واقع المسلمين بين المُعَوَّقين والمُعَوِّقين! أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 3441
واقع المسلمين بين المُعَوَّقين والمُعَوِّقين! أيمن الشعبان
واقع المسلمين بين المُعَوَّقين والمُعَوِّقين! أيمن الشعبان

لمّا تعيش الأمة واقعا مريرا في شتى المجالات، وتحديات كبيرة فائقة التشعب والصعوبات، من تكالب الأمم وتداعيها، وجلد الفاجر وعجز الثقة؛ تظهر العديد من الأمراض والآفات، وتطفو على السطح ظواهر وحالات، هي أسباب ومقدمات أو نتائج ومآلات، لتلك الأحوال والتوصيفات.

الفرد المعاق جسديا أو ذهنيا.. سمعيا أو بصريا، لا يستطيع القيام ببعض المهام أو ممارسة جزء من الأنشطة، يطلق عليهم مصطلح " ذوي الاحتياجات الخاصة"، إذ وجودهم طبيعي في المجتمعات، ومنهم من تجاوز حالته ليبدع ويتفوق في مجالات ليكون دوره إيجابي!

هنالك أصناف من الناس أنعم الله عليهم بالصحة والعافية، من الأمراض والآفات الحسية، إلا أنهم تلبسوا بإعاقات معنوية أخطر من الإعاقات العضوية؛ كالإعاقة في الفهم والتصور والسلوك والتعامل مع الآخرين وتنزيل الأحكام.

من أعظم الإعاقات التي تصيب المسلم الصحيح السليم؛ التخلي عن المسؤولية والخذلان لقضايا أمته، والخنوع والقعود والاستسلام للواقع المؤلم، والاكتفاء بندب الحظ ونقد الآخرين وانتقاصهم والنوح على ما قد أصاب الأمة، وما علم أنه بهذا السلوك قد ساعد على ضعف الأمة وتقهقرها!

ليس المعاق الذي شلت جوارحه * ولا الــذي قـــدرا هـدته أسـقــام
بـل المعـاق الـذي شانـت فعائـلـه * فلن يضيـر إذا فـي الجسـم إيـلام
قد ساد قوم وقد شلـت جوارحهـم * وســاد بالفـكـر والتألـيـف أقــوام
فكم كفيف لـه فـي النـاس منزلـة * ومبـصـر جهـلـه يـــحلله إظـــلام
فكـن لغيـرك نــور يستـضـاء بــه *  تعـطـي الضـيـاء ولا تقـعـدك آلام

هنالك همم تجول حول العرش، وأخرى تحوم حول الحش! فهذا الصحابي الجليل عمرو بن الجموح قال يوم أحد: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ! فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا عَمْرُو، لَا تَألَّ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عُمَرُ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ: مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، يَخُوضُ فِي الْجَنَّةِ بِعَرْجَتِهِ.[1]

بل كان من كبار الصحابة والتابعين من هو أعمى، إلا أنهم ذو بصيرة ثاقبة ومواقف مشرقة، منهم كعب بن مالك الأنصاري والبراء بن عازب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم جميعا.

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بعد أن كف بصره[2]:

إن يأخذ الله من عيني نورهما * ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي، وعقلي غير ذي دخل * وفي فمي صارم كالسيف مأثور

أعظم إعاقة وتحدي تواجه الشباب المسلم هذه الأيام، انحراف البوصلة وعدم وضوح الرؤية والهدف، وضعف العقيدة والولاء والبراء في النفوس، ما أدى لظواهر غريبة وأحوال عجيبة قد لا يتصورها مسلم، من تعلق مخزي وحب وتداول ومتابعة حياة أهل الكفر والفن والرياضة ومروجي الفجور والرذيلة!

قد مات قومً وما ماتت مكارمهم * وعاش قومً وهم بالناس أمواتُ

فالمُعَوَّق في التصور والفهم والمقدمات، أكثر ضررا على المجتمع من المُعَوَّقِ جسديا، لأن المآلات والنتائج والأحكام، ستكون بعيدة عن الصواب، وبالتالي فالأعمال والسلوكيات تكون خاطئة، حتى يصبح العوق المعنوي آفة تنخر في جسد الأمة، لأنه اختياري والثاني اضطراري.

قضى على المرء في أيَّام محنته * حتَّى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ

صنف آخر من الناس سلموا من الإعاقة الداخلية الذاتية، في التصور والتمييز والفهم، إلا أنهم وقعوا بآفة أخطر هي إعاقة الآخرين من الانطلاق، وعرقلة غيرهم عن العمل والبذل والرقي، وتثبيط المبدعين والبارعين، وكسر هممهم وإضعاف طاقاتهم!

المُعَوِّقون لغيرهم صنف خطير وشرهم مستطير، إذ لا يرون إلا أنفسهم، ولا يحبون الخير إلا لذواتهم، متعالين مترفعين على غيرهم، يختلقون الأسباب والمبررات.. بارعون في صياغة العوائق وتنميق العبارات، لإجهاض برامج ومشاريع وجهود الآخرين!

ما يضاعف المشكلة ويزيد الطين بلة، أن هذا الصنف يتربع بعضهم على عرش مناصب متقدمة مرموقة في المجتمع، أو من لهم صولة وجولة ويشار لهم بالبنان، فإما أن يكون مدير مشروع أو مشرف برنامج أو رئيس لجنة، أو مستشار في مؤسسة أو عضو مؤثر في قسم أو هيئة!

وبَّخَ الله سبحانه هذا الصنف، الذين يثبطون الناس ويصرفونهم عن الخير، ويمنعونهم من العمل والارتقاء، قال تعالى( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ )[3]، المثبّطين الصّارفين عن طريق الخير،[4] أَيْ الْمُخَذّلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ فَيُعَوّقُونَهُمْ بِالتّخْذِيلِ عَنْ الطّاعَةِ[5]، وهم الذين يُعَوِّقُونَ الناسَ عن نُصْرة الرسولِ ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك.[6]

يقول عليه الصلاة والسلام:( إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ).[7]

فإياك أن تكون مفتاحا للشر مغلاقا للخير، حجر عثرة أمام همة داعية أو طالب علم، أو من يحمل همّ الدين والمثابرة والهمة وبذل الوقت والجهد والمال، فلا تعترض ابتداء وإن كان هنالك قصور أو ضعف، ولكن حفز وشجع ثم وجه وانصح ووضح بحكمة وحسن قصد.

المُثَبِّطون نراهم في كل مكان من حولنا، ليس لديهم أدوات التحفيز وشحذ الهمم، بقدر ما لديهم من ألفاظ وعبارات وأساليب وصيغ عجيبة، في تكسير الهمم وتحطيم العزيمة وإدخال اليأس في قلوب الناس، وفتح باب الفتور والعجز والكسل والقعود!

واقع مؤلم ومرير لكثير من الدعاة وأصحاب الهمم والطاقات والكفاءات، أقعدهم أولئك المعرقلون، وأبعدوهم عن الإبداع والعمل والمثابرة والتفوق والرقي، بل وخدمة دينهم ومجتمعاتهم بشتى التخصصات، بسبب التثبيط والإعاقة والاستئثار المقيت!

تأتي إلى البعض لتستشيره ببرنامج أو مشروع أو أي أمر يخدم الدين وينفع المسلمين، نظرا لمكانته وعلمه بل وديانته – في الظاهر- وخبرته في هذا المجال؛ فإذا به بداية – بل بعضهم قبل أن تُكمل فكرتك- يضع العراقيل ويختلق الحجج لصرفك عن مشوارك وإبعادك عما تنوي فعله، لا لشيء إلا أنه يخشى من ظهورك وبروزك! وبالتالي قد تؤثر على منصبه أو مكانته وتنافسه وتزاحمه بموقعه! أو هو مرض وآفة عشعشت في قلبه، لا لشيء إلا لحب الانتقاد والانتقاص من جهود الآخرين!

البعض نتيجة زهد الناس في العلم وانشغالهم في الدنيا، وعدم اكتراثهم واهتمامهم بأمور دينهم؛ لو طرحت عليه فكرة دعوية أو برنامج تربوي أو نشاط توعوي، يجيب: بأن الناس لا يهتمون ولا يسمعون ولا يحضرون ولا ... ولا ... وهلم جرا، أو يركز على الجوانب السلبية في أحوال الناس وكأنهم لن ينتفعوا من ذلك أبدا، حتى يعرقل هذا الجهد بقصد أو بغير قصد، وربنا سبحانه قال ( وقل اعملوا ).

قال عليه الصلاة والسلام:( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ).[8]

يقول ابن باديس: وأهلكُهم على الوجه الأول: أشدهم هلاكا، وعلى الوجه الثاني: أوقعهم في الهلاك.

على الوجه الأول: إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس يعيبهم وينقصهم ويحقر من أمر جماعتهم فقد صار بذلك أعظم هلاكا منهم لارتكابه معصية كبيرة تعدت إلى غيره وعمتهم وهي معصية الكبر الذي هو احتقار المرء من عداه، فهذا قد تكبر على جميع الناس فكان عظم هلاكه على حسب عظم معصيته بهذا العموم في الكبر والاحتقار.

وعلى الوجه الثاني: إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس يثبطهم ويقنطهم فهو بذلك التثبيط والتقنيط أيأسهم من رحمة الله وصدهم عن الرجوع إليه وبالتوبة ودفعهم إلى الاستمرار فيما هم عليه، فأوقعهم بكلمته تلك في الهلاك: هلاك البؤس والقنوط والاندفاع في الشر[9].

المتأمل لكثير من قصص الناجحين والنابغين، يجد أن كلمات يسيرة من التحفيز والتشجيع ورفع المعنويات، أثرت في مجريات حياتهم، وعلى العكس من ذلك فكثير من الفاشلين والمنتكسين، وصلوا لهذا الحال بسبب الخذلان والتثبيط وتكسير الهمم من المعرقلين!

فإياك ثم إياك أن تسمع لهؤلاء المثبطين، والحذر كل الحذر من مستشاري السوء المتلونين، الذين يظهرون أمامك بوجه ولسانهم معك وقلوبهم تقطر حسدا وحقدا وبغضا!

بين ربنا سبحانه وتعالى في توجيه رائع لمن حدد أهدافه ورسم طريق نجاحه، وخطط لأن يكون رقما صعبا ورمزا لخدمة هذا الدين وقضاياه، وإيجابيا في تعاطيه مع التحديات ومنها المثبطين، يقول عز وجل ( وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ )[10]، فلا تلتفت لما يعيق طريقك أو يثني عزيمتك، فإنك متى التفت إلى المعوقين لا تصل.

قال مَعْرُوفَ الْكَرْخِيَّ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْعَمَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ.[11]

الإعاقة في الفهم والتصور الصحيح وانقلاب الموازين وضياع البوصلة، آفة مستشرية في زماننا وعلاجها العلم الأصيل المبني على معرفة مقاصد الشريعة الكلية، وفهم الواجب وفقه الواقع، وإنزال الواجب على الواقع ضمن معايير المصالح والمفاسد.

وآفة إعاقة الجهود وعرقلة الطموحات وتقزيم أعمال الآخرين، آفة كبيرة وخطر مستشرٍ، علاجها مجاهدة النفس والهوى في إخلاص النية وحب الخير للآخرين، ونكران الذات وازدراء النفس وكبح جماحها، والإكثار من مطالعة سير السلف الصالح والوقوف عند أخلاق الكبار ومآثرهم وهممهم وتواضعهم ونفعهم للآخرين.

ما أحوجنا في زمان الفتن وانتكاس القيم والابتعاد عن الجادة؛ إلى الهمة في العمل والمثابرة في الدعوة وتحفيز الآخرين، وتكاتف الجهود وعدم استحقار أو استصغار أي جهد ولو كان صغيرا، مع أهمية التوجيه والنصح والإرشاد والتقويم.

 

23/12/2015م



[1] حسنه الألباني في صحيح الموارد.

[2] سير أعلام النبلاء (3/357).

[3] (الاحزاب:18).

[4] المفردات في غريب القرآن ص597.

[5] الروض الأنف للسهيلي (6/244).

[6] تفسير ابن عطية.

[7] السلسلة الصحيحة برقم 1332.

[8] صحيح مسلم.

[9] مجالس التذكير من حديث البشير النذير ص77.

[10] (الحجر:65).

[11] اقتضاء العلم العمل ص79.