كان محمد وأخته عائشة يسكنان ويدرسان في مدرسة ما ببغداد ، الحياة ضاحكة لهما كأنما كل ما في الأرض خلق ليلهوان به , والأيام ككرات اتخذت من قوس الله( الذي تسميه الناس قوس قزح) ألوانها ، يدحرجونها كيفما يشاءوا ,, ومدرستهما الابتدائية عنت لهما الشيء الكثير , حتى خيل لهما أنها الفردوس .
وكان لهما في الجانب الأيسر من بيتهما صديقين هما عيسى وأخته مريم ، وفي الجانب الأيمن عباس وأخته فاطمة ، وأما قدس وأخته بيسان كانا يسكنا في وسط الحي كأن بيتهم مثل القلب النابض بين الضلوع .
كانوا يذهبون إلى المدرسة معا ، ويلهون بقية النهار , وبعد العصر يتخذون من جذع نخلة مسندا لهم , ليريحوا أجسادهم الغضة عليه , أو يستظلون بشجرة زيتون بالقرب من بيت قدس وبيسان ، لا يفرق بينهم شيء سوى ساعات النوم , ولم يكن الفراق يعنيهم , وكأن هذه الكلمة لا مكان لها في عقولهم الفتية .
بعد أن دارت الدنيا دورتها التي لا ترحم ، وأعلنت السماء عن بدء طواحينها , وهوت مطرقة الموت لتسحق كل ما بين الرحى والسندان ، كان من أمرهم ما كان ؟؟ لحظة ما مات الإنسان داخل الإنسان ؟؟ وأصبحت الرحمة تغوص فزعا في بحر النسيان ؟؟ لأن الزمان غير الزمان ؟؟ والمكان غير المكان ؟؟ ليحيى فيه الإنسان ,, أو ينبت فيه عود ريحان ؟؟ ..
قال كل منهم في سره أن في الأمر شيء ؟؟ لم كل هذا ؟؟ ولماذا تهطل نارا من السماء بدلا من ماء ؟؟ ولم الأرض غطى عشبها سيل من الدماء ؟؟ ..
لم تمضى سوى أيام بعد أن فقد محمد وفاطمة أبوهما , حيث هوى عليه الموت وهو خارج من المسجد عشاءً , ليحيل جسده كأنه دخان ، فلم يعد لهما سوى أن يسافرا إلى غرب بغداد لأنهما أصبحا بلمح البصر أيتام ؟؟..
العشيرة غير العشيرة ؟؟ فلم يكن باستقبالهما إنسان ، فاتخذا من خربة على مشارف المدينة بيتا لهما ,, عسى أن يمر بهما بعض من الأهل أو واحدً من الأعمام ، ولم يعرف عنهما شيء لحد الآن .
وعيسى ومريم كان نصيبهما السفر إلى شمال العراق ,, وفي الطريق غاصت بهم الأرض فما كان منهما إلا أن يتشبثا بصليب هو كل ما تبقى لهما من أمهما بعدما أخرجت من تحت أنقاض بيتهما ، فهم على ذلك الحال لحد الآن .
وعباس وفاطمة اتجها إلى جنوب العراق حيث الأهل والعشيرة والخلان ، فرحين لما قاله أبويهما لهما , هناك سنحيى بأمن وأمان ، ولكن نسيا ما يخبيء لهما القدر ؟؟ حيث كانت في أستقبالهما الموت القادم من مشرقها بحلته السوداء ؟؟ لحظات فأمطرت السماء بعدما أرعدت وأبرقت ، فأستحال النهار ليلاً أسوداً ؟؟ وأمتلئ الجو دخان ، فلم يعرف عنهما شيء لحد الآن ..
وقدس وأخته بيسان كان نصيبهما أكبر في هذه الدنيا ، حيث هجرا إلى عمق صحراء العراق ، وكانت في استقبالهما خيمة ؟؟ كتب عليها ها هنا جنة الأرض لكما يا غريبان ؟؟ وبكل فخر قد صنعها لكم أخيكم الإنسان ، فراحا يجولان بنظرهما في الأفق لعلهما يعرفان لما هما هنا الأن ، وأحدهما يقول للآخر ما مصيرنا ؟؟ ما حل بأصدقائنا ؟؟ ,, وما زالا منذ سبع سنين في نفس المكان ويرددان نفس السؤال:
متى سيرأف بحالنا؟ متى سيعرف بنا أننا مازلنا هاهنا ؟؟ من سخبر عنا الأهل والخلان ؟؟ وي كأنما قد طوي علينا سجل النسيان ؟؟ ..
وهم أيضا كحال أصدقائهما الستة لم يعرف ما حل بهما لحد الآن.
وبذلك أكتمل شمل الأصدقاء الثمانية رغم تفرقهم ولكن بجملة قصيرة فكلهم ((( لم يعرف عنهم شيئا لحد الآن ))) .. أليس هذا ؟؟ خلاصة لفعلك بأولادك وأخوتك وبني بنيك يا أيها الإنسان ؟؟؟ ...
بقلم / جمال أبو النسب
الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا ,,,
30/3/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"