قال
تعالى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ )[1].
أي
هو الذي أوجد سبع سموات بعضها فوق بعض في جوّ الهواء بلا عماد، ولا رابط يربطها مع
اختصاص كل منها بحيز معين ونظم ثابتة لا تتغير بل بنظام الجاذبية البديع بين أجرام
الأرضين والسموات.[2]
لما
كان الإنسان هو المقصود من الانتفاع بتلك الآيات الكونية، بدأ بتذكيره بخلقه ثم
انتقل لذكر دلائل قدرته المشاهدة للعيان، فقال ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ) بعضها
فوق بعض، غلظ كل سماء منها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام[3].
قال
المهايمي: أي يوافق بعضها بعضا بلا تضاد، ليتم أمر الحكمة في الكوائن والفواسد.[4]
طباق
تأتي جمعا لطبقة ومصدرا من طابق، فهي طبقات واحدة فوق الأخرى وكأنها متطابقة
ومتناظرة ومتشابهة في وجودها فتعطي معنى مضاف لمجرد أنها طبقات وشرائح شيء فوق
شيء.
وطباقا
جمع تكسير فهي أفصح وأبلغ من جمع المؤنث السالم، وهي أشمل وأوسع من كلمة طبقات.
دلالة استخدام كلمة الرحمن في الآية:
بداية
السورة تتحدث عن الله سبحانه " بيده الملك" و " هو على كل شيء
قدير"، فالي خلق السماوات هو الرحمن، وأمر آخر للإشارة إلى الله خلقها بقدرته
القاهرة رحمة وتفضلا.
ومع
أن الآية تتحدث عن خلق السماوات إلا أن انعدام التفاوت في كل المخلوقات، لذلك قال
" ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت"، ولو قال " ما ترى في خلق
السماوات من تفاوت" للزم أن يكون هنالك تفاوت بمخلوقات أخرى فتأمل، فنفى
التفاوت عن السماوات وسائر المخلوقات فتأمل.
قال
الجمهور إن الأرض مستديرة كالكرة، وأن السماء الدنيا محيطة بها من كل جانب إحاطة
البيضة بالمح، فالصفرة بمنزلة الأرض، وبياضها بمنزلة الماء، وجلدها بمنزلة السماء،
غير أن خلقها ليس فيه استطالة كاستطالة البيضة، بل هي مستديرة كاستدارة الكرة
المستديرة الخرط.[5]
( ما
ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) أي: ما ترى في خلق الرحمن من تناقض ولا تباين ولا
اعوجاج ولا تخالف، بل هي مستوية مستقيمة دالة على خالقها، وإن اختلفت صورها
وصفاتها فقد اتفقت من هذه الحيثية.[6]
(
فارجع البصر ) أي كرره، والرجع العود إلى الموضع الذي جاء منه، ( هل ترى من فطور )
أي: نقص واختلال[7]،
أي لا ترى أيها الرائي تفاوتا وعدم تناسب، فلا يتجاوز شيء منه الحد الذي يجب له
زيادة أو نقصا.[8]
والمقصود
منه التعريض بأهل الشرك إذ أضاعوا النظر والاستدلال بما يدل على وحدانية الله
تعالى بما تشاهده أبصارهم من نظام الكواكب، وذلك ممكن لكل من يبصر، قال تعالى:
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج.
فكم
نحن بحاجة لإحياء عبادة التأمل، من خلال إمعان النظر والتكرار لعظيم مخلوقات الله،
والمشاهدة بدقة وروية وتفكر، ما يؤدي إلى استشعار عظمة الخالق الذي أتقن كل شيء
صنعه.
قام -
أي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ليلةً من الليالي فقال: يا عائشةُ
ذَريني أتعبَّدُ لربي قالت: قلتُ: واللهِ إني لَأُحبُّ قُربَك وأحبُّ أن يُسرَّك
قالت: فقام فتطهَّر ثم قام يصلي فلم يزلْ يبكي حتى بلَّ حِجرَه ثم بكى فلم يزلْ
يبكي حتى بلَّ الأرضَ وجاء بلالٌ يُؤذِنه بالصلاةِ فلما رآه يبكي قال يا رسولَ
اللهِ تبكي وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر قال أفلا أكونُ عبدًا
شكورًا ؟ لقد نزلتْ عليَّ الليلةَ آياتٌ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّرْ فيها { إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الآية.[9]
نسأل
الله أن يجعل أعمالنا كلها صالحة، ولوجهه خالصة وأن لا يجعل لأحد فيها شيئا.
3/ رمضان/ 1434هـ
12/7/2013م
"حقوق
النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر
المصدر"