فرصة العمر في ليلة القدر- أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 6625
فرصة العمر في ليلة القدر- أيمن الشعبان
فرصة العمر في ليلة القدر- أيمن الشعبان

ها نحن قد اقتربنا من وداع رمضان، وأزفت ساعاته على الانقضاء، وسنترك خلفنا أجمل اللحظات من الصيام والقيام، لكن لنقف وقفة تأمل وتمعن وانتفاع، قبل فوات الأوان، ونعوض ما فاتنا من النقصان، ونتدارك ما اعترانا فيه من الحرمان.

بقيت فرصة لا كسائر الفرص.. فرصة لا تقدر بثمن.. فرصة لا يوفق لاستثمارها إلا سعيد.. ولا يُحرم الخير فيها إلا شقي عنيد.. من عرف حقيقتها سارع وبادر وبذل المزيد.. ومن أهملها نام وتكاسل ونَدِم الندم الشديد.. ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )..

نعم إنها فرصة العمر.. فاغتنمها يا رعاك الله في ساعات ليلة القدر.. فهي من أعظم المنن وأكبر النعم وأجلّ المنح.. كيف لا وهي " خير من ألف شهر " في الطاعة والعبادة والأجر.. ليلة شريفة القدر.. نزل فيها كتاب ذو قدر.. وتتنزل فيها رحمات ذات قدر.. وملائكة ذوو قدر..

يقول السعدي في تفسير قوله ( ليلة القدر خير من ألف شهر): أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.

 تخيل طيلة عمرك الخمسين أو الستين أو السبعين سنة، كم ركعة صليت؟ وكم فريضة أديت؟ وكم نافلة فعلت؟ وكم درهم ودينار أنفقت وتصدقت؟ وغيرها من الدعاء والثناء وحسن الالتجاء لرب الأرض والسماء؟

هل أنت من القانتين والصادقين والخاشعين والمستغفرين بالأسحار؟ أم أنك من المقصرين والمفرطين والمضيعين أوقاتهم بالليل والنهار؟ أيا ما تكون فأمامك فرصة قد يحول الموت بينك وبينها مرة أخرى!! فنحن على موعد مع ليلة مباركة، خيرها كثير وفضلها منقطع النظير، فأين المشمرون والتجار الحقيقيون؟! ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

تأمل أخي الحبيب ضعفنا وقلة حيلتنا، مهما بذلنا وتقربنا إلى الله بمختلف الطاعات والعبادات، فلن نصل إلى لحظات نؤدي فيها مختلف القربات في تلك الساعات المباركات، فركعة فيها تعدل أجر ركعات طيلة ألف شهر، ودرهم تتصدق به على مسكين كأنك تصدقت بدراهم متواصلة دون انقطاع طيلة ألف شهر، وهكذا التسبيح والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن، وإطعام الطعام وهكذا سائر الصالحات.

ليلة لِعِظم منزلتها أنزل الله سبحانه فيها القرآن العظيم، أفلا تكون فرصة العمر؟ ليلة تكون الملائكة فيها أكثر من عدد الحصى[1]، وهذا يدل على كثرة البركة والخير والرحمة فيها، لأن الملائكة تتنزل عند تلاوة القرآن ويضعون أجنحتهم لطالب العلم رضا بما يصنع.

كيف لا تكون فرصة العمر وفيها تقدر الآجال والأرزاق وأعمال العام، وكيف لا وقد سلمت من الآفات والعقوبات، وكيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام يقول( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )[2]، فاحرص على اليقين الصادق والإيمان الكامل بفضلها وما فيها من خير، واحتسب ذلك عند الجواد الكريم.

كيف لا تكون فرصة العمر وقد قال مالك ابن أنس رحمه الله: أري رسول الله عليه الصلاة والسلام أعمار الناس، فاستقصر أعمار أمته وخاف أن لا يبلغوا من الأعمال مثل ما بلغه سائر الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ألف شهر لسائر الأمم.

وكيف لا تكون فرصة ثمينة عظيمة والأجر فيها خير وأعظم وأفضل وأكثر من ألف شهر، وهذا يحتاج منا لكبير تأمل وتمعن، والله إنها رحمة ونعمة عظيمة ومنة لا توازيها منة، فلو كان الأجر يعادل عبادة ألف شهر لكن خيرا وفيرا، فكيف وهو " خير من ألف شهر" هل استشعرتم تلك الرحمات والبركات؟

تخيلوا لو أن متجرا كبيرا مشهورا عمل عرضا على سلعة قيمتها ( 10 ريالات )، والعرض ساري خلال العشر الأواخر من رمضان على أن يتوافق الشراء مع ساعات معينة في ليلة محددة يعرفها صاحب المتجر فقط، فمن يشتري هذه السلعة يعطى 1000 قطعة إضافية، فكيف سيكون حال الناس وإقبالهم على هذا المتجر وهذه السلعة طيلة العشر ألم يحصل رباط وتحمل وطول انتظار؟!

هذا المثل في فائدة دنيوية متحققة الربح والمنفعة، فكيف بسويعات لعرض مغري جدا وفرصة لن تعوض فيها تجارة لن تبور من خيري الدنيا والآخرة، فهل من مشمر؟!

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..

اللهم بلغنا ليلة القدر، واكتبنا فيها من المقبولين..

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا..

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

 

أيمن الشعبان

22-رمضان-1433هـ

10-8-2012م

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"