دار الحياة – راسم المدهون – 23/3/2009
منذ حرب العراق الأخيرة وسقوط نظام صدام حسين، عاش اللاجئون الفلسطينيون هناك ظروفا مأسوية تعرّضوا خلالها للتنكيل والقتل والتهجير على أيدي الميليشيات الطائفية تحت ذرائع لا تعد ولا تحصى، تندرج كلّها تحت عناوين عنصرية أرادت تحريض المواطنين العراقيين على الفلسطينيين باعتبارهم عربا أولا وقبل أية صفة أخرى، خصوصا أن تلك الحملات الهستيرية من القمع قد تزامنت مع حملات دعوية شبه فاشية للتنصّل من انتماء العراق والتزاماته العربية بحجة أن النظام السابق كان يرفع شعارات قومية.
هكذا خرج المواطنون العرب من العراق في أعقاب احتلاله وعادوا إلى بلدانهم ولم يبق إلا اللاجئون الفلسطينيون الذين عاشوا في العراق منذ نكبة 1948 والذين لا يمكنهم العودة إلى بلادهم أو حتى إلى أية بقعة أخرى من العالم الواسع.
هذا الوجود الاضطراري لفلسطينيي العراق حوّلهم في عرف تلك الميليشيات الطائفية إلى «الرّمز الوحيد» للعروبة المطارَدة في العهد الجديد، والمطلوبة للتصفية والمحو، فكان ما كان من عمليات القتل والإرهاب، والتهجير التي استنكرتها القوى السياسية العراقية الوطنية في توجّهاتها، ناهيك عن استنكار المنظمات الإنسانية ومؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية في العالم كله.
مع ذلك الهول كله، ظلّت مسألة اضطهاد فلسطينيي العراق تقع في مساحة الفعل الأسود لقوى ميليشيوية «غير رسمية»، فكان التوجّه للحكومات العراقية من أجل حماية أولئك الفلسطينيين من عسف التعديات عليهم.
اليوم تدخل مأساة فلسطينيي العراق بعداً بالغ الخطورة، بل هو الأخطر منذ وصولهم أرض بلاد الرّافدين نهايات أربعينات القرن الفائت، فهؤلاء الذين عاملتهم الحكومات العراقية المتعاقبة معاملة الأخوة وفتحت أمامهم سبل الإقامة والعمل والعيش الكريم، يتحوّلون اليوم وبقرار رسمي من الحكومة العراقية الحالية إلى «لاجئين سياسيين» يمكن ترحيلهم من العراق في أية لحظة.
الأكثر من ذلك أن صفة «اللاجئين السياسيين» التي أطلقتها بحقهم الحكومة العراقية الحالية تحيلهم بمجموعهم إلى الدوائر الأمنية العراقية لتعاملهم وفق قوانين اللجوء السياسي المعمول بها في العراق، والتي تحظر عليهم العمل، بل، فوق ذلك، تمنعهم من السّفر إلا بإذن مسبق، بل تمنعهم من التنقل داخل الحدود العراقية إلا بموافقة مسبقة من الدوائر الأمنية المسؤولة عنهم.
هو فصل جديد من الاضطهاد، لكنه يحاول هذه المرّة أن يتخفّى وراء صيغ «قانونية» تبيح جعل الاضطهاد «شرعيا» ووفق الأصول والأنظمة والقوانين.
من المهم هنا رؤية هذه القرارات الجديدة في سياق الهجوم الشامل الذي يتعرض له الفلسطينيون كشعب في مختلف مناطق تواجدهم وبالذات على أرض وطنهم، على أيدي الاحتلال، وهو هجوم يقع في لحظة تاريخية يعلن فيها قادة إسرائيل جهارا دعواتهم لإقامة «الدولة اليهودية»، أي الدولة التي تأخذ على عاتقها تطبيق الترانسفير بحق الفلسطينيين بمن فيهم أولئك الذين ظلّوا في وطنهم بعد النكبة.
حالة فلسطينيي العراق «القانونية» الجديدة تستدعي بالضرورة أوسع حملة تضامن رسمية وشعبية، ومطالبة الجامعة العربية ودولها بالتحرّك الفوري لوقف تلك السياسة العنصرية وإجبار سلطات العراق على احترام قرارات الجامعة العربية بخصوص اللاجئين الفلسطينيين كي لا نقول احترام الأخوّة وتقاليد العروبة ومنطق القومية.