أخرج مسلم من حديث أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا" ، وأخرج الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وأخرج مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فضلاً عن ذلك فإن الظلمَ يجعل الظالم في حبس دائم لا يسير إلا وحوله حرس مدجج بالسلاح لا ينام ولا يصحو إلا وهو متخوف من المظلوم الذي يريد أن ينتقم منه.
الظلم حين يشيع في أمة لا يمكنها أن تستقر أو تستريح.. ?وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)> (إبراهيم)، فالله سبحانه وتعالى يُعلن في كتابه العزيز ألاَّ يتصور الظالِمُ أن الله غافل عن هذا الظلم، فإذا كان الله يمد للظالم في الإمهال فهذا من الاستدراج، لا غفلة من الله العزيز جلَّ وعلا: ?إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ>، ثم يصف حالَ الظالم المنتفخ المتكبر المتجبر المستبد، الذي يملأ الحياة ظلمًا، يصف حاله يوم القيامة، بأنها على عكس هذا الانتفاخ الذي كان في الدنيا، بعد أن كان يشمخ بأنفه إلى السماء، يأتي مُهْطِعاً مُقْنِع الرأس ?مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ> يضع رأسه عند قدمه ذلاً وحياءً وخوفًا ورهبةً ?لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ>؛ أي لا يستطيعون أن ينظروا بأبصارهم.
انظر وتعجب من شدة الهلع والخوف الذي ملأ قلب الظالم! بسبب ما ملأ قلوب الناس من خوفٍ ورعب، يكون جزاؤه يوم القيامة أن يملأ قلبَه الرعبُ، حتى لا يكاد أن تستقر عينُه على شيء ?لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ، إذا نظر من شدة الخوف لا يستطيع أن يُغمض عيناه?وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ؛ وقلوبهم فارغة من كل شي، ونحن الفلسطينيين عامه قد تعرضنا ولا زلنا نتعرض إلى اشد أنواع الظلم ابتداء من إخراجنا من ديارنا غصبا وانتهائنا في بلاد الشتات، حيث نعامل أسوء المعاملة وخاصة الظلم الذي يقع اليوم على فلسطينيي قبرص من خلال تضيق الخناق عليهم وترحيلهم القسري إلى العراق، ومن يرفض يرغموه على الرجوع من خلال سحب أوراق الإقامة لديه وقطع المعونة عنه وإزهاقه في دوامة الدوائر الرسمية التي تهدف إلى تضييق الخناق علينا لجعلنا نتمنى العودة والرحيل إلى جحيم العراق بدلا من الذل والبهتان الذي نعاني منه في الحصول على إقامة كريمة والتي بتنا نحلم بها مستثنى منا بعض أعوان الظلمة ممن حصلوا على ما أرادوا من خلال إعانة الظلمة على ظلمنا، ولكن الله لهم بالمرصاد.
ومن أعظم صور الظلم وأشدها هو ظلم الحاكم لرعيته، وظلم الوالي أهل ولايته، و في رواية عند البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الكبير أن معاوية رضي الله عنه قال: إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلامًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَعْرِضُوا عَنِ النَّاسِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ تُفْسِدُهُمْ؟"، فالظالم وإن كان حوله الجندُ والخدم والحشم ومَنْ يزينون له الظلم، إلا أن الله تبارك وتعالى لا يمنعه من أخذه مانعٌ، ولو كان في برج مَشيد، ولو كان في منعة وشدة، وقد أرانا الله مصارع الظالمين لتكون عبرةً؛ أرانا ماذا فعل مع فرعون؟!، وماذا فعل مع قارون؟!، وماذا فعل مع النمرود الظالم، وماذا فعل مع سائر الظلمة؟!!.
كم من بيوت كانت تعج بالظالمين، ماتوا فصارت الديار بلاقع! كم من ظلمة قطع الله دابرهم! لكن الأمر في حاجةٍ إلى أن تنهض الأمة لمقاومة الظلم والفساد، وأن تندفع للإصلاح، لتكون أمة تستحق أن ينصرها الله تبارك وتعالى: ?الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور (41)ِ الحج"
أسأل الله العلى القدير أن يهيئ لأمتنا أمرًا رشدًا يُعَزُّ فيه أهلُ طاعته ويُذَلُّ فيه أهلُ معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر؛ إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وأعانكم الله على الظلم الجائر يا فلسطينيي قبرص.
إبراهيم محمد
12/5/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"