الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :-
لقد أنزل الله تعالى الكتب وأرسل الرسل عليهم السلام لكي يتعرف الناس على النور العظيم والمنهج القويم دين الله الاسلام الذي من تمسك به واهتدى بنوره لا يضل بعده أبدا وان هذا الدين العظيم قام على قاعدتين عظيمتين في كشف الحقائق كانت منهج الأنبياء عليهم السلام والعلماء الربانيين والدعاة من أهل السنة من بعدهم في التعرف على الحق وأهله وهاتين القاعدتين هما العلم والعدل قال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } [الحديد : 25] ، فالرسل عليهم السلام والبينات والكتب هما العلم والميزان هو العدل الذي قام عليه ديننا العظيم ، وهناك أمثله كثيرة في القرآن والسيرة النبوية تؤكد هذا الامر وسنتناول بعض من هذه الامثلة لتوضيح ان أهل السنة هم من يتكلم بعلم وبعدل ويعطون كل ذي حق حقه .
المثال الأول :- ( موقف وكلام أهل السنة في آية التطهير ) .
وهي قوله تعالى في سورة الاحزاب { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) } .
آية التطهير هذه هي التي بنى عليها الشيعة الإمامية أساس معتقدهم وقالوا انها نزلت فقط في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم عندما ادخلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكساء ولم يدخل زوجته أم سلمة رضي الله عنها فقالوا ان زوجاته ليس من أهل بيته !! ، وقالوا أيضا لو كان الخطاب لنساء النبي لكان الخطاب بنون النسوة عليكن وليس عليكم للمذكر في الآية وادعوا لهم العصمة من أي خطأ وان من حقهم الإمامة وان كل من يستلم الإمامة من غيرهم هو ظالم لحقهم رضي الله عنهم ، أما موقف أهل السنة من هذه الآيات فإن القارئ لهذه الآيات من أول مرة يتبين ان الخطاب من البداية موجه إلى نساء النبي بقوله تعالى { يا نساء النبي ... } وكل الآيات جاءت متناسقة بذكر يا نساء النبي يا نساء النبي لستن يا نساء النبي فلا تخضعن يا نساء النبي وقلن و وقرن ولا تبرجن واقمن الصلاة فسبحان الله القائل { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } [محمد : 23] ، ولكن أهل السنة لأنهم أهل علم وأهل عدل قالوا ان علي وفاطمة والحسن والحسن رضي الله نهم هم من المشمولين بهذه الآية مع ان الآيات وجهت الخطاب لنساء النبي وهذا ظاهر في الآية نصاَ أما دخول غيرهم فقد ثبت ذلك بالأحاديث النبوية التي روتهما أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما فيمن دخل في الكساء وهم يقولون عنهن أنهن يكرهن آل البيت وظلمنهم فكيف إذا يروين هذه الاحاديث !!! ، أما قولهم عن الخطاب بميم الجماعة وليس بنون النسوة في كلمة (عنكم و يطهركم ) فهذا معروف باللغة العربية إذا كان رجل واحد موجود مع مجموعة من النساء فيخاطب الجمع بميم الجماعة وليس بنون النسوة فكيف اذا كان فيهم رسول الله صلى الله علي وسلم وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم فنحن إذا دخلنا على جمع من النسوة وفيهم رجل واحد ألا نقول السلام عليكم !! كذلك إذا كان الأمر للمذكر وليس للنساء فلماذا أدخلتم فاطمة رضي الله عنها !! انظروا ايها الأخوة من هو الذي يجمع بين الناس ممن يزرع الفرقة ويحكم بغير علم وعدل فسبحان الله مما يقولون .
المثال الثاني : ( عقيدة اهل السنة في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ) .
فأهل السنة يعتقدون ان الصحابي هو من أسلم وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام وحكموا بما جاءهم من بينات على كل من شمله هذا التعريف بأنهم عدول بل انهم خير أهل الارض بعد الأنبياء عليهم السلام وهم يتفاضلون فيما بينهم فليس من أسلم قبل الفتح كمن أسلم بعد الفتح واستندوا على هذا الامر بما جاءهم من علم من كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في فضل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والآيات في هذا الامر كثيرة جداً نذكر منها :
قوله تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } [الحديد : 10] فكل وعد الله الحسنى (الجنة) فهذه الآية تبين التفاضل بينهم وفضلهم ، وقوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران : 110] ، وقوله تعالى { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) } [الانفال : 62-63] ، وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر : 10] .
آيأت كثيرة جدا بينت فضلهم وكذلك استندوا على أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ومنها قوله عليه الصلاة والسلام : ( خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ... قال عمران : ( فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا ، ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن) ) [صحيح البخاري] ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ) [البخاري] وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) [صححه الألباني] ، وهذا الحديث هو ما دفعني أن أكتب هذا الكلمة فقبل أيام قليله قريب من محل سكني وعلى جدار أحد المساجد كتب أحد من أهل السنة هذا الحديث بخط عريض كبير على حائط المسجد الخارجي فإذا باليوم التالي وجدت ان الحديث قد تم شطبه بلون أسود ويدل فعله على أن هذا الحديث لم يعجبه مع ان الحديث يجمع ولا يفرق فهو ينهى عن سب جميع الصحابة أبا بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين والعباس ... وكلهم رضي الله عنهم ، وهذا حكم أهل السنة بالعدل أما الذي يفرق هو الذي يعتقد ان أربع وخمسة من الصحابة رضي الله هنهم هم على الحق وجميع من تبقى على باطل فأي عدل وإنصاف في هذا وهنا يتبين من هو يجمع الأمة ممن يريد تفريقها وأي عقل وأي عدل يقبل هذا المنطق فلو ان الصحابة رضي الله عنهم الذين بلغ عددهم أكثر من مائة وعشرون الف ارتدوا ولم يبقى إلا أربعة او خمسة فلماذا لا ينقلب عشرات الالاف على الخمسة ويقتلوهم ويرجعوا إلى عبادة الاصنام !!! هل هذا يقبله عقل سبحان الله مما يكذبون يقول شيخ الإسلام في كتابه القيم منهاج السنة : ( والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل ، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع ، فإن الرافضة تعمد إلى أقوام متقاربين في الفضيلة ، تريد أن تجعل أحدهم معصوماً من الذنوب والخطايا ، والآخر مأثوم فاسقاً أو كافراً فيظهر جهلهم وتناقضهم ) .
المثال الثالث:- (موقف أهل السنة من النواصب والخوارج والروافض ) .
فبعد الفتنة التي حصلت بين علي ومعاوية رضي الله عنهم بسبب مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه على يد الخوارج والقصة معروفة للجميع على ما أظن ، ظهرت بعد هذه الفتنة مجموعات من كل طرف واتخذوا مواقفا وقف أهل السنة لها موقف الضد منها جميعاً ، فالنواصب هم من ناصبوا العداء لآل البيت عموما ولسيدنا علي رضي الله عنه خصوصاَ فجعلوا من قدحهم وسبهم تديناً بل حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير أمير المؤمنين سيدنا علي إبن ابي طالب رضي الله عنه والعياذ بالله ، أما الخوارج فهم من خرج على حكم سيدنا علي رضي الله عنه ووقفوا ضده لأنهم اعتقدوا عندما حكُم أبا موسى الاشعري رضي الله عنه في الخلاف الذي حصل بينهم انه لم يحكم كتاب الله تعالى فكفروه على هذا وخرجوا عليه حتى ناظرهم عبدالله بن عباس رضي الله عنه في هذه المسألة وغيرها وبين لهم ان الله أمر إذا حصل خلاف بين الزوجين أن يكون هناك حكماً من أهلها وحكم من أهله وهذا بين زوجين فكيف إذا كان الخلاف بين فئتين عظيمتين من أمة الاسلام فرجع عدد غير قليل منهم عن منهج الخوارج وبقي منهم حتى قتله الخارجي عبدالرحمن بن ملجم المرادي عليه من الله ما يستحق ، وأما الروافض هم اتخذوا منهج الضد فكفروا كل من كان مع الطرف الآخر واعتقدوا الولاية والعصمة لعلي رضي الله عنه والاثنى عشر وكفروا كل من لا يعتقد بها وغلوا فيه غلوا كثيرا وهو معروف للجميع ، أما أهل السنة فكان موقفهم كما بينه شيخ الاسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى ، انظر ماذا يقول في كتابه منهاج السنة : ( أهل السنة والجماعة :" يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم ، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل ويمسكون عما شجر بين الصحابة " ) [العقيدة الواسطية مجموع الفتاوى 3/154] .
فالنواصب هم الذين عادوا أهل البيت ، لاسيما عليّاً رضي الله عنه فمنهم من يسبُّه ومنهم من يفسِّقه ومنهم من يكفره ، كما أشار لذلك شيخ الإسلام (منهاج السنة7/339) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ويتكلمون بعلم وعدل ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ويتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب جميعا ويتولون السابقين والأولين كلهم ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله ... ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة ... ) [منهاج السنة 2/71] ، إذا موقف أهل السنة هو الامساك عما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم والترضي عليهم جميعاً وان ما حصل هي فتنة تأوُل كل طرف منهم فيما اتجه إليه مع ان السنة يعتقدون ان اقرب الفريقين للحق هو جهة سيدنا علي رضي الله عنه بل ان أهل السنة كلهم متفقون على أن علي هو أجل قدراً ، وأحق بالإمامة ، وأفضل عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه رضي الله عنهم لكن دون تكفير الآخرين ولعنهم وسبهم .
والأمثلة كثيرة أيها الاخوة التي بين حكم أهل السنة وبين حكم أهل البدع والأهواء فهم منهجم ومرجعهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله علي وسلم وهدفهم واضح في الدعوة الى الناس على علم وانصاف مع الموافق والمخالف كما قال تعالى : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [المائدة : 8] .
نسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين وأن يهديهم إلى اتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ياسر الماضي
25/3/2012
حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"