ليس دفاعا عن تركيا بل كلمة حق وانصاف – عبد العزيز المحمود

بواسطة قراءة 2168
ليس دفاعا عن تركيا بل كلمة حق وانصاف – عبد العزيز المحمود
ليس دفاعا عن تركيا بل كلمة حق وانصاف – عبد العزيز المحمود

لقد هالني ما قرات من مقال للاخ عبد الحكيم الماضي بعنوان ( لتتحمل تركيا مسؤوليتها التاريخية تجاه فلسطين ) في موقع فلسطينيو العراق وما فيه من مغالطات وتجني واشياء غير حقيقية فكان من واجبي وواجب النصح للاخ الكاتب والقراء لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة ان انبه وابين ملابسات ذلك، فكنت بداية الامر يراودني كتابة تعليق لكن عندما رايت الموضوع يحتاج لتفاصيل اكثر كان هذا المقال الذي هو عبارة عن نقد بناء وابداء للراي ونصح في نفس الوقت للاخ الفاضل عبد الحكيم لعله سبق قلمه او غيرها من الاشياء التي تعرض لاي كاتب واي انسان وطبعا هذا من وجهة نظري عسى ان اوفق فيها.

بداية احب ان انبه على لفظ طالما اشتهر في الاعلام وهو ان بيت المقدس ثالث الحرمين فهذا خطأ وغير صحيح فبيت المقدس ارض مباركة ومقدسة لكن ليست حرما كما مكة والمدينة فاحببت التنبيه على هذا الخطأ هذا اولا.

ثانيا ارى ان الكاتب غير موفق اطلاقا بهذا المقال وفيه مغالطات عديدة واخطاء تاريخية لابد من تصحيحها على النحو التالي:

قوله : ان تركيا هي السبب الرئيسي في كل ما حصل لفلسطين من احتلال ولاهلها من تهجير ومعاناة هذا غير صحيح ومغالطة كبيرة وعدم معرفة ودراية بالحقائق والتاريخ فنقول بعد الاستعانة بالله .

اولا يجب على من يكتب بمثل هذه القضايا الحساسة ان تكون له دراية واطلاع شامل وكامل وكافي بتلك الجزئية والقضية من جميع جوانبها وان لا ينساق للتاريخ المغرض الذي كتبته ايادي علمانية وكنا ندرسه في كتب التاريخ في المدارس العربية ولحد الآن حتى كنا نسمي الخلافة العثمانية احتلال عثماني نتيجة النزعة القومية المغلوطة التي اجج نارها المستعمر الاجنبي والمحتل لبلادنا .

الحقيقة ان سبب ضياع فلسطين يرجع لسبب شرعي وهو بعد الامة عن دينها وتخليها عن مبادئها وسبب دنيوي وهو الضعف والانقسامات العديدة بين الدول العربية وتخليها عن مسؤولياتها تجاه هذه القضية والكل يعرف ما الذي حصل من السلاح الفاسد وعدم الجدية في تحرير الاراضي وما تبعها.

اما لو جئنا لموقع تركيا التي كانت صمام الامان عندما كانت خلافة اسلامية رغم بعض القصور والاخطاء الموجوة وهذه لم تخلو من زمان الا من رحم الله لكن السلطان عبد الحميد ضحى بعرشه وملكه من اجل فلسطين وجوابه لكبار اغنياء اليهود وهرتزل عندما عرض عليه الاغراءات المالية مقابل فقط اعطاء اليهود بعض الامتيازات بفلسطين ابى ورفض ذلك وكان رده : ( اذا كان السيد هرتزل صديقا لك بقدر صداقتك لي فقل له ان لا يتقدم خطوة ثانية في هذا الموضوع انني لا ابيع ارضا حتى ولو كانت شبرا واحدا لان هذا الوطن ليس ملكي بل هو ملك لامتي فقد روته بدمائها وقبل ان ينفصل عنا لا بد ان نغمره بدمائنا مرة ثانية. ان ابنائي من العساكر من فرق سوريا وفلسطين قد استشهدوا جميعا في حرب بلاونه وظلوا باسرهم في ساحة القتال مصرين على ان لا يعودوا . ان الامبراطورية التركية ليست ملكي بل ملك الامة التركية فلا امنح احدا قط قطعة من ارضها ودع اليهود يحتفظوا بملايينهم فعندما تتفتت امبراطوريتي يمكنهم ان يستولوا على فلسطين دون مقابل ولكن عندئذ فقط تتمزق اجسادنا ولا اخالني ارضى عن عملية جراحية تجرى لجسد ما زال ينبض بالحياة ).من كتاب ( والدي السلطان عبد الحميد الثاني ص 26-27).

فلماذا هذه المغالطة من اتهام تركيا بانها السبب في ذلك وهذا آخر سلاطين الدولة العثمانية يضحي بملكه من اجل ان لا يتنازل عن فلسطين ، فلماذا ننساق للتاريخ المزيف الذي يصف الدولة العثمانية بالاحتلال وهل عندما كانت تحكم البلاد الاسلامية الى حد الصين وشمال افريقيا والاندلس هل كان هذا احتلالا ام ماذا؟!

ان الدول الاسلامية الاصل ان تكون دولة واحدة وخلافة واحدة وحكما واحدا فقوتها بذلك لا العكس، ان تكون دويلات متناحرة مختلفة متنازعة فان العدو سوف ينقض عليها ويستاصل شافتها.

فهذه مخلفات التاريخ المدسوس والذي لا زلنا نقراه لحد الآن وكل ما يكتب بعيدا عن الضوابط الشرعية والحقائق المغيبة فلابد من التدقيق به والانتباه لما يكتب ويشاع ويثار فاننا اوتينا من جهلنا وانسياقنا وراء هذا التاريخ المزيف.

فأن تبقى فلسطين تحت وصاية ورعاية الدولة العثمانية المسلمة مع ما فيها من ضعف وسلبيات أفضل بكثير من أن ترزح لاحتلال اليهود الصهاينة وتدنيس أرضنا ومقدساتنا ، فالمقياس يجب أن يكون شرعي وليس قومي او عاطفي ( فإن أكركم عند الله أتقاكم ) ، ثم أن الدولة العثمانية دافعت بكل ما اوتيت من قوة عن فلسطين ولم تحتل فلسطين من قبل البريطانيين الا بعد سقوط الخلاقة العثمانية ما يدل على انها كانت عقبة كئود امام هذا المحتل السرطاني.

ثم ما دخل تركيا اذا وصلت الى مرحلة من الضعف والتآمر عليها من قبل الصهاية والصليبيين ودعاة القومية ، ووصلت الى مرحلة خسرت كل ما لديها حتى انهارت واصبحت دولة علمانية ليس لها اي ثقل اسلامي اطلاقا بل اصبحت تحارب المسلمين.

لكن الدور هنا على الدول العربية التي تنصلت وتخلت عن مسؤولياتها تجاه فلسطين وتركت الفلسطينيين يواجهون مصيرهم وحدهم رغم قلة امكانياتهم، بالاضافة الى بروز قوى استعمارية كبرى كبريطانية وفرنسا ابان الحرب العالمية الاولى مهدت لاستيلاء اليهود على فلسطين وتطبيق المخطط القديم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

ثم أضاف الأخ عبد الحكيم فقرة تخص الاتفاقيات وأن الحكومات الجديدة يجب عليها الالتزام باتفاقيات الحكومات السابقة حتى لو حصل انقلاب عسكري، هذا كلام بالاعراف الدولية الحالية قد يكون مقبول وصحيح لكن تخصيصه وربطه بحالة الدولة العثمانية وما حصل لها من انقلاب علماني وانتهاء الحكم الاسلامي فيها، وتطبيقه على واقعنا الآن نرى أن هذا مجانبة للصواب، فلا ربط بين امتداد دولة اسلامية تحكم بالاسلام وأخرى علمانية حتى لو كانت نفس الارض، فاليوم أسبانيا والبرتغال من أشد الدول عداوة للمسلمين بل هما أقل الدول تواجدا للمسلمين فيها مع أنها الأندلس سابقا، فهل نقول أن الاحكام يجب أن تبقى وتنطبق على أسبانيا والبرتغال مع تغير جذري فيها ، الجواب واضح.

فتغير الدول والثقافات لا يبقي على نفس التبعات إلا بقوة القانون المزعوم، ولو فرضنا جدلا أحقيقة ذلك وأن تركيا هي امتداد للدولة العثمانية فما علاقة تحملها للمسؤولية تجاه دولة اسلامية محتلة كفلسطين بواقعها سابقا كولاية ضمن الدولة العثمانية، فإن دور تركيا وسائر الدول الإسلامية يترتب عليها واجب وتبعات ومسؤولية لاسترداد سائر الاراضي الاسلامية المحتلة من باب الواجب الشرعي لا الاتفاقيات وما شابه فيجب التفريق وعدم خلط الاوراق وتحميل الدول ما لا تحتمل .

ثم إن قضية أن تركيا قد قوت ولايات دون أخرى هذه فيها نظر وتحتاج لتأمل ودقة وتوثيق وهذه فيها اتهام مباشر بالتقصير لأجل مصالح شخصية أو تآمر ما، وهذه كلها شائعات وافتراءات غير واقعية فلا ينبغي علينا أن ننساق وراء كل ما يقال حتى نتثبت.

إن البريطانيين هم من سلم فلسطين لليهود بمخططات قديمة ومؤامرات سابقة ولا علاقة لذلك بقوة فلسطين أو ضعفها أو قوة مصر ، وفي حينها جميع الدول العربية كانت تحت الاحتلال ، فلماذا نبني شيء غير صحيح على شيء محتمل ولم يقع؟!!

ثم ذكر الأخ عبد الحكيم مغالطة أخرى وهي أن الدولة العثمانية قامت بنهب الثروات الفلسطينية وسقوط الكثير شهداء وهي الآن اذا مسؤولة عما آل اليه حالنا، وهذا استنتاج عجيب من الاخ الكاتب، ولو سلمنا جدلا بفرض الضرائب الباهظة على فلسطين واهلها فهذا لا يخرج عن خضوعها ضمن الدولة العثمانية التي كانت ترى هذا في مصلحة بقاء الدولة بغض النظر عن مدى صحة ذلك أو عدمه، فلا ينبغي أن نحول هذه الضرائب لحالة من السلب والنهب، فهذا تناقض كيف ذكر أن فلسطين كانت ولاية تابعة للدولة العثمانية ثم يقول سلب ونهب ، فكيف يسلب إنسان ملكه وما يخضع لسيطرته ؟!!

وبخصوص الشهداء نعم لما كانت فلسطين تابعة للدولة العثمانية وضمن سيادتها فيجب وينبغي على كل مسلم ومواطن يعيش في كنفها أن يدافع عنها ، لاسيما وقد دخلت حروب من روسيا واليونان وغيرهم، وكانت المؤامرات على قدم وساق لاسقاطها، ثم على هذا المقياس يكون الشهداء العراقيين والسوريين والاردنيين والسعودين في ارض فلسطين ايضا يطالبون بتعويضات من الفلسطينيين لانهم أدخلوهم بحرب لا تعنيهم، فحقيقة هذا كلام غير صحيح واستنتاج غير موفق.

ثم ختم مقاله الاخ عبد الحكيم بقياس يسمى عند الاصوليين (قياس فاسد ) عندما قارن بين تعويضات المانيا لليهود والعراق للكويت وبين ضرورة مطالبتنا بحقوقنا التي أضاعتها تركيا، فهل ما حصل رغما عن تركيا من ضياع فلسطين يتساوى مع ما قام به هتلر محارق - مبالغ بها طبعا لدى اليهود- ؟! الجواب المنصف والمنطقي لا يتساوى هذا وذاك اطلاقا، فكيف نقيس شيئانه مختلفان مضمونا ومحتوى وجملة وتفصيلا.

اخيرا نقول للاخ عبد الحكيم وفقه الله وهدانا واياه للصواب انه لابد من ميزان الشرع في كتاباتنا والانصاف في معادلاتنا، والدقة في معلوماتنا وعدم الاستعجال والسرعة في التحليل البعيد عن الصواب والدقة، فلابد من اعادة لقراءة التاريخ وان لا ننساق لما يشاع ويروج ونخدم ما يريد الاعداء من غير ان نشعر.

وفقنا الله واياك لما يحب ويرضى اتمنى ان تتقبل نصيحتي ونقدي البناء ان شاء الله واسال الله ان يوفقنا واياكم لكل خير.

 

محبكم عبد العزيز المحمود

كاتب فلسطيني – بغداد

13-6-2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"