استضافة لبنان لهذا الكم من اللاجئين الفلسطينيين إذ يشكر عليه ابتداء، لكنه لم يلبث أن تحول مؤخراً إلى اضطهاد وملاحقات عنصرية لمجرد انتهاء مدة إقامتهم السنوية الممنوحة لهم، بل اعتقالهم بشكل تعسفي على الحواجز قبالة المخيمات الفلسطينية في لبنان وترحيلهم إلى سوريا، أي إعادتهم الى الموت بمعنى آخر، وصولاً إلى منع دخولهم الأراضي اللبنانية عبر مطار بيروت الدولي وتوجيه الحكومة السورية بعدم منح أي تصاريح لزيارة لبنان مهما كانت الأسباب وإن كان ذلك غير معلن.
السلطات
اللبنانية، التي تمثل الآن حكومة وحدة وطنية بما يعنيه ذلك من تشارك كافة الفرقاء
في تحمل مسؤولية هذه التصرفات، سواء المؤيد منها للنظام السوري او المعارض له،
صعدت مؤخراً من اجراءاتها ضد الفلسطينيين النازحين من سوريا من خلال سلسلة من القرارات
التعسفية الصادرة عن الأمن العام اللبناني، وحملات تضييق واعتقال عشوائية على
مداخل المخيمات الفلسطينية التي لجأ إليها غالبية النازحين الفلسطينيين من سوريا.
ورغم تأكيدات السلطات اللبنانية،
وكذلك وكالة ‘الأونروا’، أن هذه الاجراءات هي مؤقتة وتهدف لتنظيم
وجود الفلسطينيين في لبنان لا إبعادهم والتضييق عليهم، إلا أن التقارير المتتالية
الصادرة عن عدد من الهيئات والمنظمات الحقوقية رصدت وبشكل واضح المزيد من التعسف
بحق الفلسطينيين من سوريا، وعمليات تعجيز تتعلق بوضعهم القانوني، فقد وثّق المرصد
الأورومتوسطي لحقوق الانسان عدة انتهاكات قامت بها السلطات اللبنانية منذ صدور
القرار الأخير المتعلق بفلسطينيي سوريا.
السلطات اللبنانية تمتنع منذ مدة
عن تجديد الإقامة لأي لاجئ فلسطيني من سوريا، ما أدى إلى أن ثلثي هؤلاء باتوا
يعيشون حالياً في لبنان بدون إقامات. أما جديد هذه التصرفات العنصرية فان السلطات
اللبنانية بدأت تتشدد مع هؤلاء حيث تقوم بتوقيف كل فلسطيني لاجئ من سوريا
انتــــهت إقامته، ومن ثم تقوم بإعادته إلى سوريا. ما يعرض أعداداً كبيرة من هؤلاء
إلى خطر الموت الحقيقي.
كما أن هناك قراراً غير معلن يتم تداوله في أروقة الأمن اللبناني يقضي بتوقيف كل من لم يجدد إقامته ورقياً من اللاجئين الفلسطينيين السوريين حتى الذين لم تتجاوز مدة إقامتهم في لبنان العام المسموح فيه. في وقت تعامل فيه السلطات اللبنانية السوريين في أراضيها معاملة اللاجئين وتمنحهم إقامة لستة أشهر قابلة للتجديد، تعامل اللاجئ الفلسطيني السوري القادم من سورية كسائح، وتمنحه إقامة لأسبوعين فقط، قابلة للتجديد كذلك.
ما تحاول
السلطات اللبنانية فعله من خلال هذه الأفعال ‘العنصرية’ هو استجلاب المزيد من
التمويل لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين ليس إلا، وهو أمر بات معروفاً ومختبراً من
قبل الدول التي تستضيف عادة اللاجئين السوريين على أراضيها، ولا سيما الدول
العربية، لكن المشكلة أن تبعية الفلسطينيين إلى منظمة متهالكة وفقيرة كالأونروا
ليس لديها من التمويل ما يسد جشع الدول المضيفة، يجعل من التعامل مع اللاجئ
الفلسطيني أمراً لا يحسب له أي عواقب او لا ينتظر منه أي عائد، لذلك يمعن الأمن
اللبناني في التضييق على اللاجئين الفلسطينيين في ظل انشغال الجميع عنهم،
ولامبالاة حتى منظمة التحرير الفلسطينية بشؤونهم، بعد ان رفعت يدها عن ملف
مخيماتهم في سوريا، وسلمته إلى الحكومة السورية والنظام الذي هجرهم ودمر مخيماتهم،
إثر فشل المفاوضات لتحييد هذه المخيمات عما يجري في سوريا.
انه تشويه لصورة لبنان قبل الإساءة لأي لاجئ تقطعت به
السبل في أرجاء الأرض.
كاتب وباحث فلسطيني
هشام منوّر
القدس العربي