بداية الحكاية
مريم هي واحدة من آلاف الفلسطينيين الذي
يعيشون في لبنان بدون وثائق رسمية. ففي العام 2004 تم الكشف وتسليط الضوء على
مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين في منطقة جنوب وادي البقاع في لبنان، والتي يبلغ عدد
أفرادها حوالي 3000 شخص يعيشون في مخيمات غير رسمية، وعلى عكس لاجئي عام 1948 فإن
معظمهم لا يعيشون في مخيمات تتمتع بدعم من شبكات الأقارب والجيران، بل وصلوا
أفراداً ومجموعات صغيرة، وعايش الكثير منهم تجارب معقدة ومؤلمة من النزوح المتعدد.
كان بعض هؤلاء اللاجئين مسجلاً في سجلات
الأنروا بالفعل كلاجئي عام 1948 في غزة أو الضفة الغربية أو الأردن أو سوريا ولكن
تم نفيهم مرة أخرى، حيث طردت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" بعضهم من الضفة
الغربية أو غزة. أما البعض الأخر فهم مقاتلون سابقون في منظمة التحرير الفلسطينية
وأجبروا على مغادرة الأردن عام 1970 بعد مواجهات ”أيلول الأسود“ التي دارت مع
الحكومة الأردنية، وسحبت منهم وثائقهم وأوراقهم الثبوتية. كما أدى طرد الاحتلال
"الإسرائيلي" لمنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 إلى ترك
المقاتلين السابقين دون أي حماية رسمية.
الإهانة اليومية
كما يواجه اللاجئون
الفلسطينيون الذين يعيشون في المخيمات الرسمية صعوبات يومية تجعل أدق تفاصيل
حياتهم أشبه بالجحيم، فإن هؤلاء اللاجئين غير المسجلين أيضاً يواجهون صعوبات لا
تقل قسوة عن تلك التي يواجهها أبناء مخيم عين الحلوة أو مخيم صبرا وشاتيلا، فهم
غير قادرين على التحرك خارج المخيمات ”غير الرسمية“ خشية اعتقالهم، ولا يمكنهم
السفر أو اقتناء ممتلكات أو تسجيل حالات الزواج أو التقدم لامتحانات الثانوية
العامة أو التسجيل في الجامعات، يضاف إلى ذلك أنه يصعب عليهم الحصول على خدمات
الأنروا ولا يمكنهم تغطية نفقات الرعاية الصحية .
أطفال غير قانونين
مما يزيد من تعقيد الأمور في حياة هؤلاء
اللاجئين أن أطفالهم لا يتمتعون بأي وجود قانوني، حيث تزوج معظم اللاجئين وهم لا
يملكون أوراق ثبوتية وذلك على مر ثلاثة عقود. وبموجب القانون اللبناني لا يعترف
قانوناً بأطفال اللاجئين الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية، حتى إذا ولدوا في لبنان،
وإن كانت الأم لاجئة مسجلة أو مواطنة لبنانية، ومن ثم فهم لا يمتلكون أي وثائق
إثبات شخصية. ووصل جيل كامل من الأشخاص الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية سن البلوغ
الآن وليس لديهم أي إمكانية للمشاركة في الحياة الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو
التعليمية.
زوجة معتقلة من أجل جدار
طوب
منذ أواخر التسعينات منعت السلطات اللبنانية
دخول أي مواد بناء إلى المخيمات الرسمية في جنوب لبنان، حيث توجد أكبر المخيمات.
أما بالنسبة للمخيمات غير الرسمية فجدران وأسقف البيوت من الزينكو الذي لا يمكنه
توفير أي حماية للسكان والذي يصبح حاراً للغاية في فصل الصيف. في بعض الحالات
عندما يقوم اللاجئون باستخدام الطوب بدلاً من الصفائح الحديدية تقوم السلطات
بمخالفتهم، أو تقوم الشرطة بهدم البيوت. وفي إحدى الحالات قامت الشرطة بإلقاء
القبض على سيدة فلسطينية واعتقلتها حتى قام زوجها بهدم جدار الطوب الذي قام
ببنائه.
ماذا بعد ؟
بدأ مجلس اللاجئين الدنماركي في العام
2005 باتخاذ الإجراءات المناسبة للبدء بالاستشارات القانونية والتأييد والدعم
للاجئين الفلسطينيين الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية، حيث قامت بتحضير ملفات لـ 150
عائلة فلسطينية وتقديمها للسلطات المختصة بما فيها الأنروا، والسلطة الفلسطينية،
وحكومات كل من الأردن ولبنان ومصر وسوريا من أجل العمل على إنهاء معاناة هؤلاء
اللاجئين، إلا أن موقف تلك الحكومات كان "مرهوناً" بموافقة الحكومة
اللبنانية وهي الإشكالية الذي زادت الأمور تعقيداً بحيث لم توافق الحكومة على
مقترح مجلس اللاجئين الدنماركي، وعجز المجلس عن الإستمرار في استئناف العمل حيث
أعلنت الأطراف الأخرى أنها لا تستطيع المضي قدماً دون موافقة لبنان.
حكاية الختام : حسن اضطر "لبيع
دمه" في كردستان العراق
ولد حسن عام1967 في مخيم الوحدات
بالأردن، وهو لاجئ مسجل بسجلات الأنروا كلاجئ عام 1948 مثل باقي أفراد
عائلته. وصلت عائلته إلى لبنان عام 1970 نتيجة لحرب "أيلول الأسود"،
وتوفي والده عام 1973، وكان من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، وعاش حسن في دار
الأيتام حتى سن الخامسة عشر.
وفي عام 1982 اعتقلته السلطات اللبنانية وتم
ترحيله إلى الأردن حيث تم تعذيبه وأجبر على البقاء لاستكمال الخدمة العسكرية، وفر
من الأردن خوفا من الاضطهاد مرة أخرى، وعند وصوله إلى سوريا تقدم بطلب لمفوضية
الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للحصول على وضع اللاجئ، ورفض طلبه لأنه مسجل كلاجئ
مع الأونروا، وعند عودته إلى لبنان، اعتقلته السلطات اللبنانية مرة أخرى بسبب عدم
اكتمال وثائقه الثبوتية، وبعد اتصاله بمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين
في دمشق اعتقلته المخابرات السورية في لبنان واتصلت بعدها بالسلطات الأردنية، وقام
الأردنيون بإلغاء جنسيته الأردنية وإبطال جواز سفره.
وسافر حسن إلى كردستان العراقية خوفا من
السجن في سوريا، حيث قام بكسب رزقه عن طريق "بيع دمه"، وسافر عام 1999
سراً إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وقال كل من مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون
اللاجئين والأنروا إنهم عاجزين عن تقديم المساعدة له، وهو يقطن الآن في بيروت،
ويعيش في حالة من الخوف المستمر من أن يتم إعادته إلى السجن بدون بصيص من الأمل في
جل قضيته أو العودة إلى وطنه يحفظ له ما تبقى من اداميته وكرامته.
المصدر : شبكة قدس الإخبارية
14/3/2013