يقول الحسن البصري رحمه الله[1]:
1-
وُجد في حَجر مكتوب: ابن آدم!
إنك لو رأيت قليل ما بقي من أجلك، لزهدت فيما ترجوه من أملك، ولرغبت في الزيادة من
عملك، ولَقَصَّرت من حرصك وحِيَلِك، وإنما يلقاك غدا نَدَمُك، لو قد زلت بك
قَدَمُك، وأسلمك رهطك وحشمك، وتبرأ منك القريب، وانصرف عنك الحبيب، وصرت تُدعى فلا
تجيب.
2-
إن رجلا ليس بينه وبين آدم إلا
أبٌ ميت لَمُعرِقٌ في الموتى.
3-
مثل العلماء في الجهال مثل
الأطباء في المرضى.
4-
ابن آدم! لا تعمل شيئا من الحق
رياءً، ولا تتركه حياءً.
5-
ابن آدم! تلبس لبسة العابدين،
وتفعل أفعال الفاسقين، وتُخبتُ إخبات المُدبرين، وتنظر نظر المُعتبرين، ويحكَ! ما
هذه خصال المُخلصين، إنك تقوم يوم القيامة بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور.
6-
من تزين للناس بما لا يعلمه
الله منه، شانه عند الله ذلك.
7-
تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
8-
إن كان في الجماعة فضل فإن في
العزلة السلامة.
9-
قديما امتُحِنَ الناسُ بطول
الأمل.
10-
إن الرجل إذا طلب القرآن
والعلم لله – سبحانه- لم يلبث أن يُرى ذلك في خشوعه، وحِلمه، وتواضعه.
11-
أيها الناس! إن هذا القرآن شفاء
المؤمنين، وإمام المتقين، فمن اهتدى به هُدي، ومن صُرِفَ عنه شقي وابتُلي.
12-
إن من شر الناس أقواما قرؤوا
القرآن لا يعلمون بسنته، ولا يتبعون لطريقته ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون
).
13-
قُرّاءُ القرآن ثلاثة نفر:
قومٌ اتخذوه بضاعة يطلبون به ما عند الناس، وقوم أجادوا حروفه، وضيعوه حدوده،
استدرُّوا به أموال الولاة، واستطالوا به على الناس، وقد كثرَ هذا الجنس من حملة
القرآن، فلا كثّرَ الله جمعهم، ولا أبعد غيرهم، وقومٌ قرؤوا القرآن، فتدبروا
آياته، وتداووا بدوائه، واستشفوا بشفائه، ووضعوه على الداء من قلبوهم، فَهُمُ
الذين يُستسقى بهم الغيث، وتُسدى من أجلهم النعم، وتستدفع بدعائهم النقم، أولئك
حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون.
14-
إن الله – سبحانه وتعالى- أخذ
على الخلفاء والأمراء والحكام، ثلاثة أشياء، فمن أوفى بعهد الله منهم، نجا، ومن
قصر هلك، أخذ عليهم: ألا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا الناس، ويخشوه، وألا يشتروا
بآياته ثمنا قليلا.
15-
إذا أراد الله بقوم شرا، جعل
أمرائهم سُفهائهم، وفيئهم عند بخلائهم.
16-
الواعظ من وعظ الناس بعمله لا
بقوله.
17-
إن الله سبحانه جعل شهر رمضان
مضمارا لعباده، يستبقون الطاعة إلى رحمة الله، ويجتهدون في الأعمال ليفوزوا بدخول
جنته، فسبق أقوام ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، والعَجَبُ كُلُّ للضاحك في اليوم
الذي ربح فيه المحسنون، وخسر المُبطلون.
18-
إن الله سبحانه لم يجعل
لأعمالكم أجلا دون الموت، فعليكم بالمداومة؛ فإنه – جل ثناؤه- يقول( واعبد ربك حتى
يأتيك اليقين ).
19-
رأيت سبعين بدريا، لو رأيتموهم
لقُلتُم: مجانين، لو رأوا خياركم لقالوا: ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم
لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب.
20-
رحم الله امرأٌ نظر ففكر، وفكر
فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصبر.
21-
أيها الناس! إني أعظُكُم ولست
بخيركم ولا أصلحكم، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غيرُ مُحكمٍ لها، ولا حاملها على
الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمن لا يَعِظُ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه،
لَعُدِمَ الواعظون، وقلَّ المذكرون، ولما وجد من يدعو إلى الله – عز وجل –
ويُرَغِّبَ في طاعته، وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر، ومذاكرة
المؤمنين بعضهم بعضا حياةٌ لقلوب المتقين، وادِّكارٌ من الغفلة، وأمان من النسيان،
فالزموا- عافاكم الله- مجالس الذكر، فَرُبَّ كلمة مسموعة، ومُحتقرٍ نافع، ( يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
22-
ابن آدم! إياك والاغترار؛ فإنك
لم يأتك من الله أمان، فإن الهول الأعظم والأمر الأكبر أمامك، وإنك لابد أن تتوسد
في قبرك ما قدمت، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فاغتنم المُبادرة في المَهَل، وإياك
والتسويف بالعمل، فَأَعِدَّ للمسألة جوابا.
23-
ابن آدم! إن المؤمن لا يُصبح
إلا خائفا، وإن كان مُحسنا، ولا يصلح أن يكون إلا كذلك، لأنه بين مخافتين: ذنب مضى
لا يدري ما الله صانع به، وأجلٍ قد بقي لا يدري ما الله مبتليه فيه، فرحم الله
عبدا فكر واعتبر، واستبصر فأبصر، ونهى النفس عن الهوى.
24-
ألا تعجبون من رجلٍ يلهو
ويَغفُلُ، ويهزأُ ويلعبُ، وهو يمشي بين الجنة والنار، لا يدري إلى أيهما يصير؟
25-
ابن آدم! إنما أنت ضيف،
والضيفُ مُرتحل ومستعار، والعارية لله، لله دَرُّ أقوامٍ نظروا بعين الحقيقة،
وقدموا دار المُستقر.
26-
ما مَرَّ يوم على ابن آدم إلا
قال له: ابن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل فيَّ شهيد، إذا ذهبت عنك لم أرجع
إليك، فَقَدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن يعود أبدا إليك.
27-
إنما يُكرمك من يُكرمك ما دام
روحك في جسدك، لو قد انتُزِعَ منك، لنبذوك وراء ظهورهم، ولو تُرِكتَ بينهم،
لَفَروا منك مرارهم من الأسد.
28-
اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا
أقوالهم؛ فإن الله- عز وجل – لم يدع قولا إلا جعل عليه دليلا من عمل يُصدقه أو
يُكذبه، فإذا سمعت قولا حسنا، فَرُوَيدا بصاحبه، وإن وافق منه القول العمل فنعم،
ونعمت عين، وإن خالف القول العمل، فإياك أن يشتبه عليك شيء من أمره، فإنها خُدَعٌ
للسالكين.
29-
ابن آدم! إن لك قولا وعملا، فعملك
أحق بك من قولك، وإن لك سريرة وعلانية، فسريرتك أولى بك من علانيتك، وإن لك عاجلا
وعاقبة، وعاقبتك أحق بك من عاجلتك.
30-
إن الله – عز وجل – لا يفرض
على العبد ثمنا على العلم الذي تعلمه إلا الثمن الذي يأخذه المُعَلِّمُ به، فمن
تعلم بحق الله، ولابتغاء ما عند الله، فقد ربح، ومن تعلمه لغير الله، انقطع، ولم
يصل به إلى الله تعالى.
31-
مسكين ابن آدم! ما أضعفه!
مكتوم العلل، مكتوم الأجل، تؤذيه البَقَّةُ، وتَقتُلُهُ الشَّرقَةُ، يرحل كل يوم
إلى الآخرة مرحلة، ويقطع من الدنيا منزلة، وربما طغى وتكبر، وظلم وتجبر.
32-
أيها الناس! اغتنموا الصحة
والفراغ، وبادروا بالأعمال من قبل يوم تشخص فيه القلوب والأبصار.
33-
ابن آدم! لا تخافن من ذي مُلكٍ
فإنه عبد لسيدك، ولا تَطمعنَّ في ذي مالٍ، فإنما تأكل رزق ملاك، ولا تُخالِل ذا
جُرمٍ، فإنه عليك وبالٌ، ولا تحقرن فقيرا، فإنه أخٌ شقيق لك.
34-
ابن آدم! لا تحقرن من الطاعة
شيئا، وإن قلَّ في نفسك، وصَغُرَ عندك، فإن الله سبحانه يقبل مثقال الذرة، ويُجازي
على اللحظة، ولو رأيت قَدرَهُ عند ربك لسرك، ولا تحقرن من المعصية شيئا، وإن قل في
نفسك، وصَغُرَ عندك، فإن ربك شديد العقاب.
35-
ابن آدم! إنك تموت وحدك،
وتُبعثُ وحدك، وتُحاسبُ وحدك.
36-
ابن آدم! لو أن الناس كلهم
أطاعوا الله، وعصيتَ أنت لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك
معصيتهم.
37-
ابن آدم!دينك دينك؛ فإنما هو لحمك ودمك، فإن سلم
لك دينك، سلم لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى، فاستعذ بالله منها؛ فإنما هي نارٌ لا
تُطفأ، وجسمٌ لا يبلى، ونفس لا تموت.
38-
لا يزال العبد بخير ما كان له
واعظ من نفسه، وكانت الفكرةُ من عمله، والذكرُ من شأنه، والمحاسبة من همته، ولا
يزال بِشَّرٍ ما استعمل التسويف، واتبع الهوى، وأكثر الغفلة، ورجح في الأماني.
39-
حادثوا هذه القلوب؛ فإنها
سريعة الدثور، واقرعوا هذه الأنفس؛ فإنها طامحة، فإنكم إلا تنعوها، تنزِع بكم إلى
شرِّ غاية.
40-
من لم يَمُت فجأة مرض فجأة،
فاتقوا الله، واحذروا مُفاجأة ربكم.
41-
نِعَمُ الله أكثر من أن يؤدى
شُكرها، إلا ما أعان الله تعالى عليه، وذنوبُ ابن آدم أكثرُ من أن يسلم منها إلا
ما عفا الله عنه.
43-
ما أُعَدُّ كريما إذا جررتُ
إلى أخي نفعا، أو رددت عنه ضرا، وأصلحت بين اثنين.
44-
ابن آدم! تُبغضُ الناس على
ظنِّك، وتنسى اليقين من نفسك.
45-
إياكم والتسويف والترجي، فإنه
أهلك من كان قبلكم.
46-
كان قبلكم ناسٌ أشرقُ قلوبا،
وأنشقُ ثيابا، وأنتم اليوم أرقُّ منهم دينا وأقسى قلوبا.
47-
اهتمام العبد بذنبه داعٍ إلى
تركه، وندمُهُ عليه داعٍ لتوبته، ولا يزال العبد يهتم بالذنب حتى يكون له أنفع من
بعض حسناته.
48-
من لم يداو نفسه من سقم الآثام
أيام حياته، فما أبعده من الشفاء، وأقربه من الشقاء في دار الآخرة بعد وفاته!
49-
الحقُّ مُرٌّ لا يصبر عليه إلا
من عرف حُسن العاقبة، ومن رجا الثواب، خاف العقاب.
50-
لقد أدركتُ أقواما يُعرضُ على
أحدهم الحلال فيقول: لا حاجة لي به، نخشى أن يفسدنا.
أيمن الشعبان
17/4/2013
"حقوق النشر محفوظة لموقع
" فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"