كتب - عامر راشد
تضاعف عدد اللاجئين الفلسطينيين خلال السنوات، التي تلت النكبة عام
1948 إلى ما يقارب خمسة أضعاف عددهم غداة النكبة، ويتوزع جزء كبير منهم على 60
مخيماً تنتشر في كل من: الأردن (10) مخيمات، لبنان (12) مخيماً، سوريا (11)
مخيماً، الضفة الفلسطينية (19) مخيماً ، قطاع غزة (8) مخيمات. أما بالنسبة
للفلسطينيين الذين لم يهاجروا من أرضهم، وخضعوا للحكم العسكري "الإسرائيلي"،
فقد ازداد عددهم من 150 ألف نسمة عام 1948 إلى مليون623 ألف نسمة، بما نسبته 20,6%
من إجمالي سكان "إسرائيل" 2012، والكثير منهم من أبناء قرى مهجرة تمنعهم
السلطات "الإسرائيلية" من العودة إليها.
ويضاف إلى عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في قيود
"الأونروا" مليون ونصف المليون من لاجئي عام 1948 غير مسجلين، إمّا
لأنهم لم يسجلوا أسماءهم، أو لم يحتاجوا للمساعدة عندما صاروا لاجئين، و773 الف
لاجئ نزحوا في عام 1967؛ و 263 ألف نزحوا داخل وطنهم -المناطق التي أنشأت عليها
دولة "إسرائيل" عام 1948- وأكثر من 700 ألف يعيشون في المغتربات
الأوروبية والأمريكية الشمالية واللاتينية.
ومنذ إنشاء "إسرائيل" على 87 في المائة من أراضي فلسطين
التاريخية، ترفض الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة والإدارات الأميركية
وحكومات الدول الغربية الداعمة لها، الانصياع للقانون الدولي، فيما يتعلّق بحقوق
اللاجئين الفلسطينيين، رغم أن المجتمع الدولي أجمع إلى حد بعيد على تأييد حقهم في
العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
وتجسّد الإجماع الدولي على دعم حق العودة في القرار 194 الذي يجري
التأكيد عليه سنوياً في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وورد بالنص الحرفي
للفقرة 11 من القرار: "... اللاجئون الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم
والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يُسمح لهم بعمل ذلك في أقرب وقت ممكن، ويجب أن
تُدفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين يختارون عدم العودة، وعن الخسارة أو الضرر
في الممتلكات التي، وفقاً لمبادئ القانون الدولي أو الإنصاف، يجب إصلاحها من قبل
الحكومات أو السلطات المسؤولة.. وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة
اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، وكذلك دفع
التعويضات، والمحافظة على الاتصال الوثيق لهيئة إغاثة الأمم المتحدة للاجئين
الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والولايات المناسبة في منظمة الأمم
المتحدة". وفي تأكيد على الفقرة الأخيرة من القرار قدّم المجتمع الدولي الدعم
لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي أسست في نهاية العام 1949 بالقرار
(302/د4)، ويتم التجديد لها دورياً كل ثلاث سنوات.
إلا أن "إسرائيل" تصر على شطب حق عودة اللاجئين من أسس
تسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهذا الموقف "الإسرائيلي" لم
تفرضه الوقائع الديمغرافية والسياسية اللاحقة للعام 1948، كما يدعي الخطاب السياسي
والإعلامي "الإسرائيلي"، فعشية النكبة الفلسطينية عين ديفيد بن غوريون
أول رئيس وزراء لدولة "إسرائيل" في آب/أغسطس عام 1948 لجنة أوكلها مهمة
منع عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وحشد تأييد دولي لتوطينهم في البلدان المضيفة
لهم، وإبعادهم قدر المستطاع عن المناطق القريبة من أراضيهم التي شردوا منها. وفي
أكثر من مناسبة أكد بن غوريون أن الخيار الأفضل بالنسبة "لإسرائيل"، نقل
اللاجئين الفلسطينيين من الأردن ولبنان وسوريا إلى العراق وتوطينهم هناك.
ولم تتوقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية و"إسرائيل"،
وبعض الدوائر الرسمية العربية المتواطئة معها، عن تقديم مشاريع للإجهاز على قضية
اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم، وبلغ عدد مشاريع التوطين أكثر من خمسين
مشروعاً، أهمها مشروع ماك غي مستشار وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق
الأوسط في العام 1949، ودعا ماك في مشروعه إلى حصر حق العودة بإعادة مائة
ألف لاجئ إلى أراضيهم من أصل ما بين 800 - 900 ألف لاجئ فلسطيني في ذلك الحين،
واقترح توطين الباقين منهم في الدول التي تستضيفهم، وتقديم سلة مساعدات لهذه الدول
لتتمكن من إدماجهم في بناها المجتمعية.
وفي العام ذاته وبضغط من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها،
شكَّلت الأمم المتحدة لجنة برئاسة غوردن كلاب (اللجنة الكلابية) لوضع التصورات
والمخططات اللازمة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. وأخذت الأمم المتحدة بتوصيات اللجنة،
وقامت بتأسيس صندوق لتمويل برنامج التوطين بكلفة 49 مليون دولار، والتزمت الولايات
المتحدة الأميركية بالمساهمة بنسبة 70% من الكلفة المقدرة.
وفي العام 1951 طرح المفوض العام السابق لوكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" جون بلاند فورد، على الجمعية العامة
للأمم المتحدة مشروعاً تخصص بموجبه ميزانية مقدارها (250) مليون دولار، لتوطين
اللاجئين الفلسطينيين.
واقترح إريك جونستون الممثل الخاص للرئيس الأمريكي إيزنهاور عام
1955 توطين اللاجئين الفلسطينيين في شرق الأردن. وفي العام ذاته قدم وزير الخارجية
الأميركي جون فوستر دالاس مشروعاً لتوطين مليون
لاجئ فلسطيني في العراق. كما اقترح
الرئيس الأميركي جون كينيدي عام 1957على الحكومة "الإسرائيلية" قبول
مبدأ عودة من يرغب من اللاجئين الفلسطينيين تحت السيادة "الإسرائيلية"،
وتعويض من لا يرغب منهم في العودة وتوطينهم في أماكن لجوئهم، وهو ما رفضته "إسرائيل"
بشكل قاطع. وفي العام ذاته أطلق عضو الكونغرس الأميركي هيوبرت همفري مشروعاً
للتعويض على الفلسطينيين بدلاً من حق العودة.
وبضغط من الولايات المتحدة الأميركية قدَّم الأمين العام للأمم
المتحدة، داغ همرشولد إلى الجمعية العامة في دورتها الرابعة عشرة سنة 1959، خطة
اقترح فيها تقديم الدعم الاقتصادي للاجئين الفلسطينيين والدول المضيفة لهم ليتم
توطينهم فيها. وتليه عام 1962 جوزيف جونسون رئيس مؤسسة "كارنغي للسلام
العالمي" بتقديم مشروع يقوم على إعطاء اللاجئين فرصة الاختيار بين العودة
والتعويض، واقترح أن تكون التعويضات مجزية لحثهم على القبول بها، وأن تشمل
التعويضات من ليس لهم ممتلكات في فلسطين بتعويض مالي مقطوع لمساعدتهم على الاندماج
في الدول التي سيوطنون فيها. ورفض هذا المشروع من قبل "إسرائيل" على
لسان وزيرة خارجيتها آنذاك غولدا مائير، مدعية استحالة عودة اللاجئين إلى المناطق،
التي شردوا منها في العام 1949 وما تليه، وتمسك "إسرائيل" بالتوطين
كخيار وحيد.
وتقَّدم رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الأسبق ليفي إشكول في
إحدى جلسات الكنيست سنة 1965 بمشروع نص على توجيه جزء من الموارد الكبيرة للمنطقة
باتجاه إعادة توطين اللاجئين، ودمجهم في بيئتهم الوطنية الطبيعية، التي اعتبرها
الدول العربية. واستعداد "إسرائيل" للمساهمة المالية إلى جانب الدول
الكبرى في عملية إعادة توطين اللاجئين كحل مناسب لهم و"لإسرائيل".
وطرح إيغال ألون وزير العمل في حكومة ليفي إشكول، مشروعاً للتسوية
مع الأردن سنة 1968. واعتبر في مشروعه أن حل مشكلة اللاجئين ممكن بالتوطين فقط.
وأن الأمر بالنسبة "لإسرائيل" منته، لأنها تعتبر أن ما وقع في العام
1948 كان بمثابة تبادل قسري للسكان، وعلى الدول العربية أن تستوعب اللاجئين
الفلسطينيين وتوطنهم على أراضيها.
وشجَّعت العملية السياسية، التي انطلقت في مدريد خريف العام 1993
على إطلاق عدة مشاريع للتوطين، حيث اقترح الدبلوماسي الكندي مارك بيرون رئيس لجنة
عمل اللاجئين المنبثقة عن مؤتمر مدريد مشروعاً لـ "شرق أوسط جديد دون
لاجئين"، من خلال منح الهوية لمن لا هوية لهم، وتوطين الفلسطينيين في دول
اللجوء الحالية بحيث يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والمدنية كاملة.
وحاولت بعض الشخصيات الرسمية في السلطة الفلسطينية، إيجاد مقاربات
لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال إعلان وثائق مع شخصيات "إسرائيلية"
غير رسمية، اقترحت فيها مقايضة حق العودة بتنازلات "إسرائيلية" في ملفات
القدس والمستوطنات واللاجئين، إلا أنها لم تلق قبولاً من الجانب الرسمي "الإسرائيلي"،
ومن أبرز هذه الوثائق: "وثيقة أبو مازن ـ بيلين"، "مشروع سري نسيبة
ـ عامي إيالون"، "وثيقة جنيف ـ البحر الميت" التي وقعها ياسر عبد
ربه ويوسي بيلين.
وعلى أبواب نهاية ولايته الرئاسية الثانية، اقترح بيل كلينتون في
مفاوضات كامب ديفيد2، 20 كانون الأول/ ديسمبر 2000، حل قضية اللاجئين الفلسطينيين
بوضع عدة خيارات أمامهم مشطوب منها خيار العودة إلى ديارهم التي شردوا منها في
العام 1948، وتنصرف الخيارات الأخرى إلى توطينهم في البلدان التي تستضيفهم،
أو إعادة تهجيرهم وتوطينهم في بلدان أخرى تقبل بهم، مع عودة لجزء محدود منهم لا
يتجاوز نصف مليون إلى أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة. وواصلت إدارتا بوش الابن
وباراك أوباما السياسات الرسمية الأميركية المعادية لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين
إلى ديارهم، بزعم أن هذا الحق قد تقادم وتجاوزته الوقائع على الأرض، وغير ممكن
التطبيق.
وعلى مدار خمسة وستين عاماً من النكبة الفلسطينية فرضت الولايات
المتحدة الأميركية وحليفاتها الغربيات على المجتمع الدولي التعامل مع "إسرائيل"
كدولة فوق القانون الدولي، وفوق المحاسبة الدولية على أعمالها المنافية للقرار
194، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدة الدولية للتخلص من كافة أشكال
التمييز العرقي، والميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية.
وإمعاناً في التنكر لحق العودة، تستخدم الولايات المتحدة والدول
الغربية عادة مصطلح الاعتراف بـ"حقوق اللاجئين" وليس بـ "حق العودة
للاجئين"، لحصر الحقوق والمعالجات في الحيز الإنساني فقط دون تبعات سياسية أو
قانونية، وهذا ما كانت تشترطه "إسرائيل" دائماً في الغربية أي مقاربة
لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
غير أنه؛ وبعد 65 عاما من النكبة الفلسطينية وإنشاء دولة "إسرائيل"،
مازال حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم المكون الرئيسي للقضية
الفلسطينية، ولا يمكن تخيل حل شامل ومتوازن للصراع الفلسطيني - "الإسرائيلي"
دون تلبية حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
المصدر : وكالة أنباء موسكو
15/5/2013