الطيور المُهَجَّرة : شريف أبو نصار

بواسطة قراءة 1932
الطيور المُهَجَّرة : شريف أبو نصار
الطيور المُهَجَّرة : شريف أبو نصار

امتد بصره عبر النافذة ..

شعر " المُختار أبو يوسف " برغبة جامحة بمغادرة فراش المرض الذي طال عليه وأوهن جسده ..تمايل ..شعر بتثاقل وهو يحاول أن يعدل جلسته على سرير المرض الذي لم يغادره منذ أسابيع ..أسدل ساقيه ..حركهما ...شعر وكأنهما قد تحررتا من اسر أو اعتقال غير مشروع ..اتكأ بيد على عكازه ..وبيده الأخرى على رفيقة الدرب والحرب والكرب ..واستنهض كل ما تبقى من قواه ودفع بنفسه للتحرر من سنيه الثماني والسبعين ...درج خطواته كطفل صغير في خطواته الأولى ..وابتسم من بين آلامه فقد سئم الحملقة في سقف الغرفة الاسبستي ...
قوة غريبة سرت في جسده الواهن ..الحياة تدب في أوصاله من جديد ...إحساس لم يشعر به طوال أسابيع المرض الماضية ..

اتجه بثبات إلى باب الزَّرّيعة ( الحديقة ) ..وأصر أن يكمل رحلته داخلها لوحده ..وحتى دون عكازه .. شعر وكأن شبابه أُعِيد إليه من جديد ..لكنه أمام إصرار رفيقة الدرب "أم يوسف " استسلم راضياً وأبقى عكازه بيده يتكئ عليه مقابل أن تسمح له بالتجول في الحديقة بمفرده ...

وقفت تراقب بسعادة من هو لها الزوج والأب والأم والأخوة وكل الأهل يتفقد أشجار الحديقة شجرة شجرة ...تلك الأشجار التي غرسها ورعاها منذ سنين طوال ربما منذ أن استقر وأولاده في هذا البيت بعد أن هَجَّرَهُم الصهاينة عام 1948 بثلاثة أعوام أو أربعة ..
يطوف على الأشجار فيمر بيده على أوراق هذه يتحسسها وتلك يتأملها ...وأم يوسف تراقبه فرحة ...نعم يبدو أنه يتعافى بسرعة بعد أن حسبت أن الموت في طريقه ليخطفه منها ..وأنه أصبح منه قاب قوسين أو أدنى ..

توقف " المختار" كثيراً تحت عريشة العنب ..وشرد بخياله بعيداً بحيث لم يسمع صوت أم يوسف تناديه ..ففضلت السكوت وجلست تراقب ابتسامة ترتسم على محياه سرعان ما تلاشت وتجهم وجهه على أثرها ..وانتفض من شروده كمن يهرب من كابوس أطبق عليه ...بدا عليه الإعياء من جديد ..أسرعت إليه تمسك بيده ..ودَعَتْهُ للعودة إلى فراشه حتى لا ينهكه التعب ...نظر إليها نظرةً مَلَكَتْ عليها نفسها فأعادت لها روحها وبهجة الحياة ... نظرةً كان فيها كل الحب والوفاء والعرفان بالجميل كانت بالنسبة لها شهادة التفوق ممن يهمها أمره .. ودرجا خطواتهما معاً بتناغم شديد حتى وصل إلى فراشه ..

أسند رأسه على الوسادة للوراء ...

وعاد بذاكرته سبعة عشر عاماً للوراء .. العام 1971 ...

عامٌ حضر فيه درويش ثاني أكبر أحفاده من الكويت إلى غزة للزيارة ..كان درويش حينها أكمل الثامنة عشر من عمره .. وكانت زيارته الأولى لبيت جده في المخيم بعد نكسة حزيران 67 ..وكانت الأخيرة ...

احتفاء بزيارة درويش قامت العائلة بتنظيم رحلة خاصة إلى قرية " سَلَمَه "مسقط رأس والده يوسف النازح في دولة الكويت ..

سَلَمَهْ ..تلك القرية الرابضة في قضاء يافا والتي لم يطأ درويش ترابها من قبل قَط ..

اقتحم شريط تلك الذكريات مخيلة الحاج أبا يوسف تُزلزل كيانه كجلجلة قطار سريع ..مرَّ به حتى على التفاصيل الصغيرة في تلك الرحلة ...

انطلقت بهم الحافلة من مخيم " المغازي " وسط قطاع غزة لتمتطي شارع صلاح الدين الرئيسي الذي يصل أقصى جنوب قطاع غزة بأقصى شماله إلى منطقة بيت حانون ثم خط الهدنة لعام 1948، لتبحر رويداً رويداً في "الِبْلاد "..تلك الأراضي التي هَجَّرَتهُم منها العصابات الصهيونية عام 48 .

بين الفينة والأخرى كان يرتفع صوت السائق "أبو ياسر" معلقاً على ما يمرون بها من قرى وبلدات ..... هنا كانت قرية دير سنيد ..وهذا الطريق يؤدي إلى قرية هربيا ...تلك أطلال قرية بيت جرجا .. هذه الطريق إلى الجِيّة وهناك كانت قرية نِعلية ...هذه المجدل ..

كانت تتعالى التنهيدات من صدور العجائز تتبعها عبرات وعبارات الحسرة والألم على ضياع الِبْلاد ...ويعلو صوت هنا وصوت هناك يستحضر الذكريات الجميلة والأليمة على حد سواء ...فتتعالى ضحكات تَقْبُرَها دموع وعَبَرات ..

تذكروا كيف تركوا بهائمهم حبيسة حظائرها بعد أن وضعوا لها ما يكفيها لمدة أسبوع من الماء والأعلاف ....نعم بالضبط كما طلبت منهم الجيوش العربية ..تلك الجيوش التي طلبت من عرب فلسطين أن يغادروا قراهم لمدة أسبوع واحد فقط حتى يَسهُل عليها سحق العصابات الصهيونية ..!!
ارتفع صوت السائق مرة أخرى ليقطع حديثهم منوهاً عن القرية التي يمرون عنها بعيداً على يسارهم ...تلك قرية حمامة .. والطريق من هنا على اليمين يصل إلى قرى السوافير وبيت دراس ...صَمَتَ السائق أبو ياسر بعدها وأطرق قليلاً ...قطب جبينه وهو يتوقف على إشارة المرور الضوئية وأردف بأسى .. هنا قريتي حيث ولدت ..إنها اسدود ..

أضاءت الإشارة الخضراء إيذاناً للحافلة بالانطلاق من جديد ...العيون تراقب ...تدور يمنة ويسرة ..تستحضر ماضٍ يطاردها ..

مرّت فترة طويلة من الصمت المطبق ...قطعه السائق معلناً عن الوصول لمنطقة قرية بير يعقوب ...ثم صرفند العمار ..و من هناك بدأ صوت هدير الطائرات المدنية يعلو معلناً انقضاضه على أرضٍ سَبِيَّه ...

مدينة اللد تبدو شامخة أمامنا ..صاح السائق أبو ياسر ..وسرعان ما انعطف يساراً ناحية الغرب لمّا وصل تقاطع الطريق ....

تذكر أبو يوسف جاره في "لِبْلاد" أبو محمود الذي أخفى ما يملك من ذهب تحت بلاط أرضية المنزل ..وصديقه أبو ليلى الذي أخفاها في جرة فخار في كوة بالحائط حرصاً عليها ..فالثقة كانت عالية وكبيرة في جيوش الخلاص العربية ..!! وعلت التنهيدات مرة أخرى فها هي السنوات تمر على وعود العَودة العربية ..حتى كانت حرب الأيام الستة ..ستة أيام فقط ...!!

أفاق أبو يوسف مرة أخرى على صوت السائق وهو يشير إلى ناحية يسار الطريق ..هناك كانت قرية بيت دجن ..هذه يازور ..

صاح أبو يوسف نعم ...نعم ...وهذه قرية الخيرية ...ثم صرخ بانفعال ظاهر ...سَلَمَهْ ...نعم هذه قرية سَلَمَهْ ..

هلل الجميع مبتهجين ...نعم لقد تغيرت كثيراً ولكن لا زالت البصمة التي تركها أهلها الأصليون قبل تهجيرهم من قِبَل العصابات الصهيونية بادية واضحة ..

أحس أبا يوسف بالحسرة والألم وهو يرى المباني ..الساحات ..الطرق وقد تغيرت معالمها بشكل كبير .. أغمض عينيه يعض على جرحه ..تنفس بعمق كمن يواسي نفسه بأن عبق الأرض وريحها هو هو ..لم تطله رياح القهر والاحتلال ..فهاهو لا زال ريحها نفس العبق والتاريخ ..

انتاب أبا يوسف شعور غريب ..فانبرى بانفعال ظاهر .. : هذا مسجد سَلَمَهْ كما تركناه ..تلك كانت مدرسة ذكور سَلَمَهْ وهذه مدرسة الإناث ..وهناك كانت تنتشر ثلاث مدارس خاصة ...في هذه الساحة كانت تعزف فرقة مدرسة سَلَمَهْ الموسيقية ألحانها بقيادة بشناق ..هذه كانت شركة الألبان العربية الحديثة ...وهذا كان مبنى شركة سَلَمَهْ للغزل والنسيج .. تلك كانت مدابغ الجلود ...وهناك مطاحن الحبوب ...وذاك مصنع الشراب ...سكت فجأة واعتلت وجهه مسحة من الحزن والكآبة ...ثم أردف بألم ...وتلك ما تبقى من مقبرة قرية سَلَمَهْ حيث يرقد والداي وجدودي.. ...و...و..و..

لم يشعر أبو يوسف بغربة كبيرة وهو يرشد السائق على المسالك المؤدية إلى داره المبنية من الحجر القدسي العتيق ... توقفت الحافلة أمام الدار ..

استقبلتهم دالية العنب على عريشها ..هي كما هي .. كما تركها عام 48 ..كما نسقها ..وعرَّشَها ..داره كما هي تكاد حجارتها تنطق تناديه شوقاً .. شبابيكها كما هي ..مدخلها ...كل شيء ..
شرد بخياله ..شعر بأطفاله يخرجون من الدار ..صراخهم يعلو .. تشجيه شقاوتهم .. ها هم يتسابقون لاحتضانه .. ارتجف ...تصبب عرقه ...كان هائماً في عالم آخر ...حنين أعاده لسنوات خلت إلى مرتع الصبا وحياة الشباب ...

اعتصر قلبه ألماً وهو يعود إلى واقعه على صوت السائق يناديه ...

- هيا يا حاج أبا يوسف تقدم ...

تقدم أبو يوسف بشوق ولهفة ..ثم اعتلاه التردد أمام باب المنزل الذي كان يوماً سيده ...شعر برجفة تجتاح كيانه وهو يتأمل حجارته القدسية ...أصابته غصة في حلقه ...أسند يده على عامود خشبي يحمل العريشه كان غَرَسَه بيده قبل أن يُهَجّروا بعدة أشهر... وتجمد في مكانه ...دارت عيناه بذعر وتثاقل في أرجاء البستان المحيط بالمنزل الذي سقاه يوماً حنانه ورعايته...نظر بعينين متحجرتين إلى السائق كأنه يرجو نجدته ...

فتقدم ابو ياسر بخطى ثابتة تجاه باب الدار .. قرع الجرس .. فكان الجواب .. صوت ناعم بلغة غريبة ..

_ مِين زِيهْ ..؟. أي "من هناك ..؟ "

امرأة شقراء في عقدها الرابع من العمر .. ترتدي تي شيرت أبيض وبنطال قصير .. وتحمل بين يديها طفل رضيع ..أطلت عبر الباب ...

ابتسمت متسائلة وهي ترى سيارة متوقفة أمام المنزل تحمل لوحة أرقام غزة وبداخلها عدد من النسوة والكهول العرب بلباسهم الشعبي الفلسطيني ...

كانت يهودية وافدة من الاتحاد السوفيتي ...بادرها السائق أبو ياسر محيياً بلغتها الغريبة ..
- صباح الخير ...نحن قادمون من غزة في رحلة لزيارة ما ضاع من ديارنا ..
ابتسمت وهي تجيبه ..

- حسناً ..ما ضاع منكم الآن قد ضيعناه قبلكم وها قد استرددناه .. إنها لم تعد لكم ...هي الآن دولة إسرائيل ...

كان أبو ياسر يقوم بترجمة ما يدور من حديث ..

- إنه كان منزلنا حيث نشأتُ وترعرع أطفالي ..وهذه الأشجار المحيطة زرعتها بيدَي .. في بستاني ...

قالها أبو يوسف بألم ..

- ولكنه لم يعد بيتك ..!! بل هو بيتي ...وأنا مَن أسكنه ...لما ذا هذا الحديث الآن ..؟! تفضلوا بالدخول واشربوا فنجاناُ من القهوة لعله يخفف عنكم وينسيكم بعض العناء ...

تقدم أبو ياسر ..وتبعه أبو يوسف وباقي أفراد القافلة بتثاقل ٍ... دار الفتى درويش بعينيه أرجاء المكان منبهراً ...أَكُلّ هذا كان مُلكَاً لجده ..أهُنا كان مرتع والده وأعمامه .. أوليس من العدالة أن يكون أيضاً مرتعه ...

جلسوا في صالون المنزل ..واستأذنت " كيغن " لتحضير بعض القهوة ... ثم عادت بعد قليل ..لتبادر بالحديث مبتسمة ...

أنا اسمي " كيغن " من مواطني روسيا في الاتحاد السوفيتي ...حضرت مع عائلتي قبل ثلاثين سنة ..واستقررنا في مستوطنة " بتاح تكفا " ..ولمّا كبرت تزوجت من " يوسي " وهو شاب يهودي وفد من ألمانيا الغربية وأقمنا في هذا المنزل الجميل الذي منحتنا إياه الدولة عام 48 لنعيش فيه أجمل أيامنا ...

علا صوت أم يوسف بتهكم كمن يستهزئ الأيام .. كانت هذه غرفة نومنا الرئيسية .. فيها وضعت كل أولادي ...كانت هذه غرفة الأولاد ..يوسف ومصطفى وعز الدين وموسى...وتلك غرفة البنات رسمية ومريم وانشراح و انتصار ..وهذه كانت لمبيت الضيوف ...وهذه كانت غرفة استقبال الضيوف الرجال ....وتلك لاستقبال النساء ...

وصل صوت سيارة تتوقف خارج المنزل ..وصوت بابها يُغلق ..

دخل "يوسي " المنزل محييا الضيوف بتعالٍ وبرود .. ثم توجه فوراً لغرفة النوم ...

شعر أبو يوسف بالدم يغلي في عروقه وبدا العرق غزيراً يتصبب من جبينه ... والإرهاق بادياً عليه عندها كان لابد للزائرين من الاستئذان فقد أزف موعد الرحيل ...

قام أبو يوسف متثاقلا ...قدماه مسمرتان في أرض المنزل وكأنهما تَعِيّان أنها ستكون خَرْجَة الوداع ...ومضى ببطء تجاه السيارة ...ألم شديد يجتاحه لأول مرّة ...شعر به يعتصر صدره ليمتد إلى ذراعه الأيسر ...

ألقى بحمله على كرسي السيارة التي انطلقت بسرعة من المكان وكأنها تفر به من موت محتم..بدأ لونه يزداد شحوباً ...شعر بجبل يعتلي صدره فبالكاد يستوفي بعض نفسه ...ثم ذهب في سبات عميق ..

أخبرهم الطبيب أنها نوبة قلبية وكان من المفترض التوجه به فوراً لأقرب المستشفيات داخل الخط الأخضر ..ولولا رحمة الله به ...لكان حينها في العالم الآخر .

نعم كانت بدايته الأولى مع الأزمات القلبية ...التي تواترت عليه كما أزمات الأنظمة العربية ...

أفاق أبو يوسف من شروده على صوت أم يوسف تسأله بحنان عما الم به بينما كانت تحتضن يده بين كفيها تبللها دموعها الصامتة ..

ابتسم لها ابتسامة واهنة .. محاولا أن يخفي دموع قهر تحجرت في مقلتيه..ويجيبها بصوت ضعيف : تؤلمني حديقتي هذه كما حديقتي في سَلَمَهْ ...ما عادت تغرد فيها البلابل يا أم يوسف ...أعشاش خاوية ...

ألتاعُ شوقاً لرؤيتها ...هُجِّرَتْ عام 67 كما هُجَّرُوا معنا عام 48 ..ألتاع شوقاً لرؤيتهم .. هُجِّرُوا من سَلَمَهْ ثم من غزة وكل فلسطين ...

صمت أبو يوسف ..وبان عليه الإجهاد الكبير ..

بدا الخوف والارتباك على أم يوسف فقفزت تريح رأسه الواهن على صدرها ...وأسلم نَفْسَه لسبات عميق .. غَيَّبَهُ ألم شديد يعتصر صدره .... شحب لونه ..وازدادت برودته ..وبدأ العرق غزيراً يتصبب من جبينه ..وبدأت قواه تخور ..فبالكاد يحرك جفنيه ... وبدأ يرتجف ..

عند منتصف الليل دوت زعقه شقت عنان السماء ... قال البعض بأنها صرخة امرأة ثكلت في زوجها ...وأقسم البعض انهم رأوا وقتها طيراً ابيض كالثلج وخفيفاً كالدخان ينطلق عن سطح منزل أبو يوسف ليتصَّعَد في السماء ثم يتجه ناحية الشمال حيث أراضي 48 ..

وأكد عدد من مواطني عرب 48 بأنه تم رصد هذا الطائر في سماء العديد من المدن والقرى المُهَجَّرَة ..ثم استقر على سطح عمارة "شلومو" التي كانت حينها أعلى عمارة في إسرائيل ...وسرت هناك شائعات بين المستعمرين اليهود بأن الطير اختفى مع بزوغ الشمس .. لكنه ترك آثار أقدامه على سطح العمارة ..مما حدا بالعديد من حكمائهم على تفسير ذلك بأنها إشارة على حتمية عودة الطائر يوماً إلى عشه ..

كما أكد الشيخ "الواثق بالله" بأن المرحوم قد توفي وهو يرفع أصبعه الشاهد الأيمن وهذا دليل أن أخر عهده بالحياة كان الشهادة بوحدانية الله وهذا من علامات حسن الخاتمة ،أما جاره وابن بلده أبو فتحي الذي قام بتغسيل جثمان المختار فقد أصر على أن أصبع الشاهد كان يشير به إلى مسقط رأسه سَلَمَهْ ..أما صهره أبو العبد فكان رأيه بأن المختار كان يشير إلى صورة طيوره المهاجرة المُهَجَّرَة ..صورة أحفاده المعلقة على جدار الغرفة ..بينما رأى ابن عمه "أبو علي " بانه كان يحذر بأصبعه من إعصار قادم ،فمن يكونون في النزع الأخير عادة يرون ما لا يراه الإنسان العادي ...أما حفيده المتبقي الوحيد حينها في فلسطين والذي لم يتجاوز حينها الخمس سنوات يقول بأنه كان يشير بإصبعه إلى حجر صغير كان بيده ...

ومضت ثلاثون عاماً ولا زال من بقي بعده في جدل حول لغز أصبعه الشاهد ...

نعم ..

توفي أبو يوسف ولم يكن يعلم بأن هِجرات أشد بؤساً وألما تطارد أحفاده في دول الريبوت العربية ..فها هم أبناؤه وأحفاده من بعده هُجِّروا مِن الكويت إلى العراق لتعتقلهم ونسائهم وأطفالهم لسنين مخيمات لجوء جديدة في صحاري الحدود العربية .. في أعتا وأسوأ الظروف وأشدها قسوة..لِيُشَتَتُوا مرة أخرى بين قارات العالم الغريبة .. تلاحقهم لعنة الخِلافَة المسفوحة ...

شريف أبو نصار

غزة في 15 مايو 2010

 

المصدر: دنيا الوطن