في 15 يونيو2006 نشأ مخيم التنف للفلسطينيين في المنطقة الصحراوية المحايدة السورية العراقية، وهي منطقة تعتبر من أسوأ الأماكن التي يمكن أن يعيش فيها البشر، حيث لم يكن أمام عدة مئات من عائلات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في بغداد منذ عام النكبة، سوى طريق واحد للنجاة بعد حملات التضييق والقتل التي لاحقتها من قبل بعض الميليشيات المحسوبة على أحزاب عراقية، في حملة تعسف لا مبرر لها على يد بعض الميليشيات المسلحة التي تحولت إلى ما يشبه »قطاع الطرق« في تنكيلها بمن تبقى من المواطنين الفلسطينيين على أرض العراق.
وفي اعتداءاتها المتكررة على أرواحهم وممتلكاتهم، فانضم مئات الفلسطينيين الفارين من نيران الاستهداف ومن التدهور الأمني في بغداد، إلى تجمعاتهم على الحدود العراقية مع الأردن وسوريا في مناطق الرويشد والوليد والتنف، فضلاً عن تجمع مخيم الهول القريب من الحدود الشمالية الغربية للعراق مع سوريا.
ومن حينها بات أكثر من (900) شخص من اللاجئين الفلسطينيين حبيس مخيم التنف الصحراوي، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، داخل خيم كأنها حمّام ساخن لا تقيهم لهيب الشمس في النهار، ولا برودة الليل في المناخ القاري، ليصبح الوضع داخل الخيمة ليس أفضل حالاً.
وكل ذلك دون أن يجدوا المساعدة المطلوبة بالحجم الممكن جراء هذه الإقامة القسرية، ودون أن يجدوا حلاً ناجعاً لهذه الإقامة المؤقتة المرشحة للاستمراء على ضوء انعدام التحرك الرسمي الفلسطيني والعربي لإنقاذهم، ومد اليد لمساعدتهم.
وبالرغم من المساعدة المقدمة لهم من قبل الحكومة السورية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) و»اليونيسيف« والهلال الأحمر الفلسطيني في سوريا، فضلاً عن المساعدات والنشاطات التي تقوم بها مجموعات شبابية فلسطينية تنتمي إلى حركتي فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة (لجنة إغاثة فلسطينيي العراق) ولجنة (ثابر)، فإن الجهات العراقية الرسمية غابت عن تحمل مسؤولية ما جرى ويجري في حق اللاجئين الفلسطينيين فوق أراضي العراق، بل وأكثر من ذلك فإن موجات من الغارات وحملات التنكيل مازالت تواجه الفلسطينيين في المخيم المذكور
وما زاد الطين بلة، التدهور اليومي في أوضاعهم المعيشية، مع تنامي بوادر ظهور مجاعة حقيقية وتناقص في كميات المياه التي تصلهم بطرق مختلفة في هذا الصيف الحار، وهو ما أعلنته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حين تحدث تقريرها الأخير واعترف بصعوبة الأوضاع المعيشية في المخيم المذكور، فالمواد الغذائية المقدمة من قبل المفوضية السامية لا تسد حاجة اللاجئين.
والكميات المخصصة لكل فرد أسبوعياً بدأت تنخفض وفي أحيان كثيرة لا تسلم في أوقاتها، كما أن مجموع الكميات المقدمة شهريا لا تكفي لأكثر من (15) يوماً، فالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وضعت المخصصات لتكفي لـ(350) شخصاً في الخريف الماضي، لكن عدد اللاجئين الفلسطينيين ارتفع إلى (792) لاجئاً، رغم هجرة (117) منهم إلى تشيلي قبل نحو شهرين.
فيما وافقت السويد على توطين (159) لاجئا آخر يتوقع مغادرتهم قريباً، وكما جرى قبل فترة حيال بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين تم ترحيل الجزء الأكبر منهم من أرض العراق إلى منافي البرازيل والهند وقبرص واستراليا. فضلاً عن أن حصة المياه المخصصة للعائلة المؤلفة من أربعة أفراد وستة أفراد لا تتجاوز (25) لتراً يومياً.
وهي كمية لا تكفي إطلاقاً في ظل درجة حرارة تتجاوز الأربعين درجة مئوية وفق سلم سلزيوس للقياس الحراري، وعليه فان نساء المخيم يقمن باستجداء المياه من السيارات العابرة على طريق دمشق ـ بغداد الدولي. هذا فضلاً عن تواضع الخدمات الصحيّة المتاحة، مروراً بكل التفاصيل الحياتيّة اليوميّة من سوء الطقس وهبوب العواصف الرملية التي لا تبقي ولا تذر شيئاً على حاله.
كما أن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم التنف الصحراوي، يعانون من نقص الكهرباء حيث يوجد في المخيم عدد من مولدات الطاقة الكهربائية بطاقات منخفضة، عدا أن معظمها عاطل عن العمل، فضلاً عن تقطع توفر مادة (السولار/ المازوت) اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية، مما يجبر اللاجئين الفلسطينيين على طلب المازوت من السيارات والعربات المسافرة على الطريق الدولية بين بغداد ودمشق.
وفي الوجه الآخر من مأساة مخيم التنف وأشقائه من مخيمات الرويشد والوليد والهول، تبرز إرادة الحياة القوية لدى اللاجئين الفلسطينيين الذين افتتحوا مدرسة للتعليم تحت ظلال خيمة كبيرة، وتعمل بدوام كامل، وبكادر داخلي من أبناء المخيم، حيث يصرّ أبناء المخيم على تعليم الأطفال بمختلف شرائحهم العمرية، انطلاقاً من إرادتهم المجبولة بالمعاناة المتواصلة منذ خروجهم من أرض الوطن الفلسطيني، وتحديداً من قرى جنوب شرق مدينة حيفا عام النكبة، حيث تدير المدرسة وكالة الأونروا في سوريا.
وتدرس المناهج التعليمية السورية، وذلك بعد تدخل متواصل من قبل العديد من الشخصيات الوطنية الفلسطينية المستقلة التي فرضت على المركز الإقليمي لوكالة الأونروا في سوريا تبني الجانب التعليمي لأبناء المخيم. كما أن حدود المكان وشظف العيش، لم تمنعهم أيضاً من زراعة الخضار كالبندورة والكوسا وبعض الحبوب، وريها بالمياه المستخدمة في الغسيل بعد تمريرها عبر قطع من القماش.
أخيراً، وفي الوقت الراهن، لم يتبق على أرض العراق سوى أعداد محدودة من اللاجئين الفلسطينيين، باتوا على موعد دائم مع القلق المتزايد، والخوف من المجهول، في ظل تناسي قضيتهم، وعجز السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير والجامعة العربية عن الحصول على ضمانات حقيقية بحمايتهم، وتأمين سلامتهم من المجهول الآتي.
28-7-2008