في يوم وأنا في إحدى المستشفيات بمدينة الموصل حيث كنت ازور احد أصدقائي كان يرقد في تلك المستشفى وقع نظري على رجل في مقتبل العمر ولكن ؟؟ أي رجل لا استطيع أن أوصفه برجل بل بنصف رجل إن صح الوصف فتألمت كثيرا لحاله ، أصابني الفضول لأتكلم معه فتكلمت قليلا معه وتبادلنا الحديث فأحسست من نبرات صوته بحزن شديد والآم يكاد أن يخفيها و بكل ما يحس به وما يشعر وما يريد .. أصبت بصدمات موجعة وأنا استمع له سالت ادمعي وعندما اختليت بنفسي طلبت من روحي اني لو كنت انا ذلك الرجل؟!! كيف سأشعر وكيف سأعيش وما هو ذلك الإحساس والآلام التي يشعر بها فتقبلت روحي الفكرة فتقمصت تلك الشخصية ، وبدأت تنهال علي الكلمات ملطخة بالآم ملفوفة بحسرات وآهات وصرخات بكل لغات البشر لن يتحملها مخلوق على وجه الأرض إن كان إنسان أو حيوان فألهمت قلبي لأن اكتب ما شعرت به .. فسبح حرفي يحاول أن يكتب من الوجدان ليجمع شتات الأفكار المتناثرة بين الخشية والوحشة والرهبة فيولد الحرف حزينا باكيا حتى أدرك انني مهما كتبت ومهما وصفت ومهما شعرت لن استطيع الوصول إلى الآم ذلك الرجل ولكن يضل القلم أكثر بوحا والأكثر إيلاما خاصة عندما يلامس حقيقة ذواتنا ومكنونها الداخلي ... فكتبت :
ما الذي تبقى مني ؟
رأس مترع بحطام الآمال .. يد واحدة و ساق واحدة و صدر اخترقته شظايا قرب القلب والكتف والبطن ، استخرجوا بعضها .. وتركوا أخريات لصعوبة إخراجها من أماكنها .. أهدوا جسدي تسمية وهي نصف رجل .
أرقد فوق السرير وحيدا في ليل بعيد ..ومشفى ابعد .. غرباء يمدوني بسبل الحياة ، ابرة المغذي غرست عميقا في وريدي ، تغذي الوحشة والغربة ، صمت الليل يلهو بتأجيج نيران جروحي ويبتدع قساوة مفرطة لم ألفها منه ، كنت افهم الليل اشتهي قدومه .. اغرق في ظلامه .. وغموضه ، يمتد عبر أعوامي ، ليعيد أحاسيس طفولة قصية حين كنت أنام ... فوق
سطح الدار العتيقة حتى يصدح آذان الفجر من مأذنة جامع قريب منا .
الآن أنا في حضرة أعداء يحاكمونني .. صمت الليل .. الغربة.. الجراح .. ينفذون حكمهم بي .. ويبكون لأجلي .
لم تنفعني حبوب المسكنات ، ولا المنومات ، فماذا افعل بعد النجاة من فخ الموت ؟
كيف أحيا بنصف جسد؟
كيف سأحب ؟
كيف سأتزوج ؟
وأية امرأة ستقبل بي ؟
كيف سأكمل ما تبقى من عمري ؟
كيف سأحيا مع هذا الجسد ؟
كيف سترسم شفتاي المثلومتان ابتسامتي وكيف سأواجه أمواج الآلام الهائجة التي تهاجمني طوال الوقت .. إذا علي أن أتحكم بزوابعي النفسية ، ما دمت فقدت القدرة على كبح جنون
أعصابي المحملة بصعقات الألم ، الراكضة نحو دماغي كي تطلق صفارات الإنذار المدوية .. لتعلن عن بدء القصف بقنابل الأوجاع العنقودية .
لبرهة .. وجدت طريقة لخداع الألم .. بإمكاني مواجهة خسائري الجسدية .. وحقن جسدي وأعصابي بجرعات من الوعي لأتذكر أوجاع الماضي حتى تسقط ذاكرتي في فخ التذكر وألهيها عن الإحساس بسكاكين الجراح التي تنغرز في مدن وقارات جسدي .. فأستريح قليلا من مواجهة أمواج الآلام التي تتحكم بخسائر الجسد وهكذا .. سأشعل فتيل الذكريات لأنأى عن ألم الجسد نحو ألم الروح .
متى قررت القتال في سبيل الله لوطن انتزع مني .. ومن أجل قضية شعبي المنهك بالظلم على مر عشرات السنين .. بدأت الروح تقلب أوراق الذكريات عائدة إلى الماضي ... فاكتشفت ببرهان قاطع ...!!! ان الآم الجسد أرحم بآلاف المرات من آلم الروح .
زهير السبع
10/1/2012
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"