طارق حمّود
28/06/2008
لا تزال صورة المشهد الفلسطيني في العراق مغيبة إلي حد كبير رغم كل القتل والخطف والتعذيب والحصار المفروض عليهم منذ سقوط النظام عام 2003، وربما يعزي ذلك إلي ضعف الإعلام العربي عموما، وضياع صورة المشهد وسط حالة الفوضي العارمة التي تعم أرجاء العراق، ثم ان قلة الوثائق التاريخية التي تؤرخ للوجود الفلسطيني في العراق قد ساهمت نوعا ما في تغييب صورتهم عن واجهة الإعلام.ونحاول في هذه الدراسة أن نورد تسلسلا تاريخيا لوجود الفلسطينيين في العراق ووضعهم القانوني، خصوصا في ظل الحملات المسعورة التي يتعرضون لها بحجة أنهم حلفاء النظام السابق وأن صدام كان يغدق عليهم من نعمه، الأمر الذي تثبت الوقائع والقوانين المتخذة في عهد الأنظمة السابقة عكسه.من أين هم؟ وكيف جاءوا إلي العراق؟ينحدر الفلسطينيون المتواجدون في العراق من قري مثلث الكرمل (إجزم، عين غزال، جبع، قضاء حيفا والقري المحيطة بها، الصرفند، المزار، عارة، عرارة، الطنطورة، الطيرة، كفر لام، عتليت، أم الزينات، أم الفحم وعين الحوض)، حيث استعصت قري مثلث الكرمل علي العصابات الصهيونية لمدة ثلاثة أشهر بعد سقوط مدينة حيفا، وفي الوقت الذي كانت فيه منطقة مثلث (جنين، طولكرم، نابلس) مسرح عمليات الجيش العراقي، أي علي تخوم قضاء حيفا، وبفعل الصمود والمقاومة اللذين شهدتهما منطقة مثلث الكرمل (إجزم، جبع، عين غزال) ضد العصابات الصهيونية واستعصائها عليها، كان من الطبيعي أن يتم التواصل والتنسيق بين سكان هذه القري والجيش العراقي المتاخم لهم في جنين، حتي ان الجيش العراقي كان يدرب المقاومين علي استخدام أجهزة اللاسلكي التي غنموها أو أخذوها من الجيش الصهيوني.ومن دون الدخول في تفاصيل سقوط مثلث الكرمل، فقد نزح سكانه وبعض سكان القري المحيطة في سيل من البشر باتجاه مدينة جنين حيث الجيش العراقي، وبعد أن استولي الجيش العراقي علي مدينة جنين، قام عبد الإله الوصي علي عرش العراق والملكة عالية ملكة العراق آنذاك بزيارة لمدينة جنين لتفقد وحدات الجيش العراقي هناك، ورأوا بأعينهم ما آل إليه وضع الفلسطينيين المهجرين من قري مثلث الكرمل، وأثناءها قام قائد القوات العراقية بوصف مشهد شجاعة أبناء هذه القري وصمودهم وتعاونهم مع الجيش العراقي. أمام هذا المشهد المؤلم أمرت الملكة عالية والأمير عبد الإله بنقل هؤلاء اللاجئين ليحلوا ضيوفا علي الحكومة العراقية والشعب العراقي، وبالفعل نقلت عائلات اللاجئين باستثناء الشباب القادر علي حمل السلاح في شهر آب (اغسطس) من عام 1948 بواسطة آليات الجيش العراقي عبر الأردن، فيما شكل الجيش العراقي من الشباب الباقين (فوج الكرمل) ليقاتل تحت امرة الجيش العراقي، ثم التحق أفراد هذا الفوج بعائلاتهم بعد انقضاء الحرب بعد أن استصدروا جوازات سفر أردنية ليتمكنوا من دخول العراق.
الوضع القانوني:
بعد وصول اللاجئين الفلسطينيين إلي العراق عام 1948 أصبح هؤلاء تحت ولاية وزارة الدفاع العراقية حيث تم توزيع سكنهم في المقرات الحكومية التي لا تستخدم عادة في فترة العطلة الصيفية مثل دار المعلمين وكليات الجامعة، ومع انتهاء العطلة الصيفية تم توزيعهم علي مناطق مختلفة من العراق بين البصرة وبغداد والموصل في معسكرات وأندية تتبع للحكومة، وكانت لهم مخصصات من الطعام والغذاء بشكل يومي كباقي قطع الجيش العراقي، إذ كانوا يعتبرون جزءا من قطع الجيش في هذه الناحية، وبقي الحال هكذا حتي عام 1950 حيث انتقلت ولايتهم إلي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ضمن مديرية خاصة سميت مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حيث أعيد توزيع سكن الفلسطينيين وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ التي تفتقر لأدني متطلبات الرعاية الصحية، ومع تشكيل وكالة الإغاثة الدولية (الأنروا) كان الفلسطينيون في العراق مشمولين برعايتها، إلا أن الأنروا لم تمارس مهامها في العراق إلا لأشهر قليلة خرج بعد ذلك العراق من مناطق عمليات الأنروا بطلب من الحكومة العراقية، وبموجب اتفاقية بين الحكومة العراقية والأنروا بأن تقوم الحكومة العراقية برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق مقابل إعفاء العراق من أي التزام مالي للأمم المتحدة بهذا الخصوص، وفعلا خرج الفلسطينيون في العراق من ولاية الأنروا، وفي هذه الأثناء خصصت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العراقية مبلغ 160 ألف دينار كميزانية لمديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وكانت مخصصات الأفراد: 100 فلس للكبير، و50 فلسا للصغير يوميا، إلا أن هذه المخصصات بدل أن تزيد مع الزمن كانت تنقص بسبب ثبات الميزانية وازدياد عدد الفلسطينيين، فلم تزدد الميزانية المخصصة للمديرية بين أعوام 1955 و 1973 سوي بـ 50 ألف دينار فقط في الوقت الذي زادت فيه أعداد الفلسطينيين في هذه الفترة أربعة أضعاف تقريبا من (3500 إلي 14000)، ومع ذلك لم يكن جميع الفلسطينيين في العراق مشمولين برعاية مديرية شؤون اللاجئين فقد كان لهذه المديرية شروطها في تسجيل الفلسطينيين مثل: أن يكون من بلدة محتلة عام 1948، وأن يكون دخل العراق وأقام فيه قبل 25 1958\9\، ولغرض لمّ الشمل، أجازت الوزارة ضم الزوجة إلي زوجها المسجل قبل عام 1961 ولا يجوز العكس أي ضم الزوج إلي زوجته.وبالعودة لموضوع المساعدات فقد كانت هذه المساعدات أداة ابتزاز بيد المديرية تقطعها متي شاءت بصلاحية قرار من مديرها فقط. ثم تقلص دور هذه المديرية وبدأت تقطع المعونات عن كل من يعمل أو يحصل علي أي مصدر رزق إلي أن انتهي دورها من ناحية المساعدات لتقتصر علي دور السجلات والتعاملات الورقية الخاصة بالفلسطينيين.
هذا من ناحية ولاية ورعاية الفلسطينيين في العراق. أما من ناحية القوانين الصادرة بحقهم فقد بقي وضعهم القانون ضبابيا قابلا للتأويل بألف تفسير حتي صدور القرار الشهير 202 عام 2001، ففي عام 1961 صدر قرار مرقم بـ26 ينظم عملية منح الفلسطينيين في العراق وثائق سفر خاصة ويحدد مدة صلاحيتها، وفي عام 1964 صدر قرار بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في الوظائف الحكومية من حيث الرواتب والعلاوات، لكن الفلسطيني استثني بموجب هذا القرار من حصوله علي امتياز الخدمة التقاعدية بحجة أن ذلك قد يدفعه للتمسك بالبقاء في العراق والتفريط بحق العودة، ومنح الفلسطيني المنتهية خدمته راتب شهر واحد عن كل سنة من خدمته، وفي العام 1965 صدر قرار بشطب كلمة (اللاجئين) من وثائق السفر.قنبلة أحمد الحبوبيبعد حرب حزيران (يونيو) عام 1967 قام أحمد الحبوبي وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بزيارة للملاجئ التي يسكنها الفلسطينيون وهاله ما رأي من البؤس الذي يعيشه الفلسطينيون، ونورد نص الرسالة التي رفعها لمجلس الوزراء العراقي آنذاك:قمت بزيارة للملاجئ التي يسكنها إخواننا الفلسطينيون فهالني ما رأيت ولا أبالغ لو شبهتها بقبور يسكنها أحياء.
فهي لا تختلف عنها من قريب أو بعيد، فليس للشمس مكان فيها أو منفذ إليها، كما أن الهواء النقي مطرود منها، بناؤها قديم متآكل يهدد أرواح ساكنيها فيعيشون في قلق دائم وخوف مقيم، إن الغرفة الواحدة التي مساحتها 3مx3.25م تسكنها عائلة يتراوح أفرادها بين 7ـ12 نسمة، وهي محل للطبخ ولغسيل الملابس والصحون والاستحمام والنوم والأكل وهي بنفس الوقت ساحة للعب الأطفال، وليس هناك حاجز أو فاصل بين عائلة وأخري وفي هذا ما فيه من خطورة ومحاذير ومشاكل تنجم من اختلاط الفتيات بالفتيان فضلا عما يتهدد الصحة من احتمال انتشار الأمراض والأوبئة خاصة وأن النظافة في هكذا أماكن تكاد تكون معدومة، إن المشكلة أكبر من أن توصف وكما يقول المثل (ليس السامع كمن رأي).
إن الإنسان في هذه الأماكن يفقد آدميته وتستحيل حياته إلي ما يشبه حياة الحيوان، أقول ذلك وكلي ألم وأنا موقن أن مجلسكم الموقر سيولي هذه المشكلة العناية اللازمة لإنقاذ هؤلاء المساكين من الحالة المزرية التي يعيشونها وقد دب اليأس في نفوسهم وباتوا في ريب حتي من الأمل في إنقاذهم مما هم فيه فاستسلموا لليأس.
ولا أكتمكم مدي المرارة التي رافقتني وأنا أرقب نظرات الأطفال والنساء والشيوخ وقد شحبت وجوههم وغاضت نضارتها وهي ترمقني بعتب محض ولسان حالهم يقول: أهكذا يعيش العائدون؟ .
كانت هذه الرسالة قنبلة فعلا كما سماها الحقوقي العربي هيثم مناع في تقريره حول الفلسطينيين في العراق، علي إثرها اتخذت الحكومة العراقية قرار 1 لسنة 1968 الذي تضمن توصيات بتخصيص أراض للفلسطينيين مع سلف لمواد بناء، وجري إصدار تعليمات خاصة بالفلسطينيين تتضمن إعانات نقدية منتظمة.لكن لم يقدر لهذا القرار أن يخرج عن إطار التوصية، فقد جاء انقلاب حزب البعث في تموز ( يوليو) 1968، إلا أن مجلس قيادة الثورة قد أصدر القرار رقم 366 المتخذ بجلسته المنعقد ة بتاريخ 1969\8\17 والذي عالج في نصه قضايا أهمها:ـ
إنشاء مجمعات سكنية شعبية علي غرار مدينة السلام تتوفر فيها كافة الشروط الصحية (كمجموعات سكنية متكاملة الخدمات) وتبقي هذه الدور ملكا للدولة يتمتع الفلسطيني بمنفعتها ما دام موجودا في العراق ولا يحق له شراء الأراضي والبناء وطلب السلف التعاونية والعقارية.-مساواة الفلسطينيين بالعراقيين عند التعيين والترفيع والتقاعد علي أن يبقي مشروطا بالإنهاء في حال عودتهم إلي ديارهم.
ولم يسمح لهم مع ذلك بالترشح لمجلس الإدارة حتي عام 1971 حيث سمح للفلسطينيين بالتدرج الوظيفي حتي منصب مدير عام.
في عام 1980 صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 215 والذي يحق بموجبه تملك الفلسطيني المقيم إقامة دائمة دارا للسكن بعد التدقيق وأخذ موافقة وزارة الداخلية والموافقات الأمنية اللازمة، علي أن تسجل الدار التي اشتراها الفلسطيني المقيم باسم وزارة المالية.
وفي عام 1983 صدر قرار يوجب علي الفلسطيني استصدار موافقة المؤسسة العامة للعمل والتدريب المهني عند عمله أو انتقاله لعمل آخر حتي ضمن القطاع الخاص، وهددت التعليمات كل من يخالفها بحمله علي مغادرة البلاد ومنع دخوله مستقبلا.
في عام 1987 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة السابق رقم 936 والذي يحق بموجبه للفلسطيني المقيم إقامة دائمة تملك قطعة أرض سكنية أو دار سكنية أو قطعة أرض زراعية.لكن في عام 1989 صدر قرار يوقف العمل بالقرار 215 الصادر عام 1980 والقرار 936 لعام 1987 لمدة خمس سنوات، وفي نهاية المدة صدر قرار في 1994\3\7 عن مجلس قيادة الثورة رقم 23 ينص علي: يوقف العمل بالقوانين والقرارات التي تجيز تملك غير العراقي العقار أو استثمار أمواله في الشركات داخل العراق، وكل ما من شأنه التملك أو الاستثمار في أي وجه كان ، وبهذا عومل الفلسطيني الذي يقبع في العراق منذ أكثر من أربعة عقود والمؤيد بقرارات سابقة معاملة الأجنبي الذي جاء العراق منذ أيام، وبهذا القرار أصبح الفلسطينيون في العراق عرضة لأي إجراء تعسفي، وأصبح وضعهم القانوني في العراق عرضة لتأويلات أصغر موظف حكومي، وأصبح لا يحق للفلسطيني تملك ولو خط هاتف، بقي الحال هكذا حتي صدر القرار 202 عن مجلس قيادة الثورة في جلسته المنعقدة بتاريخ 2001\9\12 والذي نص: يعامل الفلسطيني المقيم إقامة دائمة في العراق معاملة العراقي في جميع الحقوق والواجبات باستثناء الحق في الحصول علي الجنسية العراقية . كان هذا القرار الذي جاء بعد سبع سنوات علي القرار 23 لعام 1994 بصورة غير قابلة للتأويل لوضوح القرار بشكل كبير، إلا أن الفلسطينيين في العراق لم يقدر لهم أن يتمتعوا بأول امتياز قانوني واضح لهم منذ عام 1948، فبعد عامين فقط سقطت بغداد وسقط معها هذا القرار لتحل مكانه أجواء الطائفية والعنصرية، وبعد كل هذه القوانين التي كانت ألعوبة النظام ظلّ الفلسطينيون في العراق بعد سقوط النظام متهمين بأكبر فرية بتاريخ شتاتهم بأنهم حلفاء النظام السابق الذي ظلمهم وظلم أبناء العراق معهم.بعد السقوطكل ما قلناه سابقا من حيف وظلم للفلسطينيين في العراق في ظل القوانين الضبابية والتي غدت شطرنج مجلس الثورة يحرك بها أينما يريد ووفق ما يريد بما يتطابق مع سياسته الإعلامية، لم يغفر للفلسطينيين عند بعض المتعصبين الذين اتهموهم أنهم عملاء النظام السابق، وأصبح وضع الفلسطينيين في العراق علي أسوأ حال يعيشه فلسطينيٌ لاجئ في العالم أجمع، وننـــــوه أنه مع بداية هذه المرحلة قام الأستاذ هيثم مناع مشكورا بإعداد تقرير حول أوضـــ اع الفلسطينيين في العراق وقد لخص بموضوعية الشقاء الذي يعيشه الفلسطينيون في العراق قبل سقوط النظام ومع بدايته، واليوم ندعوه ليري الأوضاع التي آلت إليها أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق من خطف وقتل وتعذيب وتمثيل بالجثث، وحرمان من التجول والرعب الذي يعيشه هؤلاء، فلم يعد يهمهم أوضاع السكن الذي يعيشون فيه وحجم المعونات المقدمة لهم، كل ما يحتاجونه هو النجاة بأطفالهم من ميليشيا الحقد والإجرام التي تستهدفهم، وبهذا الإطار لا يمكن أن نعتبر أن وضع الفلسطينيين في العراق هو جزءٌ من حالة الفوضي العارمة التي تعم العراق، لأن الفلسطينيين في العراق يُستهدفون بأعيانهم والتهديدات التي تصلهم تسمي أشخاصهم وتركز علي كفاءاتهم، وكل ذلك تحت أكبر كذبة يُتهم بها هؤلاء الذين تقل نسبتهم في مجموع الشعب العراقي عن 1% تحت ذريعة أنهم حلفاء النظام السابق.مع بداية سقوط بغداد لم يطرأ تغير ملموس علي وضع الفلسطينيين في العراق في زمن مجلس الحكم وكذلك الأمر في فترة إياد علاوي الذي أرسل برسالة للسفارة الفلسطينية في بغداد يعلمهم فيها أن الفلسطيني في العراق سيعامل بموجب القرار رقم 202 لعام 2001، إلا أن الأمور تدهورت بشكل مخيف في فترة حكومة الجعفري، حيث بدأت حملة تحريض منظمة ضد الوجود الفلسطيني في العراق عموما وبغداد خصوصا شاركت فيها أطراف ووسائل إعلام حكومية، وبدأ منها مسلسل الخطف والتعذيب والتمثيل بالجثث، ليصل عدد الشهداء من ضحايا التحريض إلي أكثر من 80 شهيدا ومئات الجرحي وأكثر من 60 معتقلا حتي الآن دون تهمة، ناهيك عن الذين اعتقلوا وخرجوا وكان آخرهم الفلسطينيون الأربعة الذين ظهرت صورهم علي قناة العراقية قبل حوالي أكثر من سنتين وعليهم آثار التعذيب ليعترفوا بمسؤوليتهم عن تفجير بغداد الجديدة تحت وطأة التعذيب، لكنهم خرجوا بعد ثلاث سنوات من التحقيق والتعذيب الذي كانت نتيجته أنهم أبرياء، ومن دون الدخول في تفاصيل عمليات القتل المنظم ضد الفلسطينيين في العراق والتي كان آخرها قتل 9 فلسطينيين وجرح العشرات بهجوم يوم الاثنين 2006\6\26علي سوق الخضار في منطقة البلديات من قبل ميليشيات دعمتها مجموعة ترتدي زي مغاوير الداخلية وتركب سياراتها، أطلقت النار علي الأطفال والشيوخ والنساء وقتلت كل من صادفته من الفلسطينيين من غير وجه حق ودون رقيب أو حسيب علي هؤلاء المجرمين، ولكن يمكن تلخيص مشهد مأساة الفلسطينيين في العراق عندما نري أنه لا تزال صورة المشهد الفلسطيني في العراق مغيبة إلي حد كبير رغم كل القتل والخطف والتعذيب والحصار المفروض عليهم منذ سقوط النظام عام 2003، وربما يعزي ذلك إلي ضعف الإعلام العربي عموما، وضياع صورة المشهد وسط حالة الفوضي العارمة التي تعم أرجاء العراق، ثم ان قلة الوثائق التاريخية التي تؤرخ للوجود الفلسطيني في العراق قد ساهمت نوعا ما في تغييب صورتهم عن واجهة الإعلام.
تحت ولاية من؟أول دخول لمنظمة الأمم المتحدة من خلال المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2003 حين أجرت المنظمة إحصاء للفلسطينيين في العراق وكانت النتيجة (23520) لاجئا فلسطينيا في العراق، ثم قامت المفوضية بإيصال المعونات الغذائية للفلسطينيين المقيمين في الخيام في نادي حيفا، بعد أن أخرج هؤلاء من بيوتهم التي سكنوها لسنوات بعد سقوط النظام عندما هجم بعض الأهالي بحجة أن هذه البيوت لهم وأن النظام السابق قد تأجرها منهم بثمن زهيد للفلسطينيين، وأُخرج هؤلاء من تلك البيوت ليعودوا للخيام في نادي حيفا، بعد ذلك قامت المفوضية باستئجار بيوت لهم، ولا تزال المفوضية تتابع أوضاع الفلسطينيين في مخيمات الرويشد والهول والتنف، في الوقت الذي تنصلت وكالة الأنروا من مسؤولياتها تجاه هؤلاء رغم كل ما يتعرض له الفلسطينيون سواء في مخيمات التهجير الثانية أو في داخل العراق.
أمام هذا المشهد المغيب أو الذي أريد له أن يغيّب، أصبحت وكالة الأنروا في حلّ من اتفاقها مع الحكومة العراقية التي أخرجت الفلسطينيين في العراق من ولاية الأنروا عام 1958، إلي أين يسير هؤلاء الفلسطينيون في الوقت الذي لا يخضعون لولاية منظمة دولية ولا لحكومة عربية أو غير عربية ووطنهم فلسطين تنهش فيه الذئاب منذ عام 1948؟بضعة آلاف من مجمع البلديات والزعفرانية من الفلسطينيين قد شكلوا من هول القتل مخيمات في الرويشد في الأردن، وطريبيل بين الحدود العراقية الأردنية، والهول شمال شرق سورية، والتنف بين الحدود السورية العراقية، والله أعلم أين سيكون المخيم القادم.
وبعبارة أبسط هذا هو مشهد لتشرد المشردين أصلاُ، نكبة أخري تعيد نفسها في القرن الحادي والعشرين.