تصور ساحة مدرسة ابتدائية أثناء الفرصة وازدحامها بالطلاب فأن الأطفال في شوارع معسكر الشاطئ الضيقة أكثر ازدحاما وأكتطاظاً بالأطفال من ساحة المدرسة وهذا لا يوفر مكان كي يلعب به الأطفال.
لهذا لا يوجد عندنا أطفال في غزة سوي الذي يشرب الحليب بعمر
سنتين أما كل طفل يزيد عمرة عن سنتين لا يعتبر طفل عندنا في غزة وفلسطين حسب
مقاييس شعب الجبارين.
نحن الشعب الوحيد الذي لا يوجد عنده أطفال حسب المقاييس
المعروفة للطفولة
بسبب المعاناة والحرمان وتربية الإباء لأطفالهم بضرورة تحرير
فلسطين
عرف الطفل الفلسطيني بفطنته بأن تحرير فلسطين سيخفف من حرمانه
وسيخفف من معاناة ذويه وسيوفر له مساحة واسعة كي يلعب فيها.
لهذا نمى كرة الأطفال لليهود قبل أن يروهم حتى أن أغلب ألعابهم
كانت مثل لعبة عرب ويهود وعسكر وحرامية مخزونة في ذاكرتهم والتي كانت تعبر عن
كرههم لليهود والحرامية وحبهم للعسكر والعرب.
وجاء احتلال الصهاينة لقطاع غزة في عام 1967 فكانت فرصة للأطفال
في تفريغ كرههم للجنود الصهاينة من خلال إزعاجهم وإيذاءهم بشتى الطرق سأذكر لكم
بعضها في هذا المقال.
كل أطفال غزة شجعان سأروي لكم قصص حقيقبة حصلت في شهر رمضان عام
1968 في معسكر الشاطئ عند الأستقام ( الاس تقام ) آنذاك هذا أسمها باللهجة الغزية
(الغزاوية) ولا أدري من أين جاءت هذه الكلمة ولكن كل الذي أعرفه كنا نذهب هناك فبل
أذان المغرب في شهر رمضان كي نسمع الأذان ونعود بسرعة الريح كي نبلغ أمهاتنا في البيوت
أن المؤذن قد أذن المغرب.
في حينها كان سكان معسكر الشاطئ معدمين لا يوجد عندهم ساعة ولا
راديو إلا ما ندر لهذا كان أغلب أطفال المخيم يذهبون إلى الاستقام ( وهو
عبارة عن ملجأ نصفه تحت الأرض ونصفه الثاني فوق الأرض ومسقف وكانت مياه الأمطار في
تتجمع فيه وهو بالقرب من سوق الخضرة في مخيم الشاطئ وبجانب الاستقام جامع
ولم يكن في الجامع سماعات أو مكبرات صوت فكان المؤذن يصعد إلى القبة ونحن نراقب
خطوات صعوده خطوة خطوة ( وحدة وحدة ) وكان بطيء وكأنه يمشي على قلوبنا لأننا لا
ننتظر الأذان فقط بل لدينا مهمة أخرى سرعة العودة إلى البيت لتبليغ الأهل بأن
المغرب أذن وكون أرض غزة رملية فكانت إقدامنا حافية تغرز في الرمال لعدم
توفر حذاء أو صندل وإذا توفر فهو للمدرسة وللعيد فقط.
كي نفطر معهم لأنها الوجبة الوحيدة التي نتناولها طول اليوم وأي
تأخير بالعودة يعني عدم وجود طعام كافي كي نشبع بطوننا لهذا كنا في سباق مع الزمن
في سرعة تناول الطعام لا سيما أن كل عائلة مكونة من عشرة أفراد عدا الأب
وإلام وبعض الأقارب الذي يصادف وجودهم في البيت وقت آذان المغرب .
وانأ أعرف أطفال غزة جيداً أنهم يقاتلون العدو برشقهم بالحجارة
وبأي شيء في متناول اليد كجزء من ألعابهم اليومية وانأ كنت طفل في غزة من معسكر
الشاطئ وأعرف ما أقول. كنا عندما نزهق من لعبة معينة نتحول إلى لعبة أخرى وهي لعبة
رشق الجنود الصهاينة بالحجارة كنا لا ننتظر مجيئهم إلى حارتنا بل ذهب نحن إلى
أماكن تواجدهم ونبدأ نحن الأطفال نتبارى برشقهم بالحجارة ومن منا يستطيع إصابة
جندي بحجر.
بل في أحدى المرات قررنا سرقة خوذة أحد الجنود
وقد قام بها طفل من دار الكحلوت وكان بعمر عشر سنوات وبخدعه ذكية منا قسمنا
أنفسنا مجموعتين من الشرق والغرب نرشق اليهود على أن يزحف أبن الكحلوت من الجهة
الجنوبية حيث كانت هناك شبه حفرة بحيث يزحف دون أن يراه أحد وكنا نراقب الموقف
ونرشق الحجارة حسب مقتضيات زحف ابن الكحلوت وعندما أقترب ابن الكحلوت من الجندي
بدئنا بتكثيف رشق الحجارة من إمام الجنود فتفرق الجنود عندها تمكن ابن الكحلوت من
القفز على رأس الجندي الصهيوني وأخذ الخوذة وهرب
عندها بدأ الجنود الصهاينة يطلقون النار فهربنا
وقد قررنا نحن الأطفال أن لا يذهب ابن الكحلوت لبيته بل يختبئ في فرن دار عاشور
خشية أن يتعرف الجندي عليه.
وبعدها أعلنت مكبرات الصوت منع التجوال في مخيم الشاطئ في حارة
السوق ونحن نسكن في حارة الهرابنة ( نسبة لقرية هربيا بفلسطين ) وبدؤوا
يفتشوا البيوت القريبة من موقع الحدث عن هذا الطفل وبعد عدة ساعات لم يتمكنوا من
إيجاده حيث تمكن الأطفال من أبعاد ابن الكحلوت الى حارة أخري غير خاضعة للتفتيش.
هدفي من ذكر هذه الحادثة هو أن الجنود الصهاينة يعرفون جيدا
أطفال غزة وذكائهم عندما كان الصهاينة محتلين لقطاع غزة لأن مثل هذه الحالة تكررت
مئات المرات معهم أثناء احتلالهم لقطاع غزة
وقررنا معاقبة الجنود الصهاينة على فعلتهم هذه فقررنا أن نجلب
في المساء عدة ألواح من شجرة الصبر وهي مليئة بالشوك وهذه الشجرة متوفرة في ( كرم
مصلحة ) وهو كرم يقع بجانب حارتنا من الجهة الشمالية.
فقطعنا عدة ألواح منها وبدأنا نفكر في المنطقة
التي يتواجد فيها الجنود الصهاينة بحيث نستطيع دفن هذه الألواح فتذكرت نقطة مناسبة
حيث كنت أدرس في مدرسة حسين خيال الابتدائية ومدرستنا هذه قريبة من كراج باصات حي
الوحدة في منطقة الرمال وبالقرب من فيلا السوافير كانت هناك مجموعة من الكثبان
الرملية وكانت هناك تلة من الرمال مرتفعة نسبياً حيث كان الجنود يتجمعون فوقها
ولأن الجنود الصهاينة يأتون في الصباح وينسحبون قبل حلول الظلام خشية من قوات
التحرير الشعبية التي كانت لهم بالمرصاد خاصة في الليل بمعنى كان الصهاينة يحتلون
غزة في النهار فقط أما الليل فهو لنا ولقوات التحرير الشعبية.
فقررنا بعد انسحاب الجنود الصهاينة أن ندفن ألواح الصبر في
التلة التي يتواجدون عليها وبالفعل دفنا الألواح وغطيناها بالرمل بحيث لا يراها
الجنود وفي اليوم التالي قررنا أن لا نذهب للمدرسة بعد أن أوهمنا أهلينا إننا
ذاهبون للمدرسة وبالفعل ذهبنا نراقب ماذا سيحصل وعلى أمل أن يجلس أحد الجنود على
الرمل ولكنهم لم يفعلوا لأنهم في أول النهار ( بعدهم مش تعبانين )
ونحن الأطفال مللنا من الانتظار فقررنا أن نتعبهم حتى يضطروا
بعد التعب أن يجلسوا على الأرض وهو المطلوب فقسمنا أنفسنا ثلاث مجموعات المجموعة
الأولى معهم تنكة يدقون عليها بالقرب من الجنود ولما يلاحقهم الجنود يهربون
بسرعة البرق والمجموعة الثانية تركض وتصيح بصوت عالي ( بيعو ) وهي كلمة معناها
بيعوا سلاحكم لرجال المقاومة وكانت هذه الكلمة تزعجهم ويجن جنونهم عند سماعهم لها.
والمجموعة الثالثة وهي الأهم حيث كانوا يضعون كبريت مأخوذ من
عيدان الشخاط في خشبة ويتم حصر الكبريت بمسمار وندق المسمار بالأرض فيصدر صوت مثل
صوت الرصاصة فيخاف الجنود ويهرعون هنا وهناك.
نفذت مجموعات الأطفال المطلوب منها حيث كان الجنود يركضون وراء
الأطفال وهكذا يستمر الكر والفر بين الأطفال والجنود الصهاينة مدة ساعة
تقريباُ بعد ذلك يختفي الأطفال في الأزقة يراقبون.
والجنود يكون قد أعياهم التعب فيضطروا للجلوس على
التلة وهو المطلوب وعندما جلسوا قفزوا من شدة الألم حينها تعالت ضحكات الأطفال
وكنا في قمة السعادة لأننا تمكنا من إيذاء عدونا.
والأطفال في غزة عندهم ذكاء وخطط جهنمية لا تخطر على بال أحد
ونجاح الخطة هو أنها خطة وليدة اللحظة .
وكان يتقن الأطفال كيفية الغش والاختباء والاحتيال وحتى على
أهليهم كانوا لا يكشفون خططهم والى أين هم ذاهبون ؟
والذين كانوا أطفال عام 1968 هم رجال وقادة الآن وهم الذين
يرشقون الصهاينة بالصواريخ وأعتقد عندهم من الخطط المخزونة في عقولهم منذ كانوا
أطفال ولا فرق عندهم بين رشق الصهاينة بالحجارة بالأمس ورشقهم اليوم بالصواريخ.
هل عرفتم الآن لماذا يستهدف الصهاينة أطفالنا لأن أطفالنا في
الماضي أذاقوهم الويل والثبور في رشقهم بالحجارة على الرغم من عدم توفر الإمكانات
وشح الحال
وتطورت الأمور وأصبح من كان يرشقهم بالحجارة بالأمس يرشقهم
بالصواريخ اليوم
وأطفالنا اليوم ماذا سيفعلون بهم بالغد مع توفر الإمكانيات
التقنية والعلمية وغيرها
أرى النصر في عيون وأيادي أطفالنا في غزة وهذه البطولة والشجاعة
لدى أطفالنا أقوى من كل طائراتهم لهذا يخافون أطفال غزة وأنا واثق أن كل قادة
الجيش الصهيوني لن يتمكنوا من النوم إذا شاهدوا صورتين الأولى صورة أطفال غزة وهم
يرفعون علامات النصر بل ويرقصون طرباً فوق بيوتهم المدمرة كلما انطلقت صواريخ
المقاومة لتدك المستوطنات الصهيونية .
والصورة الثانية هي صورة الهلع والخوف في عيون الجنود الصهاينة
المتواجدين على أطراف غزة يضاف لها صورة الانهيار العصبي والنفسي لدى سكان المدن
والمستوطنات الإسرائيلية لمجرد سماعهم صفارات الإنذار.
أطفال غزة وأطفال فلسطين ليس لهم مثيل في الكون لا يشبهون أطفال
أحد ولا أطفال أحد يشبههم لا في الذكاء ولا في الشجاعة ولا في الإحساس العالي بالمسئولية.
ألان عرفتم لماذا يستهدف الصهاينة أطفال غزة وأطفال فلسطين من
الطفل محمد الدرة شهيد غزة إلى الطفل محمد أبو خضير شهيد القدس مروراً بكل الشهداء
الأطفال في غزة العزة والشموخ والفخر.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والشفاء العاجل لجرحانا البواسل عشتم ... وعاشت فلسطين
كمال نصار
13-7-2014