مخيم الهول.. محطة على طريق العودة..أم عودة إلى واقع النكبة !!

بواسطة قراءة 8413
مخيم الهول.. محطة على طريق العودة..أم عودة إلى واقع النكبة !!
مخيم الهول.. محطة على طريق العودة..أم عودة إلى واقع النكبة !!

ماهر حجازي

قمنا بزيارة إلى مخيم الهول للاجئين الفلسطينيين من العراق, والمقام على أرض مدينة الحسكة السورية....ركبنا الحافلة وانطلقنا على بركة الله.. بدأ الوقت ينقضي الساعة تلو الأخرى..والطريق يزداد بعداً..والحرارة في ارتفاع..وآخذ الجهد والتعب بادياً علينا حتى أنني لم أستطع النوم وقتها..وبعد انقضاء قرابة تسع ساعات في سفرنا ولوهلة فقدت الأمل في الوصول إلى المخيم المقصود في سفرنا..متسائلاً من الذي يستطيع الحياة في هذه المناطق الجرداء التي نراها من حولنا؟..لكن خاب تقديري للموقف وإذ بعد مضي عشر ساعات وصلنا إلى مخيم الهول وأول ما وقعت عليه عيناي هي الأسلاك الشائكة التي تحيط بالمخيم عندها أدركت فعلاً أننا وصلنا المخيم.

دخلنا المخيم..فعاجلنا الأهالي بتقديم الماء المثلج لنا فهم يدركون صعوبة ما لاقيناه للوصول إليهم في ظل الجو الحار..بعدها دخلنا المسجد لأداء صلاة الجمعة..ثم التقينا بإخواننا اللاجئين واستطلعنا أوضاعهم..أمالهم وآلامهم.

التقينا بالشيخ الفاضل محمود حسين صيدم "أبو أحمد", والذي تحدث لنا مستفيضاً عن طبيعة الحياة الصعبة داخل مخيم الهول الواقع في ما يسمى بالمثلث التركي السوري العراقي أي في منطقة حدودية, وقد قص علينا تفاصيل هجرتهم من العراق حتى وصولهم لهذا المخيم, فبعد خروجهم من العراق إلى الحدود الأردنية منعهم الجيش الأردني من دخول أراضيه مستخدماً ضدهم المدافع والدبابات, بعد ذلك وافقت الحكومة السورية على استضافتهم على أراضيها وبقرار من رئيس الجمهورية, وفعلاً تم نقلهم من الحدود الأردنية بواسطة حافلات سورية إلى نقطة التنف الحدودية ثم استبدلت الحافلات وعملت على نقلهم إلى هذا المخيم وبشكل مباشر ليصلوه بتاريخ 9-5-2006, ويمضي اليوم على وجودهم في هذا المخيم عام ويزيد.

يحاط مخيم الهول بجدار من الأسلاك الشائكة  وله باب واحد يشرف عليه حرس سوريون, وكما تشرف المفوضية العامة للاجئين على إدراة المخيم, في بداية وصولهم للمخيم عاش اللاجئون داخل الخيام, وفيما بعد تم بناء منازل لهم من "البلوك" و"أسقف الزينكو", وأفاد أبو أحمد أن الأموال التي بنيت فيها هذه المنازل قدمت من حركة حماس ومن الخيرين وجزء بسيط من المفوضية العامة, ثم قام الأهالي باستكمال بناء منازلهم وتجهيزها كل حسب قدرته وعلى نفقتهم, وهذه المنازل على ثلاثة أشكال:

1-   العائلة الكبيرة المكونة من أربع أفراد ويزيد لها غرفتين وحمام ومطبخ.

2- العائلة الصغيرة المكونة من فردين أو ثلاثة لها غرفة وحمام ومطبخ.

3- الشباب لكل واحد منهم غرفة والحمامات مشتركة, وغرفهم متطرفة عن العائلات.المخيم مزود بـ (3) آبار لتزويده بالمياه, وكما يوجد (5 خزانات لمياه الشرب لكنها غير نظيفة ) وتحوي كميات من الكلس وقد سببت الكثير من الأمراض للاجئين.

وأكد أهالي المخيم خلال حديثهم لي بأنهم ممنوعون من العمل ولأسباب يجهلونها, وممنوعون من الحياة في المدن, فهم يغادرون المخيم إلى قرية الهول القريبة بعد حصولهم على إذن من إدراة المخيم وهو مدير تابع للمفوضية, بغرض التسوق وتأمين احتياجاتهم أو للترفيه عن أنفسهم, كما يستطيعون من خلال ما يسمى بنظام الإجازات الحصول على إجازة ولمدة خمسة أيام للذهاب إلى العاصمة دمشق.
واشتكى اللاجئون مما أسموه بـ (سياسة عدم الإهتمام) التي تنتهجها المفوضية العامة للاجئين, من خلال تقاعسها في أداء مهمتها الإنسانية تجاه هذا المخيم سواء من خلال التقصير في حجم وكمية المساعدات الغذائية المقدمة لهم والتي لا تسد حاجة الفرد الواحد, والمخصصات الغذائية الشهرية للفرد على الشكل التالي:

1- كغ رز – 1 كغ سكر – 100 غ شاي – 2/1 كغ عدس – 100 غ ملح – علبة حمص – علبة فول – علبة جبنة أقراص – علبة مربى البندورة – علبة سردين – 2 صابون – كيس حليب "حديثا" – .

2- علبة صغيرة منظف .

ومن أوجه التقصير في عمل المفوضية العامة, عدم توفير العناية الطبية الملائمة في ظل البيئة الصحراوية الصعبة, حيث اشتكى اللاجئون من قلة الدواء في مستوصف المخيم, ومن عدم اهتمام طبيب هذا المستوصف الذي يزور المخيم وليس بشكل يومي ولمدة لا تتجاوز الساعتين, وأكثر الحالات التي يعاينها يطلب منها النزول إلى قرية الهول للعلاج أو شراء الدواء وعلى نفقة اللاجئ, فأصبح المستوصف وطبيبه عالة على المخيم إذ لا يستفاد منهم بشيء.وأكد الأهالي على انتشار الكثير من الأمراض مثل التهاب المجاري البولية بسبب سوء المياه, وكذلك حالات تنتشر بين الاطفال من جدري الماء والجرب والقمل والفطريات.وطالب الأهالي بضرورة توفير الأدوية للخيم من أدوية الالتهاب ومسكنات الآلام إضافة إلى المصل المضاد للسعات العقارب والأفاعي والتي بدأت بالظهور ويخشى اللاجئون على أطفالهم, وقد تصورا إصابة أحد أبنائهم بهذه الزواحف السامة ولا يوجد في المستوصف مصل مضاد فربما يموت لحين نقله إلى قرية الهول, فلا قدرة للاجئ أن يشتري الدواء ولا العلاج اذ أنه ممنوع من العمل, فمن أين له أن يأتي بالمال ليتعالج على حسابه الشخصي.وطالب الأهالي في حديثهم بضرورة توفير طبيبة نسائية لفحص اللاجئات, واللواتي يجبرن على الإنكشاف أمام الطبيب الوحيد في المخيم للضرورة, وفي أكثر الحالات المرضية الإنسانية والتي يتم تحويلها للعلاج في المشافي, أيضاً تتلقى العلاج على نفقتها, وهذا مايضيف أعباء أخرى على كاهل اللاجئ.
وتعرض مخيم الهول إلى سلسلة من الظواهر البيئة الصعبة من عواصف رملية, وهذا ماشاهدته خلال زيارتي للمخيم, إضافة إلى حلول فصل الصيف وجوه الحار وظهور الحيوانات المؤذية.وقد زود المخيم بالكهرباء الحكومية منذ ثمانية أشهر, حيث تقوم المفوضية بدفع ثمنها لدائرة الكهرباء في مدينة الحسكة, أما المساعدات فتقدم أيضا من الفصائل الفلسطينية المتواجدة على الأراضي السورية, وكان الأهالي أبدوا لي انزعاجهم من انقطاع هذا المساعدات عنهم منذ أكثر من تسعة أشهر, وفي بداية دخولهم لهذا المخيم قام وزير شئون اللاجئين السابق وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور عاطف عدوان بتوزيع مبالغ مالية عليهم (5000 ليرة سورية) للكبار و (2500 ليرة سورية) للاطفال.

وفي ظل الحياة الصعبة وقلة الموارد يضطر اللاجئون إلى بيع قسم من المساعدات المقدمة إليهم لتأمين مستلزماتهم من أجور مكالمات هاتفية مع أهلهم في بغداد أو في مخيم آخر, كذلك شراء مواد لا تقدم لهم كمساعدات, أو أية حاجة تدخل الفرح والبهجة إلى قلوب أطفالهم, وعلى الرغم من ذلك فهم يمتلكون الإصرار والإرادة على التكيف مع طبيعة الحياة في هذا المكان المقفر, حيث بدؤوا يعتمدون ما أسموه سياسة الاكتفاء الذاتي بعد انقطاع المساعدات عنهم ولفترة طويلة, فعمدوا إلى زراعة الأراضي بأنواع مختلفة من الخضراوات من البندورة والكوسا والباذنجان, إضافة لتربية الدجاج والخراف,كما قام أحد الحدادين من أبناء المخيم ببناء عدد من الألعاب لأطفال المخيم (أراجيح-زحليطة), ويضم المخيم مشغلاً للخياطة خاص بالنساء, إضافة إلى قاعة للحاسوب أجريت فيها دورة في علم الحاسوب وفي اللغة الإنكليزية, ويوجد في المخيم مكتبة لا تزال في بدايتها مزودة بمجموعة من الكتب يطالع اللاجئون فيها, وهذا وجه أخر من وجوه الإصرار لدى اللاجئين في استغلال أوقاتهم فيما يساعدهم في اكتساب المزيد من العلم والمعارف لتكون سلاحاً يهزم واقعهم الصعب وسبيلاً للخروج منه.ويبلغ عدد اللاجئين داخل مخيم الهول (308) وهم وفق الجدول التالي :

الرجال53مواليد عام 200316
النساء64مواليد عام 200412
الشباب33مواليد عام 20059
الفتيات16مواليد عام 20067
مواليد عام 20009مواليد عام 20072
مواليد عام2001 11مواليد عام 92 إلى99ذكور36
مواليد عام 20025اناث35

أما بالنسبة للتعليم في المخيم, فإن أبناء اللاجئين يتلقون تعليمهم في ثلاث مدارس حكومية سورية في قرية الهول, ولمرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي فقط, ورغم الظروف التي يمر بها اللاجئون إلا أن الإصرار لدى حفيدة الشيخ أبو أحمد صيدم على مواصلة العلم وإدراكها حقيقة أن الذي ينفعهم في محنتهم هو العلم, فقد حازت هذه الفتاة على المرتبة الأولى في المرحلة الابتدائية متفوقة بذلك على واقعهم المر في مخيم الهول, وليست هي الوحيدة فهناك (13) طالباً متفوقون في دراستهم.أما طلاب المرحلة الثانوية والجامعية فلا مجال لهم لمتابعة تحصيلهم العلمي, ويوزع الطلاب في المخيم وفق الجدول التالي:                                    
 

المرحلة الإبتدائية والإعدادية85
مرحلة التعليم الجامعي5
شهادات جامعية3

الحاصلين على الشهادات الجامعية فهم مهندسين وطبيب بيطري وللحاجة الملحة فإنه يعالج البشر أيضاً.
وكنت قد التقيت بعدد من شبان المخيم, بقصد الاطلاع على أوضاعهم وأحوالهم, والتي تتمثل بكونهم عاطلين عن العمل, ولضيق الحال يجبرون على بيع المساعدات المقدمة إليهم لتأمين مستلزماتهم الشخصية من ملابس وما شابه, وأكدوا أن الحالة التي يعيشونها سببت لهم مشاكل نفسية, وطالبوا العالم بالنظر إليهم كشبان في مقتبل العمر وتتوفر لديهم الإمكانات, كيف يدفن مستقبلهم في هذه الصحراء.
وكما تحدثت إلى الشاب عمر, هذا الفتى الذي تعرض لإصابة جراء إطلاق النار عليه في العاصمة العراقية بغداد, وقد بترت قدمه من الركبة, وتلقى العلاج على أنه عراقي, وعند سؤالي له عن سبب ادعائه بأنه عراقي, أجاب: "لو قلت لهم أني  فلسطيني لقتلوني..فالفلسطيني لا علاج له في بغداد إنما له الاختطاف أو القتل", ويعيش عمر وحيداً في غرفته متعباً ومتألما من القدم الاصطناعية التي تم تركيبها له, وطالب بحل سريع لمشكلتهم وبجواز سفر فلسطيني.

أيضاً التقيت بأحد أبناء المخيم, والذي تعرض مثل عمر لإصابة في قدمه اليسرى ولا تزال الشظايا متواجدة في قدمه وبادية للعيان, حيث توجه بالنداء إلى الأمة الإسلامية والعربية وبصوت تعلوه نبرة الحزن والآسي" إلى متى تظلون تتفرجون علينا ونحن نقتل ونهجر  ونجوع" وطلب العون والفرج من رب العباد سبحانه وتعالى.وبدورهم طالب اللاجئون الفلسطينيون في مخيم الهول كل أصحاب القرار بضرورة إيجاد حل سريع لهم لحين العودة إلى أرضهم التاريخية فلسطين, وأعطوا الأولوية لإخوانهم في بغداد ثم إخوانهم في مخيم التنف الواقع بين الحدود السورية العراقية ومخيم الوليد في منطقة الأنبار العراقية.هذا هو واقع مخيم الهول..لمن يريد أن يتكرم ويعطينا شيئاً من وقته في قراءة هذه السطور..السطور التي تقطر دماً وألما على إخوة دفنوا أحياء في الصحراء..وتذكروا يا من تقرؤون هذه السطور..إن إخوانكم منكوبون وأنتم مترفون..إخوانكم جائعون وأنتم للطعام والشراب مبذرون..إخوانكم على قلب رجل واحد وأنتم عنهم ساهون.

2/6/2008