دروس وعبر من السيرة النبوية المطهرة - ياسر الماضي

بواسطة قراءة 3483
دروس وعبر من السيرة النبوية المطهرة - ياسر الماضي
دروس وعبر من السيرة النبوية المطهرة - ياسر الماضي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعيه ومن تبعه إحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :-

فإن الهجرة التي تعرض لها الكثير من أهلنا إلى بلاد الغرب وبتأكيد كنتيجة للمخالطة الضرورية مع أصحاب الديانات المختلفة ممن يجهلون الإسلام أو ممن أدخل في عقولهم أفكار وتصورات مغلوطة وشبهات عن دين الإسلام بأنه دين همجي متخلف يحب القتل...  الخ وطبعاً كل ذلك بسبب الحرب الإعلامية القذرة  التي يمارسها هؤلاء من خلال وسائل عديدة منها إلقاء بعض الشبهات وتحريف لمعاني القرآن الكريم وأحاديث النبوية الشريفة خاصة عن طريق بعض من يتكلمون بلساننا والذين شربوا من أفكار ومعتقدات الغرب ثم يدعون أنهم مثقفون ومتحضرون وأحياناً أخرى عن طريق نقل صورة من بعض المسلمين المخالفين لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم ممن يضربون رؤوسهم بالخناجر والسيوف أو ممن يقتلون الأبرياء العزل ممن لا دخل لهم في عداء الإسلام وغيرها من الوسائل التي يواجهها ديننا الحنيف وأتباعه خصوصاُ الذين يعيشون في الغرب ويدور بينهم وبين الكفار مثل هذه المسائل , فحاولت هنا أن أبين  بعض الأمور في هذه المسألة سائلاً من الله تعالى التوفيق , فمن قرأ سير العرب  وطباعهم وجد أنهم لا يخضعون بسهولة لخصمهم مهما كان هذا الخصم قوياً وعنيداً ومهما كان ثمن هذا التحدي غاليا  فلذلك عندما نقرأ قصص حرب البسوس مثلاً التي جرت بين قبائل العرب نجد هذه الطباع جلية واضحة وبالذات بين قبيلة بكر وتغلب والتي دامت أربعين سنة وسقط فيها أكثر من سبعين ألف قتيل لم يخضع أحدهما  للآخر فالعربي هذا هو طبعه يقاتل حتى الموت ولا تداس سمعته وكرامته  إذا شعر بأن الآخر ظالم يهين كرامته مع أن الحرب كما نعرف تعني الموت والدمار والنهب والسلب وهتك الحرث والنسل دون رحمة وكذلك نذكر قصص معارك الأوس والخزرج  في المدينة والتي دامت قرابة مائة عام أيضاُ لم يخضع أحدهما للآخر إلى أن ألف الله بين قلوبهم كما قال تعالى ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الأنفال : 63,وكذلك عندما أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم  للعرب لم تفتح العرب صدرها  له مع أنه منهم  وعزه عزهم ومجده مجدهم  فما كان منهم إلا أن عادوه أشد العداوة وكذبوه واتهموه بأبشع التهم  وحاصروه وعذبوا أتباعه ثم حاولوا قتله أكثر من مرة  حتى اضطروه للهجرة عليه الصلاة والسلام  وفي هذه القصة  وفي هذه المقارنة نجد درسا من أعظم دروس السيرة النبوية المطهرة وهو كيف أستطاع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفترة القصيرة من تاريخ غزواته والتي لا تتجاوز ثمان سنوات وحتى مجموع من قتل من المسلمين والمشركين  واليهود والنصارى في المعارك التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم  لا يتجاوز عددهم الألف قتيل ,فكيف بهذه الفترة القصيرة استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة معقل الشرك وغيرها من البلاد وكذلك لو نظرنا   للموقف العظيم حين وقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام من آذوه وطردوه وقتلوا أهله وأصحابه فقال عليه الصلاة والسلام ماذا تظنون أني فاعل بكم فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم فقال لهم عليه الصلاة والسلام أذهبوا فأنتم الطلقاء في قوم لا يزال الثأر يجري في عروقهم ومن ثم أخضع الجزيرة العربية بكاملها وبسط الأمن والسلام من أدناها إلى أقصاها أترى أخي القاري أن هذا  ممكن أن يكون بقوة السيف فحسب أم أن هناك قوة عظيمة ذات جاذبية للقلب سحرت القلوب بأخلاقها ومنهجها العظيم وسلوكها القويم , لا يمكن أن يقول عاقل أن العرب الذين قاتلوا قتالاً مريرا ًوعجيباً بسبب أمر تافه عشرات ومئات السنين ويضحون بعشرات الألوف  أن يهزموا ويستسلموا بهذه السهولة وبهذه الفترة القصيرة أمام من يريد تغيير  دينهم ومعتقدهم , ومن هنا  يتضح لنا جلياً أن الرسول صلى الله عليه وسلم  دخل في قلوب الناس بحجته و بمعاملته وأخلاقه العظيمة ومنهجه  قبل أن يدخل عليهم بسيفه وكما قالت زوجته أم المؤمنين خديجة  رضي الله عنها ( فو الله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق )"  وكما قال جعفر بن أبي طالب عندما سأله  ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به ؟ وما ينهاكم عنه ؟ . فقال يقرأ علينا كتاب الله ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر . ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم . ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له,  بهذه الدعوة دخل الإسلام قلوب العرب الجفاة القساة ثم أنتقل الإسلام إلى أرجاء المعمورة وإلى يومنا  هذا ونحن نسمع يوميا عن دخول  كثير من الناس من أصحاب الديانات الأخرى للإسلام  مع ما يمر به الإسلام من حملات شرسة خبيثة لتشنيع صورته وإظهاره بأنه دين همجي متخلف رجعي يدعو إلى القتل واحتقار المرأة مع مناظر الدماء التي تسيل في مواكب من يقال أنهم مسلمون وغيرها من الأكاذيب التي افتريت على هذا الدين العظيم ,وهنا قد يقول قائل  أليس الإسلام فعلا خاض معارك في بدايته وأستخدم القوة والعنف وأن ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله وممكن أن يستدل القائل بأقوال عديدة ويصدق ومنها قول الله تعالى(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )الانفال 60 - أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد في تقدمة التقوى وقوله تعالى  : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب(الحديد25 , وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر) متفق عليه وغيرها من الأدلة الكثيرة الصحيحة في الحديث النبوي الشريف , طبعاً بتأكيد هناك فرق كبير بين تشريع الجهاد وبين دخول الناس للإسلام فالجهاد يكون لحماية الدعوة وإزالة قهر الظالمين المتسلطين على أفكار الناس ومقدراتهم فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما يدخل بلدةً أول ما يبدأ به هو إزالة أثار الشرك والوثنية من تحطيمه للأصنام وبهذا التحطيم  يزال كل ما يعتقد الناس بهذا الأصنام من أنها تنفع أو تضر لكانت أغنت عنهم شيئا ,وكذلك نلاحظ أن الصحابة والسلف رضي الله عنهم  كان يقولون عندما يعودون من غزواتهم  ( عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهذا فيه معاني ودلالات أن جهاد طلب العلم والتربية والدعوة وطلب الرزق الحلال و مجاهدة أهواء النفس بالذات هو من أعظم الجهاد في هذه الدنيا , وأما الجهاد بالسيف وغيره فهو من اجل حماية الجهاد بالقران والسنة وما يحملانه من معان وأحكام  لذلك فان الجهاد في الإسلام هو للضرورة في الدفاع عن الدين والنفس والمال والعرض والعقل وكذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (( يا أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) متفق عليه) فإذا قال أحد أن هناك بلدان كثيرة فتحت بالسيف نعم هذا صحيح وليس معنى هذا الكلام أن المسلم يجلس حتى يأتيه عدوه الكافر ويحز رقبته, وليس معناه أيضاً أن كل بلدة تفتح انه  ينتشر فيها الإسلام فهناك فرق بين فتح البلاد ونشر الإسلام إن الإسلام عقيدة تحتاج لقناعة فكرية إيمانية تلامس وتغمر القلوب فتنشرح لها الصدور فلا يمكن أن يتصور لأي دين أن يدخل في فكر إنسان بالقوة والدليل على ذلك قوله تعالى (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) في هذه الآية عدة أقوال للمفسرين أخذت منها قول ابن عباس رضي الله عنهما عندما سئل عنها  أرأيت قول الله تعالى : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) –الأحزاب 4  ) ما عنى بذلك ؟ [ قال : قام نبي الله صلى الله عليه وسلم فخطر خطرة ، فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترون له قلبين : قلبا معكم ، وقلبا معهم ; فأنزل الله تعالى الآية .والعرب تطلق على القلب محل الإدراك والفقه وهو العقل كما قال تعالى (لهم قلوب لا يفقهون بها) الاعراف 179 وكقوله صلى الله عليه وسلم في أكثر دعائه( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) متفق عليه _ كذلك  أيضا هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب ) فلسنا حقيقة في بيان معنى القلب فالعلماء اختلفوا فيه فالله أعلم , لكن حتى لا أبتعد كثيرا عن الموضوع فلا يمكن أن يجمع الإنسان في قلبه فكرين ومنهجين  كما لا يمكن أن يجمع بين الإيمان والكفر وبين حب الله والدنيا وهكذا فان الإيمان بعقيدة ما لا يمكن أن تدخل في قلب إنسان حشواً بالقوة لذلك فان أقوال الغرب وبعض المستشرقين مردودة عليهم عقلاً ونقلا وليس معنى كلامنا هو الركون إلى الدنيا وجعلها هي دار القرار والمقام فهذا هو الذي حذرنا منه صلى الله عليه وسلم بقوله (إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم صححه الألباني  , قال الشيخ محمد صالح المنجد في شرح الحديث(ليس المراد بهذه الجملة والتي قبلها ذم من اشتغل بالحرث واهتم بالزرع .وإنما المراد ذم من اشتغل بالحرث ورضي بالزرع حتى صار ذلك أكبر همه ، وقدم هذا الانشغال بالدنيا على الآخرة ، وعلى مرضاة الله تعالى ، لا سيما الجهاد في سبيل الله .وهذا كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أي : تكاسلتم وملتم إلى الأرض والسكون فيها . (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ) أي : إن فعلتم ذلك ، فحالكم حال من رضي بالدنيا وقدمها على الآخرة ، وسعى لها ، ولم يبال في الآخرة . (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة/38 .

بلا إنها نبوة ورحمة ورسالة وحكمة ودعوة ومعجزة وفضل من الله ونعمة , وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

ياسر الماضي

1/6/2011

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"