القاصي والداني اصبح لديه علم بما جرى ويجري للفلسطينيين في العراق من مأساة ونكبات واضطهاد ومعاناة ، حتى أصبحوا السلسلة الاضعف في بلد عمت به الفوضى وسادت فيه وانتشرت الأحقاد الطائفية ليكون الفلسطيني مهدد بأمنه وحياته بل وتاريخه في هذا البلد .
عائلة كمعظم العوائل الفلسطينية أرادت المحافظة على أرواح أفرادها من بطش تلك الميليشيات الآثمة ، فاضطررنا لمغادرة العراق بتاريخ 15/7/2007 إلى سوريا وبتاريخ 20/7/2007 غادرنا إلى تركيا .
وأفراد العائلة تتكون من الوالد خالد محمد علي الأسعد مواليد بغداد عام 1955 الوالدة ونحن أربعة أخوات وولدين ( عمر 9 سنوات وعبدالله 5 سنوات ) ، وكنا نسكن في منطقة حي البنوك في الرصافة ببغداد وهي منطقة ذات أغلبية شيعية ومن الخطورة بمكان بقاء من اسمه عمر فيها بالإضافة لكوننا فلسطينيين .
كان خروجنا حتمي واضطراري ولا بد منه لأننا تعرضنا لتهديدات كثيرة ، وقد غادرنا العراق وفي نيتنا الوصول إلى قبرص والاستقرار كسائر الناس ، وعندما حاولنا اول مرة من تركيا الوصول تم ارجاعنا مرة أخرى من قبرص التركية .
لتبدأ هنا معاناة جديدة فالمال بدأ ينقص والوقت متسارع ، ونحن في وضع صعب للغاية فما كان منا إلا أن انشطرت العائلة إلى قسمين لقلة المال ، قسم التحق بباخرة كانت ذاهبة الى قبرص لتذهب الوالدة وابنتين وطفلين ، ويبقى الوالد والشقيقتين ( نور ودعاء ) .
وصلنا قبرص بتاريخ 15/10/2007 وكلنا أمل بأن يلتئم شمل العائلة بأقرب فرصة ، إلا أن صعوبة الظروف المناخية في تركيا حالت دون التحاقهم بنا ، لا سيما وانه كان فصل الشتاء فمرت الأيام والأسابيع والشهور وكان هنالك تكرار لمحاولة العبور إلا انها فشلت مرتين .
وفي الساعة التاسعة من مساء يوم الأربعاء الموافق 12/3/2008 بدأت الرحلة من منطقة سمندق على الساحل التركي وركبوا القارب وكانوا ثمانية أشخاص ( الوالد خالد الأسعد 53 عام وشقيقتي نور 24 عام ودعاء 17 عام ) وخمسة أشخاص وهم ( حسام محمد أمين 31 عام ومحمد سميح زيدان 26 عام وعدنان صدقي 35 عام وأوس علي 34 عام ومثنى هاشم 33 عام ) وبعد ساعة تعطل محرك القارب بسبب اهمال القبطان والذي بدوره حاول اصلاحه إلا انه لم يفلح وبدأ الموج يعيدهم الى الشواطئ التركية وبقوا هكذا حتى فجر الجمعة الموافق 14/3/2008 وهم بلا طعام إذ حاولوا الصراخ للبواخر التركية الا انها لم تنتبه .
وفي ظل تلاطم الامواج ولحظات مهولة ، الوالد مشفق خائف على شقيقاتي حتى تقيئت نور الدم ، وما زال صوت قراءة القرآن والاستغفار يخرج منهن والنطق بالشهادة ، لان الموقف عصيب جدا ، اقتربت الساعة من السابعة صباحا ، حتى بدات موجة كبيرة تقترب من القارب وقد فر القبطان ومساعده لينجوان بأنفسهم على حساب الآخرين ، وارتفع القارب وعلا تلك الموجة ليستقر على الصخور .
وعندها حاولوا النزول والخلاص من القارب وبدأت شقيقاتي بالنزول وما هي الا لحظات لتاتي موجة اخرى اقتربت من القارب لتقذف به مرة اخرى ويصطدم بالصخور ويتناثر من فيه حتى ابتعلهم البحر، دعاء ابتعدت كثيرا عن الشاطئ ولا تعرف السباحة ونور امسكت برقبة والدي حتى غرقا سويا ، وحسام كذلك حاول وصارع الأمواج إلا أن جمجمته تهشمت من الصخور ، ونجى الأربعة الآخرون باعجوبة .
وتم انتشال الجثث بعدها لتبقى جثة نور ثمانية عشر يوما انتشلت بمساعدة الصيادين وتم دفنهم جميعا في تركيا ، نسأل الله أن يرحمهم برحمته الواسعة وأن يجعلهم مع الشهداء وأن يغفر لهم وأن يصبرنا على هذا المصاب الأليم وهذه الفاجهة الكبيرة .
كم كنا مشتاقون لرؤية الوالد وشقيقاتي وهم كذلك ، إلا أن القدر وأمر الله عز وجل الذي نرضى به حال دون ذلك ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
ابنة الفقيد خالد الأسعد رحمه الله تعالى
ام علي الأسعد
14\3\2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"