فيه.
والخلاصة إن الذبح لغير الله شركا اكبر.
القسم الثاني من الذبائح المحرمة مثل:
1- الذبح لله في مكان زعموا فضل الذبح لله فيه ولم يأت دليل من الشرع بذلك.
2- الذبح عند الخصومة لإرضاء الخصم ولا يرضى عنه خصمه الابذلك وله أسماء متعددة عندهم.
ومن أهل العلم من عده من الشرك كالشيخ ابن باز رحمه الله كما في مجموع الفتاوى له 2\573 .
3- الذبح عند القمار يذبحه المغلوب للفائزين.
4- ومن الذبائح المبتدعة تخصيص ذبيحة ليلة النصف من شعبان , أو 27 رجب , أوليلة 12 ربيع الأول , أو أول السنة أو آخر السنة. إلى غير ذلك من الذبائح المبتدعة.(عن القول المفيد للوصابي).
فتوى للجنة الداثمة بتحريم الذبح لغير الله:
س: يقول صلى الله عليه وسلم: « لعن الله من ذبح لغير الله » ما هو المقصود من ذلك، ونحن في الجنوب إذا ذبح شخص لضيف أو لأهل بيته يقول: باسم الله وعلى ملة رسوله الله صدقة لوجه الله، اللهم اجعل ثوابها لي ولأهل بيتي؟
ج11: المقصود من الحديث تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء؛ رجاء بركتهم، والذبح للجن؛ إرضاءً لهم، ورجاء قضائهم للحاجات، أو دفعًا لشرهم فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة الله وغضبه، أما الذبح للضيوف إكرامًا لهم أو للأهل توسعة عليهم، والذبح تقربًا إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي والميت فهذا جائز، بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله، وهكذا الضحايا يوم النحر عن الأموات والأحياء.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أ.هـ.
أخوكم: وليد ملحم
8/5/2010
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"