حكايات من الذاكرة ج1- حكاية جدتي- أنور الشعبان

بواسطة قراءة 2462
حكايات من الذاكرة ج1- حكاية جدتي- أنور الشعبان
حكايات من الذاكرة ج1- حكاية جدتي- أنور الشعبان

يوم امس ذهبت الى فراشي لكي انام وكانت الساعة الثالثة صباحاً وما ان وضعت رأسي على مخدتي واغمضت عيوني بعد قرائتي الشهادتين وهي عادتي يومياً قبل النوم لأني اعتبر يومي هذا قد يكون آخر ايام حياتي في هذه الدنيا الفانية لا محالة لا يعلم وقتها الا سبحانه وتعالى وحاولت النوم الا ان فكري ابى النوم وأبت عيونه ان يغمض لها جفن واخذ فكري يقلب فكره يميناً ويساراً وفجئة وبدون مقدمات ذهب فكري وغاص بعيداً ورجع الى وراء الوراء الى خمسة واربعون عاماً مضت.

ورأيت وجه جدتي ماثل امامي ويشع نوراً ومن شدته اغمضت عيون فكري جفونها للحظات وكانت صورتها حاضرة امامي كما عهدتها بوجهها الباسم وتجاعيدها ظاهرة كأنها تحكي عن سنين عذاباتها التي مرت عليها منذ تهجيرها من فلسطين ومن قريتها جبع والتي لم تغب عن ذاكرتها ابداً .

ورجع فكري بذاكرته الى ايام منطقة الطوبجي حيث سكن جدتي وكان بيتها عبارة عن غرفتين صغيرتين مع مطبخ وحمام صغيرين وساحة صغيرة عملها جدي حديقة زرع فيها طماطة وبصل وبطاطا وشجرة عنب كنا نأكل منها بالموسم وكان يقضي الساعات وهو يعتني بها ليس من اجل الاكل فقط وانما لتذكره ببستانه وبترابه في فلسطين وكان يرعاها كما يرعى اولاده واحفاده  وكنت اغار منها عندما يضربني من اجلها .

وفاتني ان اذكر ان خالي الصغير وعائلته الصغيرة كانوا يسكنوا مع جدي وجدتي ولقد اعتادت والدتي زيارة اهلها كل خميس وكان عندها كيوم مقدس ولما لا وهي تذهب لمساعدة امها الضريرة في حمامها حيث ان امها فقدت بصرها على كبر بعد قدومها الى العراق اثر مرض اصابها افقدها بصرها وكنت اذهب معها اكثر المرات وكنت انا واولاد خالي الموجودون بنفس البيت واولاد خالي القريبين على بيت جدتي وكنا دائماً نجلس حولها وتحكي لنا قصص من الف ليلة وليلة على الطريقة واللهجة الفلسطينية.

وقبل كل حكاية كانت تتكلم عن ذكرياتها وايامها الجميلة في فلسطين واخبرتنا كيف كانوا يقطفون الزيتون من الاشجار وكيف كانوا يجلسون في فترة الغداء سوياً وكان اكلهم عبارة عن بصل وزيتون ولبن وخبز التنور وكانت تحدثنا ايضاً عن حياتهم البسيطة في كل شيء وكيف كانت اواصر المحبة والصداقة فيما بينهم وكأنهم عائلة واحدة وفي احد المرات حدثتنا عن عرس والدي ووالدتي حيث كانوا اقارب وجيران وكان عمر والدتي عند زواجها لا يتجاوز الخامسة عشر وهكذا كانت اعمار الفتيات في سن الزواج وكانوا يتبعون السنة والفطرة السليمة وتكلمت عن الدبكة الفلسطينية والاهازيج والاغاني الفلسطينية التراثية والموروثة جيل بعد جيل والمعرضة الان للانقراض لعدم وجود من يوثقها كل هذا حدث وانا ما زلت مستلقي على فراشي والنوم مجافيني.

وفجأة ذهب فكري الى عرس جرى في ساحة صغيرة قرب بيت جدتي واتذكر انه كان لاحد شباب أل المجيد وتجمع الشباب يدبكون الدبكة الفلسطينية وبدون مقدمات اغمضت عيون فكري معلنةً انتهاء التأمل واستغراقي في النوم.

 

أنور الشعبان- السويد

14/1/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"