وأضافت المصادر أنه رغم أن النقاش الداخلي منشغل بمسائل
الوضع الاقتصادي وبرامج التقشف التي تعدها الحكومة، ورغم أن هناك قلقا حقيقيا من
احتمال حرب "إسرائيلية" تطول "حزب الله"، إلا أن خارطة طريق
تُعد بهمس تحضيرا لإمكانية دمج الفلسطينيين داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي
اللبناني، وأن كافة التيارات السياسية باتت جاهزة لنقاش احتمالات ذلك.
وكانت تقارير صحافية لبنانية قد ذكرت مؤخرا أن لبنان
الذي يرزح تحت عبء ديون خارجية تناهز 100 مليار دولار لم يعد قادرا على مقاومة
الضغوط الدولية التي تطالب بيروت بتوطين الفلسطينيين، وكشفت أن هناك تيارا يدفع
باتجاه التوسع في الإنفاق على البنى التحتية معوّلا على تعويضات مالية دولية ضخمة
مقابل قبول لبنان بتوطين فلسطينييه، وأن الأمر قد تكون له صلة بصفقة القرن
الأميركية التي تقوم على توطين الفلسطينيين في دول اللجوء.
ولم تستبعد بعض الأوساط أن تكون الحملة التي تتحدث عن
احتمالات الانهيار الاقتصادي في البلد، كما التحركات الاجتماعية التي يشهدها
وسيشهدها لبنان في رفض الإجراءات التقشفية اللبنانية، كما التهويل من انهيار نقدي
ومصرفي، مقدمة للقبول بخيارات سياسية يندرج ضمنها احتمال توطين الفلسطينيين مقابل
تعويضات ومغريات دولية يقبل بها لبنان.
إحصائية لبنانية
174 ألف
فلسطيني في لبنان
12 مخيما
فلسطينيا في المدن اللبنانية
ولا تنفي مصادر سياسية لبنانية وجود نقاش لبناني يجري
في هذا الصدد، إلا أنها تؤكد أن البحث لم يصل إلى استخدام كلمة توطين. ولفتت إلى
أن لجوء الحكومة اللبنانية إلى الانتهاء منذ أقل من عامين من عملية إحصاء
للفلسطينيين في لبنان بتمويل ورعاية من الأمم المتحدة، شكل مفاجأة للرأي العام،
وأثار تساؤلات حول الحيثيات التي تقف وراء ذلك، وما هي خارطة الطريق بعد ذلك.
وإثر هذا الإحصاء أعلنت السلطات اللبنانية في ديسمبر
2017 أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يزيد قليلا عن 174 ألفا، علما أن
التقديرات المتداولة كانت تتحدث عن أعداد أكبر بكثير تصل إلى 600 ألف.
وأجرت هذا الإحصاء الأول من نوعه في لبنان لجنة الحوار
اللبناني الفلسطيني التابعة للحكومة اللبنانية، والتي يغطي عملها 12 مخيما للاجئين
الفلسطينيين تحوّلت مع الوقت إلى أحياء سكنية كبيرة تعاني من أوضاع إنسانية بائسة،
و156 تجمّعا للفلسطينيين.
ورغم أن أنشطة الفرق التابعة لـ”برنامج الأمم المتحدة
الإنمائي” في لبنان (UNDP) المتعاونة مع الحكومة اللبنانية قد عملت على إحصاء سكان
“المخيمات” و”التجمعات” فقط، إلا أن الرقم الذي تمّ تداوله جاء بصفته يشمل كافة
وجوه الوجود الفلسطيني في لبنان، وجاء مفاجئا وصاعقا على نحو فهم أنه سعي للتخفيف
من حجم الحضور الفلسطيني وتمريره بصفته رقما بإمكان "النسيج الطائفي"
اللبناني هضمه.
وانشغل لبنان خلال العقود التي تلت النكبة الفلسطينية
عام 1948 بمقاربة الحضور الفلسطيني في لبنان. وانقسم اللبنانيون حول هذا الحضور
وفق حسابات سياسية طائفية. ففيما دعم أغلب المسلمين الوجود الفلسطيني دعما لقضية
فلسطين، اعتبر أغلب "المسيحيين" أن الثقل الديموغرافي الفلسطيني يسبب
اختلالا في التوازن الطائفي ويهدد مستقبل الوجود "المسيحي" في منظومة
تقاسم السلطة والثروة في البلاد.
وتعود أسباب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية
(1975-1990) في جانب كبير إلى انقسام اللبنانيين حول الوجود الفلسطيني ودوره في
لبنان. غير أن هذا الانقسام "المسيحي" المسلم الذي انتهى بعد إبرام
اتفاق الطائف عام 1989، تمدد لاحقا ليطول انقساما شيعيا سنيا مبطنا في النظر إلى
الظاهرة الفلسطينية في البلد.
وأيقظ تفاقم ظاهرة الهجرة إلى درجة وجود مليون ونصف
المليون لاجئ سوري معظمهم من الطائفة السنية، لدى "المسيحيين" والشيعة
هاجسا جديدا قلل من أهمية هواجسهم بالنسبة للفلسطينيين.
ولم تشكك التيارات السياسية "المسيحية"
الكبرى في أرقام هذا الإحصاء الذي حرص رئيس الحكومة سعد الحريري على رعايته. كما
أن بعض الأصوات التي صدحت مشككة بهذه الأرقام بقيت هامشية ولم ترتق مواقفها إلى
مستوى الجدل الوطني العام.
وكان النائب السابق عن التيار العوني نعمت أبي نصر قد
تساءل عما إذا كانت هناك عمليات تجنيس للفلسطينيين خلافا لـ"الدستور"،
ساهمت في تقليص العدد إلى 174 ألف نسمة.
وطالب المعلق السياسي جوزيف أبوفاضل بأن تكون اللجنة
المكلفة بالإحصاء برئاسة "مسيحي" مداورة، مشددا على أن “هذه الأرقام غير
صحيحة ووهمية”.
وكان لافتا موقف القيادي الفلسطيني في لبنان، صلاح
صلاح، الذي قال إن الأرقام الواردة في الإحصاء غير صحيحة وأن العدد الحقيقي هو 450
ألفا.
ولا يأخذ النقاش حول الوضع الفلسطيني أبعادا علنية إلا
أن تراجع الفرقاء السياسيين عن استخدام “الفزاعة” الفلسطينية داخل الصراعات
السياسية الداخلية، يؤشر إلى أن لبنان بات مدركا أن عليه أن يأخذ خطوات حقيقية
لمنح الفلسطينيين حقوقا اجتماعية لطالما حرموا منها، خصوصا أن الوثائق التي صدرت
عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني قد أشارت إلى الأمر وضروراته دون تسجيل
أي ردود فعل سلبية من قبل عتاة الرافضين التقليديين للتوطين.
وقد جاء رفض توطين الفلسطينيين داخل اتفاق الطائف وأصبح
بندا في متن "الدستور" اللبناني، غير أن تقديم عدد الفلسطينيين على نحو
أقل بكثير من الأرقام السابقة، أوحى بأن لبنان بات مستعدا لتجاوز المحرمات السابقة
والبحث في مسألة توطين الفلسطينيين في لبنان.
وتجزم فعاليات لبنانية وفلسطينية أن الأمر لم يذهب حتى
الآن مذهب منح الجنسية اللبنانية للاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان، وأن
الأمر قد يصل إلى حد منحهم حق الإقامة والعمل والتملك والميراث. غير أن بعض الآراء
لا تستبعد الوصول إلى تسوية طائفية تستخدم آلية التجنيس لمنع أن يحدث احتمال تجنيس
الفلسطينيين اختلالا كبيرا في "التوازنات الطائفية".
ويرفض بعض الخبراء ربط هذا التوجه بالشروط التي تمليها
“صفقة القرن” التي تلمح المصادر الأميركية إلى أنها قد تعلن قريبا، وترى أن للأمر
حوافز أخرى قد لا تكون بعيدة عن ورشة التنقيب عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية.
سلاح المخيمات على الطاولة
ويرجح البعض أن يكون هناك قرار بوقف ظاهرة المخيمات في
لبنان، لاسيما في جنوب البلاد. ويضيف هؤلاء أن إزالة المخيمات قد تعني تطوير تلك
المخيمات وجعلها مدنا من ضمن المدن اللبنانية وإخضاعها للحكومة اللبنانية كباقي
المدن اللبنانية.
وكانت معلومات قد ذكرت قبل سنوات أن الرئيس الفلسطيني
محمود عباس قد أبلغ السلطات اللبنانية عن استعداد المخيمات الفلسطينية لتسليم
السلاح إلى السلطات اللبنانية وجعل الوجود الفلسطيني مدنيا خاضعا للسلطات الرسمية
اللبنانية.
ويقول مراقبون لشؤون الفلسطينيين في لبنان إن "حزب
الله" رفض خيار نزع سلاح المخيمات من ضمن أجندات "الحزب" المحلية
والإقليمية، لاسيما أن لـ"الحزب" نفوذا داخل هذه المخيمات.
ويضيف هؤلاء أن السلاح في المخيمات لم يعد فلسطينيا ولا
تهتم لشأنه القيادة الفلسطينية في رام الله، وأنه بات جزءا من حسابات ما فوق
فلسطينية لطالما استخدمها نظاما دمشق وطهران.
وتمر خارطة الطريق حول الشأن الفلسطيني في لبنان من
خلال لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني برئاسة حسن منيمنة المقرب من رئيس الحكومة
اللبنانية سعد الحريري.
ووجّهت لجنة الحوار في أبريل الماضي الدعوة إلى
الفلسطينيين عبر السفارة الفلسطينية في لبنان للتباحث حول مستقبل الوجود الفلسطيني
في لبنان، على أن يتألف الوفد الفلسطيني من 6 أعضاء يمثلون مختلف الفصائل
الفلسطينية إضافة إلى عضو سابع من منظمة التحرير الفلسطينية والسفير الفلسطيني في
لبنان.
ويبحث الحوار الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية
بناء على إحصاءات مفاجئة أخرى تعلقت بالقوى العاملة الفلسطينية.
وكانت الإحصاءات الرسمية اللبنانية قد كشفت أن حجم هذه
القوى لا يتعدى الـ50 ألف عامل. ويعمل معظم هؤلاء في السوق السوداء دون أوراق
قانونية تخوّلهم العمل.
ويعتبر مراقبون أن بيروت تستعد للعبور نحو قرار يسمح
للفلسطينيين بالعمل بما يخفف من الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها
ويفتح الطريق أمام قرارات لاحقة تدفع باتجاه انخراط الفلسطينيين في لبنان.
المصدر : العرب
28/8/1440
3/5/2019