على
خلاف الزيارات السابقة؛ أخذت هذه الزيارة ابعاداً سياسية عميقة، في ظل التغيرات
المهمة لتي تحصل على الصعيد الاقليمي والدولي المرتبط بالملف السوري، حمل فيها زكي
الكثير من الملفات، كان احدها اوضاع المخيمات الفلسطينية في سورية، وهو ما يقدم
مبرراً لاختياره وإرساله كموفد خاص للرئيس عباس تتجاوز مهمته، تلك التي كان يقوم
بها «الآغا» في المرات الماضية. ووفق الكثير من المصادر، ثمة دلائل تشير إلى انه
حمل في لقائه مع الأسد رسائل تقارب من القيادة الجديدة في قطر، اضافة إلى تأكيدات
بوقوف السلطة الفلسطينية إلى جانب النظام في سورية، وهذا ما أشارت إليه تصريحات
عباس زكي في وسائل الإعلام، وهذه التصريحات أيضاً دفعت ممدوح – ناشط إعلامي،
للتساؤل: في عالم السياسة لا يوجد شيء مجاني! فكيف منحت السلطة الفلسطينية من طريق
مبعوثها النظام صك شرعية جديداً، بينما الفلسطينيون يموتون إما بنيران اسلحته أو
بالجوع نتيجة حصاره لمخيم اليرموك، وفي باقي المخيمات بدرجات متفاوتة، ثم نقوم نحن
بمباركة ما يفعلونه بنا!؟. ويضيف: في الزيارات السابقة لمنظمة التحرير إلى سورية
كان الوفد يأتي ويذهب تاركاً خلفه وعوداً بالفرج القريب تتلقاها المخيمات قصفاً
وتدميراً كما حصل عندما قصف مخيم اليرموك بصواريخ غراد للمرة الأولى، وكلما طرحت
مبادرة جديدة لحل الازمة كانت وتيرة المعارك والقصف تزداد في شكل جنوني على المخيم
ويتهمون قوات المعارضة بإفشالها، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يقوموا بالضغط
لفتح ممر انساني للمحاصرين في اليرموك الذي يموت أهله جوعاً كي يخرجوا، طالما أن
الحاجز تحت سيطرة قوات النظام؟.
ويرى
البعض أن تصريحات زكي الأخيرة بما يخص الصراع في سورية قضت على مبدأ النأي بالنفس
الذي تتبعه منظمة التحرير الفلسطينية، حيث يقول جهاد عمر مستغرباً: تصريحات عباس
زكي أعطت القيادة العامة (التابعة لأحمد جبريل) الشرعية الفلسطينية لأي تصعيد ممكن
على المخيمات، باعتبار ان قوات المعارضة هي «مجموعات مسلحة»، كما يسمّيها النظام،
وهذا يعني اعطاء النظام وجماعة «جبريل» الضوء الأخضر لتدمير المخيم على رؤوسنا؛
ونصبح كفلسطينيين أخصاماً للمعارضة، هل هذا نأي بالنفس؟ ألم تتعلم قيادتنا من
أخطائنا السابقة؟ «في اشارة الى النتائج التي أثمرت عنها عملية الوقوف إلى جانب
النظام العراقي في حرب الخليج الأولى». وذهب البعض الآخر في تفسير هذه التصريحات
إلى حدود أبعد من ذلك، معتبراً انها تأتي ضمن صفقة أبرمتها المنظمة مع النظام
السوري ضمن الحلول الدولية لإنهاء حق العودة، حيث يقول أبو محمد المقدسي: «نسبة
الدمار في عاصمة الشتات الفلسطيني «يقصد اليرموك» اكثر من 50 في المئة بفعل قذائف
النظام السوري وصواريخه؛ وهي عمليه تدمير لأكبر مراكز اللجوء الفلسطينية وخزان
الثورة الفلسطينية ... والقضاء على حق العودة بتشتيت اهالي
المخيم وتفريقهم في دول اوروبا والعالم». وفي ردّه على السؤال عن المبادرات
الكثيرة التي قدمتها المنظمة لحل ازمة المخيم، أجاب المقدسي: «كانت فقط اعلاميةً،
ولا داعي لمراجعة المبادرات الماضية ولنتفحص الحالية، أين السلل الغذائية التي
وعدوا بها. أين الممر الإنساني للمحاصرين في المخيم؟ أين المعتقلون الفلسطينيون
الذين وعدوا بإخراجهم من السجون؟».
كانت
هذه جزءاً من الوعود التي صرح بها الموفد الخاص للرئيس الفلسطيني عبر وسائل
الإعلام، وفي تعبير عن خيبة الأمل الكبيرة التي أصابته بعد مرور ايام على الزيارة
وغياب أي انفراج في وضعهم يقول ابو عدنان – أحد المحاصرين في المخيم: «اليوم عرفنا
كيف “استشهد” الحلم الفلسطيني! لقد اعتدنا الصمت العربي
ولكن الصمت الفلسطيني هو القاتل». ويختتم كلامه باللهجة الفلسطينية: ما بين ابو
عمار وأحمد ياسين الشعب عرف القضية، وبعد ابو عمار وأحمد ياسين الشعب ضيّع القضية،
وضاعت فلسطين بين صامد ولاجئ وحلم العودة والانسانية: «مفتاح العودة اتعلق على
الرقبة بسلسال أو ميدالية بتنحط على الخصر، وتهز يمين وشمال؛ معلقة متل الضحية،
سلام على ارواح اطهر البشر سلام على ما تبقى من القضية».
ربما
نجحت الزيارة التي قام بها عباس زكي موفد الرئيس الفلسطيني الخاص إلى سورية في
تحقيق اهدافها السياسية وإيصال رسائل التقارب إلى المرسل إليهم «على رغم النفي
الرسمي لها»، في ظل اعادة تموضع للكثير من الاطراف الاقليمية والدولية والمرتبطة
بالتعاطي مع الشأن السوري، ولكنها فشلت في شكل مفجع لفلسطينيي سورية في تحقيق اي
انفراج او تحسن في اوضاعهم الانسانية المتدهورة باستمرار. ففي الجانب الميداني
استمرت المعارك العنيفة والحصار التام لتمنح اهالي مخيم اليرموك طرقاً متعددة
للموت، وكذلك مخيم السبينة الذي تضاربت الأنباء حول السيطرة المتبادلة عليه بين
قوات النظام والميليشيات العراقية واللبنانية المشاركة معه وبين قوات المعارضة،
ولا يزال مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين الذي يقصف بالطيران والمدفعية منسياً
تماماً منذ اكثر من عامين، فقد يكون بالفعل أفلح الموفد الرئاسي في تحقيق مساعيه
في جسر الهوة بين النظام وأطراف عربية اخرى، ولكنه ترك المحاصرين في مخيم اليرموك
وباقي المخيمات المنكوبة مصابين بخيبة أمل كبيرة يبدو انها تتسع كالهوة، من دون أن
يحاول جسرها معهم بتحقيق الوعود التي قدمها، والتي ستستمر بالاتساع طالما لم يقدم
أجوبة مقنعة لزحام الأسئلة والشكوك المتزايدة لديهم.
المصدر : الحياة
8/11/2013