بعد مرور826 عام على وفاته .. محطات في حياة محرر بيت المقدس القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى

بواسطة قراءة 1143
بعد مرور826 عام على وفاته .. محطات في حياة محرر بيت المقدس القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى
بعد مرور826 عام على وفاته .. محطات في حياة محرر بيت المقدس القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى

ولد صلاح الدين الأيوبي، في مدينة تكريت في العراق عام 1138، في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان واليًا عليها، ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا، واختلف المؤرخون في نسب العائلة الأيوبية، حيث أورد ابن الأثير في تاريخه أن أيوب بن شاذي بن مروان يرجع إلى الأكراد الروادية وهم فخذ من الهذبانية، ويذكر أحمد بن خلكان ما نصه: "قال لي رجل فقيه عارف بما يقول، وهو من أهل دوين، إن على باب دوين قرية يُقال لها "أجدانقان" وجميع أهلها أكراد روادية.

اتجهت أسرته بعد والدته بفترة قصيرة، للإقامة عند عماد الدين زنكي بالموصل، ليبدأ والد صلاح الدين بملازمة نور الدين محمود بن زنكي، ليفتح مجالًا لولده ليتعلم من نور الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.

وفي السنوات الأخيرة لـ"الدولة الفاطمية" قبل انهيارها في مصر وإعلان الدولة الأيوبية، شهدت الدولة صراعًا داميًا بين شاروم وضرغام، على منصب الوزارة وقتها، ولم ينجح واحد منهما في حسم الصراع لمصلحته، والذي انتهى بالقضاء على الوزيرين المتنافسين عام 1168.

بعد ذلك تولى، أسد الدين شيركوه، قائد حملة نور الدين منصب الوزارة للخليفة العاضد "الفاطمي"، ثم لم يلبث أن تُوفي شيركوه فخلفه في الوزارة ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، الذي كان في الـ32 من عمره.

المفارقة في تولي صلاح الدين الوزارة لدولة شيعية، أنه يتبع المذهب السني، وفي الوقت ذاته يدين بالولاء لنور الدين نزكي سلطان حلب وقتها التابع للخليفة العباسي.

شهدت الفترة الأولى لتولي صلاح الدين، للوزارة سعيه لرد مصر إلى أحضان الدولة العباسية، والقضاء على "الخلافة الفاطمية" في مصر.

استغرقت تلك المهمة ثلاث سنوات متواصلة من صلاح الدين، ليقوي المذهب السني في مصر، عمل خلالها على عزل القضاة الشيعيين، وأحل محلهم قضاة من أهل السنة، وأنشأ عددًا من المدارس لتدريس الفقه السني في مصر.

وأول عمل يلقي من أعماله، هو دعمه للمذهب السني؛ بإنشائه مدرستين لتدريس فقه أهل السنة، هما المدرسة الناصرية لتدريس الفقه الشافعي، والمدرسة القمحية لتدريس الفقه المالكي، وفي الوقت نفسه قصر تولي مناصب القضاء على أصحاب المذهب الشافعي، فكان ذلك سبباً في انتشار المذهب في مصر وما يتبعها من أقاليم.

وفي الجمعة الأولى من شهر محرم عام 567 هجريًا، أقدم صلاح الدين على التغيير في مصر، حيث قطع خطبة الجمعة لـ"الخليفة الفاطمي" الذي كان مريضًا وملازمًا للفراش، وجعلها للخليفة العباسي، فكان ذلك إعلانًا رسميًا بانتهاء عهد "الدولة الفاطمية" في مصر، وبداية عصر جديد، لم يعرف المصريون وقتها أي عصر بدء لكن قطع الخطبة لممثل "الخليفة الفاطمي" إعلان صريح بانتهاء ولاية "الفاطميين" على مصر.

بعد ذلك عمل صلاح الدين، في السنوات الأولى لسقوط "الدولة الفاطمية" في مصر، على تثبيت أركان دولته الجديدة وبسط نفوذها، خاصة بعد وفاة نور الدين محمود عام 1147، حيث أتيحت الفرصة لصلاح الدين، لتولي حكم مصر، لم يقف حلم صلاح الدين في تثبيت أركان دولته الجديدة على مصر فقط، بل حاول ضم منطقة الشام لدولته الجديدة، لتأسيس دولة إسلامية قوية وتوحيد الجهود لمحاربة الصليبيين وطردهم من بيت المقدس.

استغرقت تلك الفترة ما يقرب من 10 سنوات، حتى نجح صلاح الدين عام 1186، ليكون جيش قوي ويواجه الصليبيين، ويبدأ حربه لاستعادة المسجد الأقصى وتحرير الأراضي المغتصبة من أيديهم، ثم أعلن استقلاله عن بيت نور الدين محمود وتبعيته للخلافة العباسية، وأصبح حاكماً على مصر.

خاض صلاح الدين الأيوبي، سلسلة من المعارك ضد الصليبيين، كللت بالنصر، ثم توج انتصاراته عليهم في معركة "حطين" سنة (583هـ الموافق 1187م)، وكانت معركة هائلة أُسر فيها ملك بيت المقدس وأرناط حاكم حصن الكرك، وغيرهما من كبار قادة الصليبيين.

ترتب على ذلك سقوط العديد من القلاع الصليبية في يد صلاح الدين دون معارك فاستسلمت قلعة طبرية، وسقطت عكا، وقيسارية، ونابلس، وأرسوف، ويافا وبيروت، وغيرها، وأصبح الطريق ممهدًا لفتح بيت المقدس، فحاصر المدينة المقدسة، حتى استسلمت وطلبت الصلح، ودخل صلاح الدين بيت المقدس، في (27 من رجب 583هـ الموافق 2 من أكتوبر 1187م)، وكان يومًا مشهودًا في التاريخ الإسلامي.

اشتهر صلاح الدين بسماحته وجنوحه إلى السلم؛ حتى صار مضرب الأمثال في ذلك، فقد عامل الصليبيين بعد استسلام المدينة المقدسة معاملة طيبة، وأبدى تسامحاً ظاهراً في تحصيل الفداء من أهلها، وكان دخول المسلمين بيت المقدس دون إراقة دماء وارتكاب آثام صفحة مشرقة ناصعة، تُناقض تماماً ما ارتكبه الفرنج الصليبيون عند استيلائهم على المدينة سنة (492هـ الموافق 1099م) من الفتك بأهلها المسلمين العُزَّل وقتل الألوف منهم.

سجل المؤرخون الأوروبيون والعرب، الكثير من المواقف التي تحاكي إنسانية وبسالة القائد صلاح الدين الأيوبي، لعل أبرزها معاملته الإنسانية لأعدائه عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب، وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه، على رأسهم ملك إنجلترا وقائد إحدى الحمالات الصليبية، الملك ريتشارد الأول، والمعروف بريتشارد قلب الأسد.

وفي أثناء مفاوضات صلح الرملة التي جرت بين المسلمين والصليبيين مرض السلطان صلاح الدين، ولزم فراشه، ثم لقي ربَّه في (27 من صفر 589هـ الموافق 4 من مارس 1193م)، وكان يوم وفاته يوما لم يُصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدين.

وحتى الآن اختلف العلماء على طريقة وفاة صلاح الدين، سواء كان السبب في المرض هو حمى غامضة أو الإصابة بعجز مفاجئ، فإن التشخيص الحاسم للأسباب التي تُعزى إليها إصابة الأشخاص بالأمراض قد تترك الأطباء في حيرة من أمرهم.

 

المصدر : الرسالة

27/6/1440

4/3/2019