قصة حقيقية لأم تهجو ابنائها بالشتات - مريم العلي

بواسطة قراءة 1822
قصة حقيقية لأم تهجو ابنائها بالشتات  - مريم العلي
قصة حقيقية لأم تهجو ابنائها بالشتات - مريم العلي

وفي مقالي هذا سوف تجد كلام عن الأم مؤثر وهي قصة حقيقة .. ذهبت بنفسي لاصدق ما امامي حملت اوراقي وقلمي ولم اكن احتاج لمساعدة من يدلني عليها بشكل دقيق البعض يعرفها فدخلت لغرفتها وما ان رأتني حتى انفجرت اساريرها بابتسامة عذبة وعريضة سرعان ما تلاشت باقترابي منها سالتها ممكن اعرف قصتك ..

فروت (ن.أ.ر) توفي زوجي بعد خمسة عشر عاما ونصف العام من الزواج عام 1958 عملت فى مجال الخبز للناس والخياطة لتوفير نفقات المعيشة وتربية اولادي دون الاعتماد على صدقات احد .. وهي عزيزة النفس بشدة .. حلمت بالعيش فى غرفة يعلوها سقف حتى لو كان من الخشب بدلا من زعف النخيل الذى كان يتسبب فى سقوط الاتربة عليها واولادها ..

تروى الام المثالية قصة كفاحها بانها نشأت فى أسرة فقيرة في  منطقة تحت التكية سوق حنون وسط العاصمة بغداد  وكان حلمها منذ طفولتها الالتحاق بالتعليم، ولكن ظروف المعيشية لأسرتها لم تمكنها من ذلك، فتزوجت من رجل يكبرها بـ20 عاما، كان يعمل موظف بسيط، فرحل عنها إلى ربه بعد 15عام فقط من الزواج ، فقررت تحقيق حلمها فى أبنائها  ، كانت تستيقظ قبل الناس وقت الفجر للعمل  لتخبز الصمون للناس تحملت كثيرا من الإهانات والمشاكل من أقاربها وجيرانها بسبب رفضها الزواج نظرا لصغر سنها وحسن منظرها ، فصمدت وأصرت على تربية اطفالها وتحقيق حلمهم الذي فقدته في صباها ..

عندما تقدم سن الأطفال والتحقوا بالمدارس زادت أعباء ومتطلبات الحياة على " ن.أ.ر  " ، فعملت في حياكة الملابس التي تعلمتها على ماكينة خياطة بمنزلها ، واستمرت في هذا العمل لأكثر من 10 سنوات حتى كبر الأبناء، فى منزل متأكله جدرانه من الرطوبة في بيت لم يصد سقفه غبار التراب الذي كان يتساقط على وجوههم أثناء النوم، كانوا يستذكرون دروسهم على لمبة الجاز وبعدها انتقلت الى منطقة البلديات واولادها وما ان مرت سنين وسنين حتى كبروا وتوظف اولادها وتزوج الواحد تلو الاخر وبقيت الام مع ابنها الاخير وحدهما حتى مرت الايام الصعاب على بلدها واشتد وطيس القتل والتنكيل فغادر ابناءها وبناتها الواحد تلو الاخرالى بلاد الشتات وباعت شقتها لاجل ابنها الصغيرليهاجرها ايضا لتسكن بغرفة متصدعة الجدران في منطقة البتاوين لتعيد عليها السنوات التي مضت لتبقى الام وحيدة بتلك الغرفة لا من سائل ولا من مجيب لها من اولادها الذين تخلوا عنها في بلاد المهجر وكل منهما يحمل الاخرمسؤولية اتجاه امه وهكذا تركوا امهم لوحدها بين جدران الغرفة يتيمة تلوذ الخبز صخرا والحياة قهرا وانا اكتب بقلمي الجماد وهل حقا المدون بيت اصابعي جماد اخرس مما يدون لا ينطق نعم قلم جماد واحساس متدفق نحوها يدفع يدي للارتعاش من حصرتها على اولادها الذين نكلوا بها والتي عاصرت وذاقت الامرين بتربيتهما من مأكل لمشرب لمستشفيات لركض هنا وهناك لاجلهم وتذرف عيونها دمعا وتقول  كلما صليت ليلا الوك الخبز صخرا على درب الحياة مشيت ولبست عيشها قهرا وسأموت عزا قبل أن اغفى على وسادتي لا انام الليل فان مت اموت عزيزة وموتي ولاده وقلبي جريح نازف خلف الجدران المتصدعة الى متى هذا الفراق والاسى منهم الي ..

انها لقصة اغرب من الخيال ولا يستوعبها عقل فاين ابنائها ومن يراها يتقطع قلبه اسى وحسره ام لا تعرف عن ابنائها شيء لدرجة اني شككت ان الامر سرا فربما قال احد لهم ان امكم ماتت ورغم صعوبة هذا الشيء الا انه اقل الم من تركهم لها منعزلة وحيدة كتبت كثيراً ملأت الدفاتر والأوراق والملفات حملت هذه المساحات البيضاء بما لا تطيق وقليلاً ما حاولت أن أتسائل ما جدوى هذا النزف من يقرأ هذه الكلمات الذاهبة بي نحو التعب نحو الاحتراق الفوري نحو الانطفاء من دون إسعافات أولية ومن دون حتى أن يُحثى على ناري التراب يقولون إن الرمل المُبلل بالماء يُطفئ اللهب لكن لهيب البوح لا يوجد له علاج ماعدا الانغماس أكثر في الكتابة والإستسلام لرعاف قلمٌ لا ينضب وهذا التوغل استوقف أحبُ مخلوق في وجه الأرض على قلبي والدتي وامي استذكرتها وانا استمع لعجوز تجاوزت عقدها الثامن ..

فاتقوا الله تعالى واطيعوه واحذروا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة واذا كان من قريب وخاصة ام اب فهو اشد جرما واعظم اثما وانكى جرحا لانه ظلم وقطيعة وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب يقول الله تعالى

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23) } [محمد : 22-23] .

 فاستذكرت امي رحلت عنا وبقيت ذكراها الجميلة وكلماتها العذبة .. اللهم ادخل امي الفردوس بلا حساب ولا سابقة عذاب .. اللهم آمين .

 

بقلم : د.مريم العلي

6/1/1440

16/9/2018

 

حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"