قصة قصيرة عن حياة الحاج صبحي ابو قطيش من كتاب الترانسفير للكاتب سمير ابو الهيجاء

بواسطة قراءة 6125
قصة قصيرة عن حياة الحاج صبحي ابو قطيش  من كتاب الترانسفير  للكاتب سمير ابو الهيجاء
قصة قصيرة عن حياة الحاج صبحي ابو قطيش من كتاب الترانسفير للكاتب سمير ابو الهيجاء

 اليهود هجّروه من إجزم إلى العراق وشيعة العراق هجّروه إلى قبرص وما زال الأمل يعيش في صدره نشمّ فيكم رائحة الوطن على شرفة منزل مضيفي اللاجئ أبو عماد، جلست أرقب وصول ذاك الشيخ الذي قيل لي إنه من بلاد هجرها أهلها وما زال ينتظر العودة. ولم يطل انتظاري حتى جاء الشيخ المنتظر.. كان في العقد السابع من عمره، لحيته بيضاء، يحمل بيده عكازة وقد بدت عليه ملامح حزن لم تخف تلك الابتسامة الخفيفة البادية على محياه. إنه الشيخ صبحي عبد القادر أبو قطيش، من مهجري قرية إجزم، ويعيش في قبرص بعد هجرة قسرية ثانية من العراق، ويعمل إماما لمسجد لارنكا الكبير ومأذونا شرعيا للمسلمين هناك. ترقرق الدمع في عينيه وهو ينظر إلي ويقول: «أنتم نشم فيكم رائحة الوطن، رائحة بلادنا ومسقط رؤوسنا، كنا صغاراً يومها نتعلم في المدرسة وكنت ابن ثماني سنوات، لكني أذكر يوم كنا ننزل إلى الشارع الرئيس الموصل بين حيفا وتل أبيب، ونقطع الشارع أمام اليهود بالحجارة، وكنا نحمل العلم الفلسطيني ونخرج إلى قرية عين غزال المجاورة، ونخرج الأولاد من صفوفهم لننزل معاً إلى الشارع ونرشق اليهود بالحجارة ..» “كانت الحرب م رَة في عين غزال وم رَة في إجزم وم رَة في جبع، وأذكر عندما كانت الحرب في عين غزال، كان مقاتلو إجزم يهبون لنجدتهم، والعكس كذلك. وكان اليهود يأتون من جهة البحر إلى قرية كفر لام ويتسللون من حقول الذرة التي كانت عالية في حينه، فيصلون إلى الشارع لكنهم لا يستطيعون عبوره جراء مقاومة القرى الثلاث، وبعد مد وجزر في الحرب كانت هناك هدنة نقضها اليهود، وتلتها هدنة أخرى ثم نقضوها، وهكذا دواليك، كانوا كلما عاهدوا على عدم إطلاق النار تسللوا ونقضوا العهد، وفي تلك الفترة بين الكر والفر، شاهدت إمدادات عسكرية عراقية وصلت على جملين، وقُسمت بين القرى الثلاث”. يصمت الشيخ صبحي ليستعيد شريط الذاكرة، ثم يتابع فيقول: “كانت طائرات سوداء تقذف ما يسمى «قيازين » على القرى الثلاث، وقتلت من سكانها الكثيرين، لكني لا أعرف اسماء الشهداء. حتى الطائرات حسبناها في البداية طائرات عربية، فكنا نلوح لها بالكوفيات البيضاء، ونحن لا نعرف مإذا يحصل، حتى وصل إلينا الكثير من اللاجئين بعد سقوط حيفا. وكانت في إجزم نقطة تجمع للاجئين الذين حزموا امتعتهم استعدادا للرحيل .» من التهجير إلى التهجير «كان ذلك - حسب ذاكرة الشيخ صبحي - في احدى ليالي أيار عام 1948 حيث تجمع الناس في منطقة يقال لها «بئر السبع »، وكان هناك خلق كثير، فجاءت طائرة سوداء وحومت فوق رؤوسنا، فارتعب الناس وتفرقوا، فالكل يريد النجاة بنفسه، ولم يكن قائد لهذه الجموع، ونحن كنا 14 نفرا في العائلة، تسع شقيقات وثلاثة أشقاء ووالدي ،ّ فخرجنا مع الناس إلى جهة لا نعرفها، تركنا ديارنا وخرجنا في «نزهة »-كما حسبناها- تستمر عدة أيام ثم نعود، وسمعنا الوعود تلو الوعود، لكن مضى علينا ونحن غائبون عن بيوتنا وأراضينا سبعة عقود .» ويتابع الشيخ أبو قطيش: «خرج الناس إلى وادي عارة، وعندما وصلنا إلى منطقة واد لا أعرف اسمه، وصلنا إلى مفترق طرق يؤدي أحد فروعه إلى أم الفحم والآخر في الاتجاه المعاكس، وقيل لنا إن من خرج إلى الشارع في وادي عاره ذاق الويلات من اليهود، وقرر والدي والكثير من الناس أن نسير في الطريق المعاكس للشارع، فسرنا من المساء حتى سمعنا أذان الفجر، فعرفنا أننا وصلنا إلى قرية عارة، فنمنا على البيادر حتى شروق الشمس، ونقلنا إلى جنين بسيارات من نوع «لوري »، وهناك سكن اّ في أحد البيوت، حتى جاءت الملكة عالية، زوجة الملك غازي، «ام فيصل »، وطلبت استضافة فلسطينيين في العراق، وخاصة من قرى المثلث الصغير، تعبيرا عن دعمها للموقف ضد اليهود في فلسطين، وبذلك انتقلنا إلى العراق فسكنت في بغداد ثم البصرة، ثم عدت إلى بغداد وبقيت فيها حتى سقوطها. وعملت إماما لمسجد القدس طيلة 25 سنة .» «طوال فترة اقامتنا في العراق لم ننس معاناتنا جراء الهجرة الأولى عن وطننا، وفجأة، وجدنا أنفسنا نكتوي بنار الهجرة الثانية، بعد إعدام الرئيس صدام حسين، حيث أصبح الفلسطيني مطارداً وكأنه هو الذي احتل العراق، وأصبح مستهدفا في كل مكان، واصبح الشبان الفلسطينيون يواجهون شتى أنواع العذاب، ليس من قبل الأمريكان فحسب، بل من قبل المليشيات، التي ظهرت تحت أسماء كثيرة، ومن صنوف التعذيب التي عهدناها التعذيب «بالدريل »، أي بالمقدح الكهربائي، حيث كانوا يثقبون رأس الفلسطيني المعتقل. كما تعرض الكثيرون إلى بتر أعضاء في اجسادهم بال «ديسك « ،» منشار كهربائي »، وهجموا على مسجد القدس وتوجهوا إلى غرفة الإمام وأطلقوا الرصاص في كل اتجاه، حتى المصحف لم يسلم من رصاصهم، وكتبوا على المسجد «لا مكان للإرهابيين »، وهجموا علينا مرتين بالمدافع والصواريخ عند صلاة الظهر، وأخرى عند صلاة العصر .» ويطلق الشيخ أبو قطيش تنهيده طويلة، ثم يتابع والألم يطغى على وجهه: «شو بدي أعد لَّك.. صاروا يقتلون الناس بدون حساب، ولأي سبب. فاتوا ع البيوت وسرقوا ونهبوا وقذفوا الطلاب بالقنابل وفجروا بيوت الفلسطينيين. نحن فجروا بيتنا، وسجنت عند الأمريكان في سجن «يوكا »، وهذول الأمريكان وجهوا إلي تهمة التجسس، وبقيت في السجن أعاني عدة امراض، حتى أمضيت 11 شهرا ويومين، وخرجت من السجن فهربت إلى سوريا بجواز سفر عراقي مزور، لأنها كانت الطريقة الوحيدة للخروج من العراق، ومكثت في سوريا ستة أشهر حتى بدأت ملاحقة الفلسطينيين السياسية، فقررنا الخروج إلى قبرص، لأننا اعتقدنا أنها المكان الآمن للفلسطينيين، لأن القانون الأوروبي يمنع طرد اللاجئين، وفعلا دفعت لمهرب نقلني من قبرص التركية إلى القسم الأوروبي، والآن نحن نعيش في واقع جديد، ونعيش ذكريات لا تستطيع السجون ولا الصواريخ أن تمحوها.. ويبقى يسكنني الأمل بأن أرى تراب إجزم. حكايا من إجزم «وعلى ذكر سيرة إجزم »، قال الشيخ أبو قطيش بلهجته العامية: «بدي أحكيلكوا عن إجزم هيك حدوثتين إجن ع بالي ». وأنصتنا إليه وهو يضحك هذه المرة بملء فمه. قال: «كان والدي مزيناً )حلاق(، وكان الحلاق يعمل طبيب أسنان فيقلع الأضراس، وفي الحرب أصيب مقاتل من البلد برصاصتين في منطقة القلب، والممرضة طخوها اليهود، فجأبوا المقاتل عند أبوي، قَلهم بدي أربع زلام قبضايات يمسكوه، لأنه ما في بنج، فجابوا أربعة وجزروه )أحكموا إمساكه( وأخرج والدي الرصاصتين وكواه وعاش الزلمي وتجو زّ وخلف 11 ولد، وهاجر يومها معنا. وعندما نقلنا إلى العراق يمكن هو راح على سوريا و لبنان .» «كمان نادرة صارت وأنا زغير، بس بذكرها مليح. كان في مقاتل من الطيرة اسمه محمد وكان إنجليزي وأسلم. وصل إلى إجزم على حصان ومعاه كيسين فشك، واحد قدامو وواحد وراه، وكان معاه «برنات » إثنين. يومها قالوا إنه صارلو سبع أيام مش نايم، فنام في البلد أربعة أيام بلياليها، ولما استيقظ جمع الشبان وأخذ يدربهم على القتال، وكانت معركة في عين غزال يومها، فمنع المقاتلين من القتال مباشرة، وصنع تمثالاً على شكل زلمي ولب سّه خوذة ونصبه قبال اليهود، فصاروا يطخوا عليه، والشبان يلتفوا عليهم من الجهة الثانية، وهيك سجلوا عدة انتصارات. ودر بّ محمد الناس شو يعملوا وقت القصف من الطيارات. وهاجر محمد مع الجيش العراقي، وعرفت بعدين أنه كان يدرب ضباط على الحذر من الألغام، فقتل نتيجة خطأ في الجهاز المركزي تسب بَّ في انفجار اللغم وقتله مع 11 ضابطاً كانوا معه .» وسكت الشيخ أبو قطيش فقد تعب من رواية عجزت الكتب أن تتسع لها مع أن أحد الضيوف المشاركين لخصها في كلمة واحدة: «باعوها 


حقوق النشر محفوظة لموقع فلسطينيو العراق  ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر