حسين علي شعبان : اللاجئون الفلسطينيون .. أوهام الهجرة .. الفلسطينيون في العراق كان مصيرهم أكثر مأسوية .. تحوّلت المخيمات في لبنان محميات طبيعية تأوي الخارجين عن القانون من "تكفيريين وارهابيين"

بواسطة قراءة 20456
حسين علي شعبان : اللاجئون الفلسطينيون .. أوهام الهجرة .. الفلسطينيون في العراق كان مصيرهم أكثر مأسوية .. تحوّلت المخيمات في لبنان محميات طبيعية تأوي الخارجين عن القانون من "تكفيريين وارهابيين"
حسين علي شعبان : اللاجئون الفلسطينيون .. أوهام الهجرة .. الفلسطينيون في العراق كان مصيرهم أكثر مأسوية .. تحوّلت المخيمات في لبنان محميات طبيعية تأوي الخارجين عن القانون من "تكفيريين وارهابيين"

هنا نقدم المثاليين التاليين: في 1994 وبعد طرد الفلسطينيين من ليبيا بشكل جماعي، امر وزير الداخلية اللبنانية ميشال المر بمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان، كما رفضت الحكومة السورية السماح لهؤلاء بدخول الاراضي سوريا كونهم غير مسجلين لديها. انشأ اللاجئون الفلسطينيون يومها ولسنوات عدة مخيما لهم عند الحدود التركية – السورية في "باب الهوا" .

لم يعد اي من هؤلاء الى لبنان الا بشكل فردي وبأساليب وطرق معروفة. الفلسطينيون في العراق كان مصيرهم أكثر مأسوية. فبعد التنكيل بهم في 2003 سدت سبل النجاة عليهم واغلقت في وجوههم المنافذ الحدودية لجميع الدول العربية المجاورة؛ فأقاموا لأنفسهم مخيما في الصحراء. أي من بلدان الاتحاد الاوروبي الحامية لحقوق الانسان لم يقبل لأسباب مالية او حتى سياسية هجرة او لجوء اي لاجئ فلسطيني اليها. منظمات حقوق الانسان الدولية اصابها يومها الصم والعمى فكانت البرازيل الحل حيث تشرد من نوع جديد .

في المقابل تؤكد تجارب كثيرة ان طلبات الهجرة الفردية للاجئين فلسطينيين لديهم ما يكفي من الموارد النقدية وسبل الاستثمار المالي الى بلدان اسكندنافية، كمثال لا للحصر، قد رفضت بشكل مطلق. كان الرد في جميع الحالات انهم لاجئون. ليس هذا وحسب بل ان حق الحصول على تأشيرة لزيارة ابن او اخ او شقيق في واحدة من بلدان الاتحاد الاوروبي تعتبر معجزة لا ينالها الا من لبى الشروط التعجيزية المعقدة للتأشيرة .

اللجوء وحق الحماية

القوانين الدولية والاقليمية التي تجيز للأفراد حق التنقل وطلب الحماية واللجوء لأسباب سياسية انسانية واجتماعية تستثني اللاجئين الفلسطينيين؛ لأسباب قانونية بالدرجة الاولى، مردها ان الذين انشأوا "وكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الادنى" حرصوا على استبعاد لا بل اقصاء اللاجئين الفلسطينيين من الحقوق القانونية التي تصونها بنود مفوضية الامم المتحدة للاجئين  (UNHCR).

منتصف سبعينات القرن الماضي وثمانيناته استقبلت المانيا وبعض الدول الاسكندنافية لأسباب سياسية مجردة واخرى مصلحية انانية الكثير من اللاجئين الفلسطينيين. لكن لا بد من ملاحظة ان عملية استقبال وقبول اللاجئين تمت بشكل فردي لا جماعي. وعلى الرغم من ان حرب الابادة التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان (1985 - 1989) دفعتهم الى اللجوء، لكن ذلك وفي جميع الحالات كان يتم بطرق غير قانونية اي التهريب وعبر سماسرة وتجار. لم تمنح اي من الحكومات الأوروبية حق اللجوء السياسي تاليا الاقامة الدائمة للاجئين الفلسطينيين الا في حالات فردية نادرة، فقد عانى الفلسطينيون تحكم المحققين الامنيين بمصيرهم.

أما في المملكة المتحدة وفرنسا فقد كان وما زال قبول طلب الحماية المقدم من لاجئ فلسطيني يجابه بالرفض المطلق. وزارة الداخلية في المملكة المتحدة عمدت حتى النصف الثاني لعقد تسعينات القرن الماضي الى طرد اي طالب لجوء فلسطيني واعادته على عقبيه من حيث أتى. في 1997 استبدلت وزارة الداخلية البريطانية سياسة الطرد الفوري بسياسة ادخال طالبي اللجوء الفلسطينيين الى البلاد والابقاء على ملفاتهم مركونة لسنوات طويلة ريثما تصدر الوزارة مرسوما يمنحهم حق الإقامة الدائمة لأسباب انسانية، لمن "حالفه الحظ".

مأساة غرق اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين في قوارب الهاربين من جحيم بلدانهم ليست الا نموذجا مصغرا لمأساة طالبي اللجوء الافارقة وغرقهم في المتوسط على بعد أميال لا بل امتار من احلامهم. ومأساة اللاجئ الفلسطيني في لبنان وحكايته مع اللجوء قديمة قدم النكبة الفلسطينية. تعمقت هذه الازمة في السنوات الاخيرة وتحوّل المخيمات محميات طبيعية تأوي الخارجين عن القانون من تكفيريين وارهابيين لا بل حتى تجار المخدرات وتجار اطفال ومنحرفين. وهنا بعض النماذج السريعة:

1- يتشارك المتدينيون والحزبيون في تناوب الاعتداء على حقوق اللاجئين في مخيماتهم. فهنا مكبر صوت اطلقه صاحبه عن آخره بنشيد "شعلوا النار بهالخيام وارموا كروتت التموين"، يكفّر اللاجئ بالثورة التي لا تحترم حقه في الراحة وهي تمارس خطابا تضليليا. قبل ان ينتهي ذلك الثورجي من خطابه المنافي للواقع يبدأ متدين بالزعيق من وراء مكبر صوته داعيا الناس للصلاة، ولا يكتفي المؤذن برفع الآذان، بل انه يرفع الاذان مرة تلو المرة ويقيم الصلاة من وراء مكبر صوته في بيوت اللاجئين رغما عنهم. مختصر القول خصوصية الناس وحقهم في الراحة داخل جدران بيوتهم حق ممنوع يتقاسمه تجار الثورة والطائفية ومتطرفون لا يردعهم القانون ولا تحكمهم الاخلاق.

2- تحوّل الكثير من المخيمات أواكاراً للخارجين والفارين من وجه العدالة والقانون. مخيم عين الحلوة كمثال لا للحصر يتحول ليلا مناطق نفوذ وسيطرة لمسلحين مقنعين لا علاقة لهم بهموم اللاجئين وحياتهم ومستقبلهم، فيتعذر على اللاجئين الخروج من بيوتهم ليلا حتى لزيارة اقاربهم.

3- في مخيمات أخرى اتخذ تجار المخدرات من الاحياء مركزا لأنشطتهم. ففي مخيم شاتيلا كمثل يتباهى احد زعماء الحارات ان تجار المخدرات ليسوا في منطقة نفوذه بل في الحي المجاور.

4- القائمون على المخيمات من لجان شعبية، في نهر البارد مثلا وزعماء جماعات حزبية افلست ماليا منذ زمن بعيد يبتزون موظفي المنظمات الدولية والوفود الاجنبية الزائرة، في حين تحوّل القائمون على الكثير من المنظمات الاهلية، "منظمات الاحسان" التي تعتمد على مساعدات جهات خارجية اجنبية، تحوّلوا مخبرين لجمع المعلومات وتقديمها لمن يهمه امر تدمير المجتمعين الفلسطيني واللبناني.

زيارات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى لبنان لم تخرج عن الاطار الرسمي والبرتوكولي وخطابات المداهنة والمجاملة التي لا علاقة لها بايجاد حلول للأزمة. وفصائل منظمة التحرير نأت مجتمعة وفرادى بنفسها عن هموم اللاجئ الفلسطيني لتنشغل بنعيق حزبي يزيد احباط اللاجئ الفلسطيني احباطا. والحركات الاسلامية المناوئة للمنظمة منشغلة بالازمات الاقليمة ولا تعنيها هموم اللاجئ الفلسطيني.

النتيجة، تمسك بعض اللاجئين الفلسطينيين بقشة الهجرة وما يرافقها من دغدغة لأضغاث احلام وإسكات موقت للأوجاع والهموم. وأخيرا لابد من الاشارة الى حقيقة ان تجربة اللاجئين الفلسطينيين الى البلدان التي قبلت لجوءهم كانت وما زالت مخيبة لآمال الحكومات المركزية والمحلية وحتى لأرباب العمل، هذا عدا عن فشل هؤلاء في تنظيم انفسهم ومساعدة المجتمع او اقله ابناء المخيم الذي جاؤوا منه. لذلك ننصح الباحثين عن ملاذ آمن ان يدققوا في تعابيرهم وشعاراتهم.

 

المصدر : صحيفة النهار اللبنانية

1/4/2014