منذ اللحظة الاولى للجوء .. ومن اول خيمة ... الى اخر مذبحة .. ومن اول حجر الى الى اخر زيتونة ... عرفتك فلسطيني... منذ ان اصبحت تسليتك الالم ... وعلامات الترفيه الفارقة فيك :
دموع متلئلئة ... وتشتعل , عرفتك فلسطيني.
منفاك بلا اجل ... ومدى اجلك ... منفى...يخافونك وانت ميتا ... وحيا يخافونك ....رجلا مسنا .. شابا .. امراة .. بنتا.. ولدا... طفلا رضيعا ... يخافونك... عرفتك فلسطيني .. ويخافونك حد الرعب ... شهيدا.
قبل ان تقل لي مرة.. انها كانت حبيبتك .. وانك كنت عاشقا لها بكل جمالها .. وسوداويتها.. بحريقها وثلوجها ..
عرفتك فلسطيني ... توغلت في كل معانيها ... وبروحك القصوى .. قدمت نفسك منذورا لكل محاسنها : الثورة..
وعشت مع كل مسمياتها الكبيرة والصغيرة ... وبكل وجدانك الوطني رحَلت انتمائك الاسمى اليها ... لكنك الان تلعق الجراح ... جرَائها ... وتكاد تكرهها : حركات ... تنظيمات .. فصائل ... منظمات ... سلامات .. وكل ما هو آت .. آت .
من اول حكاية الشرطي العربي ... اراد الهوية ... فكانت الجريمة : نسيتها في القميص الثاني... فاستفاق الشرطي وعربد فصاح مذهولا فزعا مستغربا مستهجنا زاعقا بأعلى صوته :
فلسطيني .. وعندك قميصين؟؟؟!!!عرفتك فلسطيني.
منذ ان كان موتك بلا جنازات .. ولا عزاءات .. وحدادك الوطني مقيم فيك وشاهد قبرك رقيم كنعاني يشبه وجهك.. عرفتك فلسطيني .
وانت تعلق مفتاحا قديما صدءا تحت صورة جدك الميت... ومنذ قامتك جدار يمسك عقال ابيك... وخارطته تشبهالسكين ... عرفتك فلسطيني .
لك حضور في كل المطارات .. ولك رائحة يميزها ( الاشقاء ) عند الحدود ... يتوجسون منك خيفة ..ويمنعوك من الحياة.. عرفتك فلسطيني.
منذ ان صادفتك تهذي بأسمها : فلسطين ... وتتمتم بلعنات تصبها على الحكومات
العربية.. والاحزاب السياسية ... والتنظيمات الشخصية ... والشخصيات التنظيمية ... عرفتك فلسطيني.
ومنذ ان ادمنت الاخبار .. فتسافر الى لندن ... صباحا .. ومع الغداء فلسطين ... وتسهر مع الجزيرة.. وتصرخ قبل بداية الكوابيس .. محاولات النوم : لا جديد في الاخبار لعنة الله على الأشرار وعلى الاخبار.
عرفتك فلسطيني منذ رأيت الحقائب واكوام الاكياس الكبيرة والصغيرة تغرق في فوضى اللجوء.. لانك تعلم انهم قد يفعلوها في اية لحظة : التسفير القسري ... من لجوء الى لجوء.
عرفتك فلسطيني ..قبل ان تخرج ..تضع القلب امانة في عنق الزوجة ...خشية الاعتقال اللحظي .. وتفرغ المحفظة الا من بقايا هوية ...
عرفتك فلسطيني .. اخوك شهيد ... والاخر مطارد ... وابن عمك اسير .. وابن اخوك مفقود .. جدك مات في فلسطين وابوك مات في بغداد ... وعمك في الاردن .. وخالك في سوريا ... وستموت انت في ....
عرفتك فلسطيني ..دمك موزع بين القارات ... ابنك في السويد .. والاخر في قبرص .. ابنتك في امريكا .. والاخرى في النروج .. ولحمك الباقي موزع بين (الاشقاء) ... وعبر المحيطات ... وقلوبهم معلقة هناك ... عند سفح الكرمل.
عرفتك فلسطيني منذ صاروا يحبونك محمولا على الاكتاف ..الى قبر بلا شاهد ...ويتمنون لك نهاية مجيدة قريبة جدا ...يتيما بلا سند.
عرفتك فلسطيني وتعرف .. يريدونها بلا نهايات ... ولا خواتم ..بلا وصول .. الى اي شئ. لا وصول للحياة .. ولا وصول حتى للموت ..هناك ... في فلسطين .يضعوك في جوف البركان .. كي لا تصل الى نفسك .. لا نهاية لمنفى ... ولا وصول لمنفي .
عرفتك فلسطيني .. عندما اهملوك ...الى كومة غضب متيبس حولوك.. وبكتلة عصب يحترق سوروك .. وسألوك السكوت ..او النسيان... هم ( القادة ) ... اختصروك .. لافتة مهملة .. وشعارات استهلاك بطعم الاسى ودعوة لانتصار الذات على الذات ...عرفتك فلسطيني عندما قسموك .. وبين القسمة والقسمة... علقوك..وصنفوك ...والى الاحتلال .. ضحية قدموك...
عرفتك فلسطيني واعلنتها ...منذ اول حنظلة ... الى اخر درويش..من اول كوفية ... الى اخر حجر ... من اول زيتونة ... الى اخر عشبة (مريمية) ... من اول (ختيار ) عنيد ... الى اخر
(ياسين ) شهيد .
عرفتك فلسطيني .... وعندك كرامة ... وقميصين.
احمد ابو الهيجاء
4/4/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"