ذكريات خطفت ذهني وذهبت به بعيدا وبسرعة هائلة واستوقفتني عند باب مدرستي (متوسطة الجماهير) في الطوبجي وكنت احمل قسما من كتبي أتهيأ للدخول إليها وكنت أتلفت يمينا ويسارا ابحث عن صديق طفولتي ( ع . ا . ي) الذي كان يتمتع بقلب كبير وشهامة اكبر رغم صغر سنه وبينما أنا ابحث عنه يناديني هو من الخلف متجها إلي لندخل المدرسة سويا وكالعادة فان جرس الدرس الأول كان قد دق قبل مجيئنا بعشر دقائق فنبدأ أنا وهو تهيئة عذر للمدرس لكي يسمح لنا بالدخول وغالبا ما يكون في الحصة الأولى انكليزي أو عربي وكان مدرس الانكليزي الأستاذ حمزة ذلك الشاب الطيب والنقي ولكننا كنا نشاكسه دوما لأنه كان فلسطيني من أبناء جلدتنا وكان هو قد وضعنا في دائرة المشاكسة وانه لم يكن يصدق بشيء من مجمل كلامنا وأعذارنا لكنه كان يحبنا كثيرا لا ادري ربما لأننا فلسطينيين وعندما كنا نصل إلى باب الصف نرى الطلاب وهم يضحكون لمجيئنا المتأخر دوما ويتشوقون لحديثنا مع الأستاذ حمزة وما هو العذر الذي سنسرده له وعندما نطرق باب الصف يلتفت الأستاذ حمزة إلينا ويقف صافنا بنا ويقول لا أدري لماذا انتم مبكرين هكذا واصلا لماذا تتعبون أنفسكم وتأتوا إلى المدرسة وفي اغلب الأحيان كان ينفعل منا لأجلنا طبعا ثم يقول لن أدعكم تدخلوا الدرس إلا بورقه من المدير وأتذكر الصف والأصدقاء فيه واتحاد الطلبة الذي لم نكن ندخله ونتعرف عليه إلا لحاجة في إجازة أو ما شابه ذلك والسفرات التي كانوا يقيموها للطلاب والباصات التي تقلنا وبعد ذلك تأخذني الذكرى إلى سفرات معسكر فتح والدورات التدريبية والتعبوية الصيفية التي كانوا ينظموها للفلسطينيين صبيانا وصبايا القسم منهم كانوا أطفالا فكانوا يهيئوا لهم فصيلا مستقلا تحت اسم القوات المحمولة وفصائل الأشبال والفتوه والزهرات فكنا نقضي خمسة عشر يوما في التدريب على الأسلحة والمارش العسكري وتحية العلم وأهم شيء كان طابور الإزعاج كنا نحس بالمعسكر وكأننا في فلسطين وننسى بأننا في العراق لان الحضور كلهم فلسطينيين والمدربين وكان هذا المهرجان التدريبي كأنه عرس فلسطيني سنوي وكان أبائنا وأهلنا حريصون على إرسالنا هناك حتى نتأهل ثقافيا وعسكريا وحتى نأخذ من قسوة الأجواء العسكرية ما يؤهلنا لنصبح رجالا أشداء وكانت أبهج الساعات حين نقيم استعراضا في ملعب الكشافة بعد انتهاء الدورة لنقيم الفعاليات أمام أهالينا وذوينا وخصوصا ونحن نرتدي الزي المموه العسكري واعتقد أن اغلب الفلسطينيين قد شاركوا في هذا المعسكر الذي كان يهيئنا لان نصبح فدائيين وفجأة استفيق من ذاكرتي وأنا أسال نفسي هل ان الفلسطينيين فدائيون ولماذا توقفت هذه الدورات هل توقفت المقاومة وهل بالأصل ما كانوا يفعلوه لأجلنا خطئا أم صواب وهل ان ذكرياتنا وأيامنا التي عشناها في ذلك الزمن مثمرة أم انها كانت تظليل لكننا كنا نرى الاستشهاديين بإذن الله الذين يروون أرضنا بدمائهم حتى يعلو شأننا وحتى يزداد تأثير ثورتنا وقضيتنا على صناع القرار العالمي ولزيادة الهجرة العكسية لليهود من فلسطين إلى دولهم التي كانوا يعيشون فيها وارجع بالسؤال هل كنا فدائيين أم كنا قرابين مؤامرات لم نكن ندركها بعقولنا الفتية .
محمد كمال من قبرص
8/10/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"