برج البراجنة، لبنان -
فيما احتشد مئات المشيّعين في شارع ضيّق لا يدخله الهواء خارج مسجد
"فرقان" لحضور مأتم محمد سمراوي مساء يوم الإثنين الماضي، كان يخيّم في
الهواء جو من التوتّر. فما كان من إحدى النساء المُصابات بالفاجعة وهي "سيّدة"
في منتصف العمر ترتدي عباءة سوداء وحجاباً أسود إلا أن كسرت الصمت الثقيل، معبّرة
من خلال "العويل" عن أملها بأن تشعر أم قاتل السمراوي يوماً بالأسى الذي
تشعره هي اليوم.
في غضون ثوانٍ، انقض
عليها رجلان وأسكتاها. "لا نريد أن تحصل فتنة!" صرخ شخص مخاطباً الحشد.
وخوفاً على ما يبدو من عودة تظاهرات الليلة التي سبقت التشييع ضد "حزب
الله"- الذي كان مسلّحوه مسؤولين عن مقتل سمراوي- كرّر الرجل بشكل هستيري
"لا هتافات!". وعندما انبرى الى القول "نحن معك سيد حسن" قام
شاب يقف خلف فريق NOW بالشتم معبّراً عن اشمئزازه.
خرج النعش من المسجد،
ملفوفاً بالعلم الفلسطيني، وبدأ التشييع عبر الأزقة المتعرّجة لأكثر مخيمات
اللاجئين اكتظاظاً، حيث ارتفعت أصوات الطلقات النارية من سلاح AK-47 التي تصم الآذان وترج
الجدران الملوّنة برسومات الغرافيتي. وعند المقبرة، بعد 15 دقيقة، وفيما يتم دفن
الجثمان، كانت المرأة المتّشحة بالسواد لا تزال ترفض الانصياع لمن يجبرونها على
الصمت. "لن أصمت. أخبروني! هل نحن أيضاً تكفيريون الآن؟".
هذا التعبير الصريح عن
الكراهية لـ"حزب الله" هو مشهد نادراً ما نراه لدى اللاجئين
الفلسطينيين، الذين يدعمون موقف الحزب المتشدّد في معاداة "إسرائيل"،
وفي حالة سكان برج البراجنة، فإن السكن في قلب الضاحية الجنوبية جعلهم تحت السيطرة
التامة للحزب.
إلاّ أنّ قتل السمراوي
(40 عاماً) عند إحدى نقاط تفتيش الحزب عند مدخل المخيم ليل الأحد الماضي أزّم شعور
الفلسطينيين باستهداف الإجراءات الأمنية الجديدة لـ "حزب الله" لهم، هذه
الإجراءات التي اتُخذت عقب انفجار السيارة في 15 آب الماضي الذي أدى الى مقتل 30
شخصاً في حي الرويس القريب.
"ثمة شعور بأن
المخيم هو المقصود" قال علي، احد سكان المخيم في منتصف العشرينات من عمره
والذي شهد على الاشتباك. "أوقفا سيارة العروسين، التي كانت في مقدمة موكب
الزفاف. كان هناك تبادل في الكلام، ومن ثم استفزاز وفي الأخير إطلاق نار. لو كانت
هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك، لكان لا بأس بذلك، ولكن ذلك حصل في
السابق وسوف يحصل مجدداً. الناس غاضبون"، قال لـ"NOW".
واشتكى علي من التضييق
الدائم على الفلسطينيين وإزعاجهم عند نقاط التفتيش الجديدة لدى "حزب
الله". "ما إن تقول إنّك فلسطيني حتى يسحبونك، ويفتشونك، تماماً كما
يفعلون للسوريين. أنا نفسي تمّ سحبي أربع مرات على الأقل. الشبان الصغار في الـ 15
من العمر يُطلب منهم تسليم هواتفهم الخلوية. كنتُ اظن أننا تخلّصنا من
العنصرية".
والتقى موقع NOW حسني أبو التقى، رئيس
اللجنة الشعبية في المخيم، الذي يعمل من دون توقف منذ الأحد للحد من تداعيات حادثة
إطلاق النار والتوصّل الى اتفاق لتهدئة السكان الغاضبين.
"نفهم سبب وجود
نقاط تفتيش- ففي المحصلة هذه الضاحية. وبعد بدء الناس باتهام ذلك الرجل الفلسطيني
بالقيام باالاعتداءات الصاروخية، من الواضح أننا لا نستطيع رفض الإجراءات الأمنية"
قال أبو التقى لـ NOW، مشيراً الى أحمد طه، الفلسطيني المشتبه بضلوعه بإطلاق صواريخ نحو
الضاحية في أيار الماضي، صواريخ تقول بعض التقارير إنه اشتراها من برج البراجنة.
وعليه، كما قال أبو
التقى، تم عقد صفقة مع "حزب الله" يوم الإثنين بنقل نقطة التفتيش بعيداً
عن مدخل المخيم في حارة حريك. بالإضافة الى ذلك، فإن رجال امن من قوى الأمن
الداخلي وليس من "حزب الله" يشغلون حالياً نقطة التفتيش الواقعة عند
مدخل المخيم من طريق المطار.
غير أنّ الاعتداء
الصاروخي في الضاحية ليس وحده السبب الأخير [والمباشر] للاحتكاكات بين "حزب
الله" واللاجئين الفلسطينيين. ففي أيار الماضي، قام أهالي مخيم عين الحلوة في
صيدا بحرق مساعدات عينية تلقوها من الحزب تعبيراً عن غضبهم من تدخّله في
سوريا، كما قيل. "لا نريد مساعدات منقوعة بدماء الشعب السوري". وبالفعل
منذ سنوات وعين الحلوة مرتع للشعور المعادي لـ "حزب الله"، مع الاعتقاد
بأنّ بعض مقاتلي المخيم الإسلاميين قاتلوا ضد "حزب الله" في صيدا وضد
النظام السوري في سوريا. وفي اماكن أخرى، تم تجنيد سكان مخيم شاتيلا في بيروت في
ميليشيات معادية لـ"حزب الله" في الأحياء السكنية المتاخمة. وكما سبق
لموقع NOW أن قال فإنّ علاقات
"حزب الله" مع حماس وصلت الى مستويات هابطة لم يسبق لها أن بلغتها، مع
اتهام هذه الأخيرة بمساعدة الثوار السوريين في معركة القصير وكذلك في إيواء متهم
رئيسي في الاعتداء الصاروخي على الضاحية.
ويقف خلف هذا الشقاق
الحاصل انتشار العقيدة الإسلامية الطائفية بشكل عام بين الفلسطينيين في لبنان،
التي سرّعها تدخّل "حزب الله" في سوريا، وفقاً ليزيد الصايغ، المساعد
الرفيع في مركز كارنيجي للشرق الأوسط والمستشار السابق للموفد الفلسطيني لمحادثات
السلام خلال التسعينات.
"منذ فترة
والمشاعر الطائفية تنمو في المخيمات الفلسطينية، وهي كانت في البداية بسبب الحرب
في العراق واليوم باتت حول الحرب في سوريا، وقد أذكتها الحكومات العربية مثل
المملكة العربية السعودية، الأردن، ومصر في ظل حكم مبارك. ففي مصر وفي كل مكان آخر
في العالم العربي، توجّهت المجتمعات المهمّشة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً
مثل اللاجئين الفلسطينيين نحو السلفية. وهذا بالتالي أبعدهم عن "حزب
الله"، الحزب الذي كانوا مقربين منه على عدة مستويات. وقد تفكّكت الصلات التي
تجمعهم به شيئاً فشيئاً على مر السنوات وجاءت الأزمة السورية لتكرّس هذا التدهور
في العلاقات" قال الصايغ لـ NOW.
بالإضافة الى ذلك، فقد
وضع الصراع في سوريا الفلسطينيين في مواجهة مباشرة مع نظام الأسد.
"من الواضح أنّ
الكثير من الفلسطينيين انضموا للقتال ضد النظام في سوريا. ففي الأمس فقط، كانت
عائلات من مخيم اليرموك في دمشق لجأت الى "عين الحلوة" تشيّع خمسة أفراد
منها لاقوا حتفهم. وبالتالي فإنّ علاقات أوثق باتت تربط الفلسطينيين هنا بالمعارضة
في سوريا ضد النظام، وهي تزداد صلابة يوماً بعد يوم، علماً بأن الفلسطينيين لطالما
لم يثقوا بهذا النظام".
ساهمت مايا جبيلي في
جمع المعلومات لإعداد هذه المقالة
هذا المقال ترجمة للنص
الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)
المصدر : NOW
12/9/2013