ومع أن المسؤولين العراقيين التزموا الصمت ولم ينفوا أو
يؤكدوا صحة أخبار الإعدامات، فإن التساؤل الشعبي والقانوني والسياسي كان: هل بدأ
الرئيس الجديد عهده بالمصادقة على قرارات إعدام «بالجملة» كما فعل سلفه طوال
ولايته من عام 2014 إلى 2018؟.
مثلما يتصدر العراق سجلات الفساد العالمية، فإنه يتصدر،
مع جارته إيران، سجلات الإعدام سنوياً وبشكل لم يسبق له مثيل في القضايا ذات
الطابع السياسي الطائفي. وكانت منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات التي تُعنى
بحقوق الإنسان قد أعربت مراراً خلال السنوات الأخيرة عن «قلقها من المحاكمات غير
العادلة واستمرار تنفيذ أحكام الإعدام الجماعية ذات الطابع الطائفي الثأري».
ويُشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر
العبادي قاد حملة في عام 2013 وصفها ناشطون سياسيون بأنها تعتبر تدخلاً في شؤون
القضاء، للإسراع في إعدام صفوف طويلة من الذين ينتظرون حبال المشانق. وبلغ عدد من
أعدموا في ذلك العام 169 شخصاً على الأقل من دون أن تُتاح أمام أي منهم محاكمات
عادلة تتوفر فيها أبسط المعايير العالمية. وقبل ذلك تم في عام 2012 إعدام 129
شخصاً؛ الأمر الذي دفع المنظمات الإنسانية الناشطة في هذا المجال إلى إدانة
الإعدامات المتتالية داعية إلى وقفها فوراً.
وأحد الأمور الشاذة في الملف العراقي أن وزارة «حقوق
الإنسان» العراقية متحمسة لتنفيذ أحكام الإعدام! وقال وزيرها السابق محمد السوداني
إن «موقف الحكومة العراقية ثابت وصريح من تنفيذ عقوبة الإعدام بحق من تثبت
إدانتهم». لكن المحاكمات السرية التي تجري لهؤلاء المتهمين تمنع وسائل الإعلام
العراقية أو الأجنبية وممثلي المنظمات الإنسانية من حضور الجلسات أو الاطلاع على
حيثيات الاتهامات. وفي أحيان كثيرة مُنع المتهمون من تكليف محامين للدفاع عنهم،
فضلاً عن خشية المحامين أنفسهم من اختطافهم واغتيالهم كما حدث مع كثيرين منهم،
أشهرهم أحد أعضاء فريق الدفاع عن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
وأكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن «ضعف النظام القضائي
العراقي يعني وجود احتمال كبير جداً بتعرض بعض الأبرياء إلى الإعدام». وقالت
الباحثة في شؤون العراق لدى المنظمة إيرين إيفير إن «الأمر يتعدى المحاكمات ويصل
إلى المنظومة الأمنية في عدم كفاية الأدلة في التحقيقات وقلة خبرة رجال الأمن،
بالإضافة إلى الفساد الشائع داخل الأجهزة الأمنية وبين ضباط الأمن والقضاء».
الأمر القاتم في هذه المحاكمات ثم الإعدامات عدم وجود
أي تفاصيل عن جرائم المدانين أو هوياتهم الشخصية. واعتادت السجون العراقية عدم
السماح لذوي المعتقلين برؤية أقاربهم إلا نادراً خلال سنوات الاعتقال ومن خلف
ثلاثة حواجز، خصوصاً أن أكبر سجن يؤوي آلاف المعتقلين هو سجن الناصرية جنوب
العراق، وهو الأكثر حراسة والأقسى تعاملاً والأشد تعذيباً للمعتقلين العراقيين
ومعهم بعض العرب والأجانب. وتمارس في هذا السجن الرهيب الذي يحمل اسم «الحوت» أبشع
صور التعذيب والإهانات وانتهاك كرامات المعتقلين، وأغلبهم اعتقلوا بسبب شكاوى
كيدية من مخبرين سريين، وانتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب، حسب ما تداولته مواقع
إلكترونية ونشطاء سياسيون وحقوقيون. «ومن بين وسائل التعذيب تقييد أيادي المعتقلين
حتى داخل الزنازين بشكل مستمر واستخدام الكلاب البوليسية الشرسة ضدهم ومنعهم من
الاستحمام لفترات طويلة، بالإضافة إلى التغذية الرديئة ومنع عوائلهم من زيارتهم.
ولشدة ازدحام الزنازين فإن السجناء يتناوبون النوم والصلاة»، طبقاً لما تسرب من داخل
هذا السجن الذي يضم أكثر من 9000 سجين، بينما طاقته الاستيعابية تبلغ 2400 سجين.
وتُقدر أعداد المعتقلين العراقيين حالياً في قضايا سياسية وغير سياسية بأكثر من 40
ألف معتقل، بالإضافة إلى ألف معتقلة من النساء، يتوزعون على عدد من السجون.
وبين المعتقلين منذ بدء الاحتلال الأميركي في عام 2003
عدد كبير من رموز النظام العراقي السابق الذين نقلوا من السجون الأميركية داخل
العراق إلى سجون الحكومة العراقية من دون أي محاكمة. وتم في حالات نادرة إطلاق
سراح بعض المسؤولين السابقين بينهم وزراء للتجارة والإعلام والنفط. وما زال رهن
الاعتقال وزير الدفاع الأسبق الفريق أول سلطان هاشم ووزير الإعلام الأسبق لطيف
نصيف جاسم وعبد الغني عبد الغفور وزير الإعلام الأسبق أيضاً والفريق أول حسين رشيد
التكريتي وزير الدفاع الأسبق، وآخرون من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث، إضافة
إلى عسكريين من أصحاب الرتب العالية ومسؤولين في الأجهزة الأمنية الملغاة.
وقال أحد المحامين العراقيين البارزين الذي رفض ذكر
اسمه إن «من حق أي حكومة في العالم اعتقال المتهمين. ولكن يجب محاكمتهم بصورة
عادلة والسماح لمحامين بالدفاع عنهم، وليس من حقها أن تُنفذ أحكام الإعدام سراً أو
حرمان المعتقلين من حقوقهم الإنسانية التي نص عليها الدستور العراقي نفسه».
المصدر : جريدة الشرق الأوسط
18/4/1440
25/12/2018