الفلسطينيون يفضّلون مخيمات الحدود على مخيمات بغداد

بواسطة قراءة 3142
الفلسطينيون يفضّلون مخيمات الحدود على مخيمات بغداد
الفلسطينيون يفضّلون مخيمات الحدود على مخيمات بغداد

وغادر 88 فلسطينياً (16 عائلة) مناطق سكناهم في بغداد (الحرية والبلديات والزعفرانية والمنصور) هرباً الى الاردن. وتجمعوا عند المعبر الحدودي بعد اغلاق المملكة الاردنية الهاشمية حدودها في العراق رافضين العودة خوفاً من الاوضاع الامنية المتدهورة التي طاولت ارواحهم وممتلكاتهم.

 

ويعيش الفلسطينيون في العراق (22 الفاً)، وغالبيتهم تسكن بغداد، ظروفاً معقدة منذ سقوط النظام السابق العام 2003 دفعت معظمهم الى طلب الهجرة من العراق لولا امتناع المحيط العربي عن استقبالهم كلاجئين في بلدانهم.

 

ويقول احسان اسعد، من سكان البلديات، التي تضم اكبر تجمع سكني للفلسطينيين في العراق منذ سقوط صدام، «هناك مجموعات مسلحة تحاول طردنا من الشقق التي نسكنها على اعتبار انها هبة من صدام مقابل ولائنا له، وهذا غير صحيح».

 

ويتابع: «منذ ان اظهرت شاشات التلفزيون اربعة فلسطينيين اعتقلوا اثر انفجار سيارة مفخخة في بغداد الجديدة وعيون الناس تلاحقنا وكأننا ارهابيون». ويلفت «ازمتنا لا مثيل لها وحياتنا على حد السكين، الجماعات المسلحة تزور مجمعنا كل مساء لتخطف شاباً نجد جثته صباح اليوم التالي (...) لا نملك اوراقاً قانونية ولا جوازات سفر ولا دولة عربية مستعدة لاستقبالنا، لا نتهم الحكومة العراقية بشيء فالاوضاع متدهورة عموماً».

 

ومقابل المجمع السكني في البلديات، افترشت 300 عائلة فلسطينية، اجبرتها جماعات مجهولة على ترك منازلها في مناطق متفرقة في بغداد، الارض في مخيمات اعدتها المنظمات الانسانية، وفي نادي حيفا الرياضي.

 

ويؤكد ابو إسراء، الذي اتخذ زاوية مع عائلته المكونة من ثمانية افراد، «انا هنا منذ سنة وسبعة شهور بعد تهديد تعرضت له في بيتي بحي المنصور».

 

ويروي عن التهديد: أبلغوني «انت فلسطيني صدامي اخرج من هنا وإلا قتلنا عائلتك فرداً فرداً امام عينيك».

 

ويتابع بمزيد من الأسى: «يسودنا اعتقاد بأن الحكومة العراقية عازمة على ترحيلنا على رغم الاستنكارات الرسمية لما نتعرض اليه من دمار فضلاً عما نعتقده من اهمال متعمد لمناطقنا فلا تتوافر فيها ابسط الخدمات الصحية والانسانية بالاضافة الى حملات الاعتقال والتهديد والضرب من جهات مجهولة».

 

وجاء في رسائل تهديد وصلت الى بيوت فلسطينية في الايام الماضية «الى السيد فلان نعلم انك فلسطيني وبعثي وصدامي اترك المنطقة خلال (...) ساعة». وجاء في رسالة انذار ثانية «إلى الخونة الفلسطينيين المتعاونين مع النواصب نذركم بتصفيتكم جميعاً خلال عشرة ايام وقد اعذر من انذر» وذُيلت الرسالة بتوقيع «سرايا يوم الحساب».

 

ويتحدث السكان الآخرون عن ضحاياهم، الذين اعتقلوا او خطفوا ليُعثرعلى جثثهم في «معهد الطب العدلي».

 

ويقول الفلسطيني «م. ج.»، الذي اخذ على عاتقه ارشفة حوادث الاغتيال التي طاولت عشرات الفلسطينيين في العراق بالأدلة والصور، لـ «الحياة» «خرج الفلسطيني محمد حسين صادق محمد مواليد 1980 (حلاق) مع صديقه العراقي ليث حميد المساري إلى أحد الأسواق الشعبية في منطقة الشعلة وفي اليوم التالي بلغ أهله نبأ العثور على جثته في مركز الشرطة بحي الخضراء وتبين أنه قتل خنقاً مع صديقه بعد تعذيبهما».

 

ويتابع: «اقتحمت قوات مسلحة ترتدي زي الشرطة العراقية منزل الفلسطيني عاطف عبد القادر، الذي تجاوز الستين، في ساعة متأخرة من ليل السبت في منطقة المشتل وتم اقتياده إلى جهة مجهولة. ومما يذكر أن هذه هي المرة السابعة التي يتعرض فيها منزله إلى مداهمة تلاها اقتحام منزل الفلسطيني وليد محمد عبد الرحيم في منطقة الكرادة واعتقال ابنه طارق 22 عاماً، ولم يعرف مصيره حتى الآن ولقي فلسطيني آخر مصرعه بينما كان يتزود بالوقود قرب مدينة الصدر».

 

وبلغ تعداد اللاجئين الفلسطينيين، الذين وصلوا إلى العراق على دفعات بعد 1948 ثلاثة الاف لاجئ، مع جحافل الجيش العراقي (فوج الركمل الفلسطيني) بعد انسحابه من فلسطين، وصدور قراري التقسيم، والهدنة.

 

وتشردت غالبية هؤلاء من منطقة حيفا، التي كانت مسرح العمليات للقوات العراقية آنذاك. وجاءت الغالبية من قرى جبع و إجزم وعين غزال وصرفند والمزار والطنطورة وعارة وعين حوض وعرارة والفيرة وكفر لام وام الفحم.

 

وبلغ عدد الفلسطينيين العام 2003، حسب إحصاء المفوضية العامة للاجئين 22 الف نسمة وتقلص مع هجرة قسم منهم إلى الخارج، لاسيما الذين يحملون الجنسية العراقية، الى 20 الفاً بداية السنة الجارية ويتوزعون في بغداد كالآتي:

 

مجمع البلديات، وسكانه 10 الاف نسمة. ومجمع الزعفرانية وسكانه 800 نسمة. ومنطقة الحرية (في قلب العاصمة) وسكانها 1300 نسمة. ومنطقة السلام وسكانها 600 نسمة وبغداد الجديدة 800 نسمة والدورة 700 نسمة والأمين 300 نسمة. ومنطقة عادلة خاتون في باب المعظم 200 نسمة ومحافظة البصرة الجنوبية 300 نسمة ويصل عدد الفلسطينيين في الموصل الى 400 نسمة.

 

ويقول الفلسطينيون في معبر الرويشد «انهم لا يجرأون على العودة إلى العراق وهناك الالاف غيرهم ينتظرون المغادرة تاركين ما يملكونه حرصاً على ارواحهم».

 

ويقول السفير الفلسطيني في العراق دليل القسوس لـ «الحياة» ان العائلات التي تركت بيوتها «عانت من القتل والتهديد» و «ان 16 عائلة حاولت الفرار الى عمان لكنها رفضت استقبالها ما دفع بقوات الحدود العراقية الى اعادة افرادها الى الاراضي العراقية لكنهم يرفضون العودة الى بغداد بسبب الوضع الامني وحوادث استهدافهم».

 

ويؤكد: «قدمت لهم المنظمات الانسانية الحاجات الضرورية (خيماً وملابس وغذاء وماء) لكنهم يصرون على البقاء خارج بغداد». ويضيف: «على الاقل انهم يأمنون على حياتهم من الجماعات المسلحة التي استهدفتهم طوال السنوات الثلاث الماضية مع الظروف المعيشية الصعبة سواء في مناطق سكنهم او على الحدود».

 

ويؤكد القسوس: «اجريت اتصالات مع بعضهم ولا استطيع الذهاب لرؤيتهم الا بحماية اميركية طلبتها فلم احصل على جواب بعد» ويشدد على ان الاتهامات الموجهة لفلسطينيي العراق بضلوعهم بهجمات ارهابية ضد العراقيين «مفبركة تحاول جهات بثها لتهجيرهم من العراق». وابلغ وزير الداخلية العراقي بيان جبر صولاغ السفير ان المعتقلين من الفلسطينيين لدى الحكومة العراقية في الحجز الاحترازي و «هم غير متهمين بأي جرائم، كما ان رئيس الجمهورية جلال طالباني وعد شخصياً بعد اتصال مثيله الفلسطيني محمود عباس بتأمين حياة الفلسطينيين في العراق».

 

ويعتبر السفير ان استهداف الفلسطينيين جزء من التدهور الامني وتداعيات التفرقة والفتنة التي يحاول اعداء العراق والاسلام تأجيجها، ويتابع: «المشكلة تكمن في عدم قدرتنا نقلهم الى مكان آخر غير بغداد، اقليم كردستان مثلاً، بسبب الامكانات المادية الضئيلة».

 

وكانت حملة الاعتقالات والاغتيالات المجهولة ارتفعت وتيرتها بعد احداث سامراء وكان ما يقارب الـ60 فلسطينياً قتلوا بعد العام 2003.

 ويؤكد تقرير لمكتب حقوق الانسان، التابع للامم المتحدة، ان الفلسطينيين في العراق «يعانون من سياسة التمييز» معرباً عن قلقه جراء الحوادث التي تطاول حياتهم. ولم يتهم التقرير اي جهة باستهدافهم لكنه ألقى اللوم على الحكومة العراقية التي «يجب ان تفعل اجراءاتها الامنية لحماية الناس في العراق».