مصاب آل امبدى فاجعة الفواجع – أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 2302
مصاب آل امبدى فاجعة الفواجع – أيمن الشعبان
مصاب آل امبدى فاجعة الفواجع – أيمن الشعبان

في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات ، حيث صلينا الظهر يوم السبت الموافق 2/10/2004 في جامع الخلفاء في شارع الجمهورية قرب مكان عملنا آنذاك ، وبعد الصلاة وقفت أنا وظافر وأخوة آخرين على الشارع العام عند المسجد وتكلمنا قليلا وتلاطفنا مع بعضنا البعض ثم ذهب إلى مكان عمله وانصرفنا نحن أيضا ، كانت هذه هي اللحظات الأخيرة التي قضيناها مع أخينا وحبيبنا وصديقنا ظافر رحمه الله .

وبعد أن أديت صلاة العصر في جامع القدس وبينما كنت في طريقي إلى منطقة المشتل إذ وصلني خبر مؤلم جدا مفاده ( وفاة خمسة من عائلة الحاج دواس بحادث ) ولم تتضح بعد تفاصيل ما حصل ، فأسرعت على الفور إلى مستشفى الكندي لأجد جموع الفلسطينيين هنالك وخمس من جثث أهلنا وأحبتنا وقد اغتيلوا برصاص الغدر والشعوبية .

فكانت صدمة كبرى لنا جميعا وفاجعة لم نعهدها في العراق ، وشراسة لم نسمع بها وجريمة ما سبقتها جريمة طيلة ( 56 عام ) مضت في العراق ، وهمجية وبربرية وانتهاك هو الأول من نوعه بهذه الطريقة البشعة .

ولنترك الحديث لشاهد العيان على هذه المجزرة ألا هو الفقيد جمال امبدى رحمه الله الذي توفي في العام الماضي في دولة الإمارات ، حيث كان الفقيد جمال بسيارته خلف سيارة الشهداء الخمسة بإذنه تعالى وكالمعتاد بعد انتهاء عملهم يمرون بسيارتهم من شارع ضيق نهايته مقابل مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني وبينما هم كذلك في هذا اليوم وقبل وصولهم نهاية الشارع إذ اقترب منهم ثلاثة مجرمين كل منهم يحمل بيديه مسدسان وقاموا بإفراغ ما فيها من إطلاقات بالخمسة وهم في السيارة ليفارقوا الحياة بعد دقائق معدودة ، حيث كان غسان يقود السيارة وبجانبه عمه حسن وفي الخلف كل من ظافر ورشاد وعلي .

ويذكر بأن هؤلاء الجناة في أثناء إطلاقهم الرصاص كانوا يسبون ويشتمون عامة الفلسطينيين وإظهار حقدهم الطائفي الشعوبي العنصري ، فكانت صدمة وموقف مهول لجمال رحمه الله لأنه شاهد ذلك بعينيه ولا يستطيع عمل شيء ، فقد اغتيل شقيقه حسن امبدى وأبناء شقيقه الحاج دواس ظافر وغسان ورشاد وكذلك قريبهم علي مفلح ، فما كان منه إلا أن يسارع لنقلهم إلى مستشفى الكندي عسى يتدارك بعضهم .

بذلك فقدنا في هذه الحادثة خمسة من خيرة الفلسطينيين بأدبهم وحسن خلقهم ، إضافة لفاجعة كبرى لعائلة امبدى لما تلقوه من اغتيال أولئك الشهداء بإذنه تعالى ، وما كان من الحاج عوض محمد علي نمر عند سماعه الخبر إلا الانهيار ومفارقة الحياة كمدا وحزنا على ابن أخيه علي مفلح وزوج ابنته ظافر دواس ، حتى وقف أمام صدمة مهولة ولم يتخيل ترمل ابنتيه زوجة الشهيد بإذنه تعالى الشيخ أسامة الحانوتي رحمه الله الذي قتلته قوات الاحتلال الأمريكي بتاريخ 8/4/2004 وزوجة الشهيد ظافر رحمه الله في تلك الجريمة الآثمة .

الفقيد ظافر دواس امبدى رحمه الله رحمة واسعة وأدخله الفردوس الأعلى نموذجا رائعا للأخ والصديق والمحب في الله ، فقد جاورته في العمل ورافقته في السفر وعاشرته في منطقتنا واختلطت معه واقتربت منه ، فلم أر قلبا بطيبته فقد كان طيب القلب حلو اللسان بشوشا ضحوكا حسن المعشر حييا محبا للخير وأهله همته عالية في طلب العلم والدعوة إلى الله محبا للجهاد في سبيل الله يعشق الشهادة ( ولعله قد نالها ) كثيرا ما يحمل هموم الأمة وعامة المسلمين  يحزن إذا رأى مهموما ويفرح إذا شاهد مبتسما فرحا .

كان رحمه الله شديدا في الحق ومع الحق وطالبا للحق ، مواظبا على أداء الصلاة في وقتها وفي الجماعة ، متواضعا هادئا إلا إذا انتهكت حرمات الله فإنه يغضب لذلك ، تجده في أصعب المواقف ولا يكل أو يمل من عمل الخير .وإخوته غسان ورشاد رحمهم الله اتصفوا بكثير من هذه الصفات وتميزوا بالهدوء وحسن الخلق والتواضع ، فرحمهم الله وتقبلهم في الشهداء .

أما كبير الشهداء بإذنه تعالى في هذه الفاجعة فهو حسن امبدى رحمه الله حيث كانت الفاجعة بفقده بعد فقد ولده الشهيد بإذن الله تعالى علاء بتاريخ 4/5/2004 فعرف عنهم الأخلاق الحسنة وحب الخير .

وأيضا الشاب الشهيد بإذن الله علي مفلح حيث يشهد له ولعائلته بالخير ، فرحم الله الجميع وصبر ذويهم على هذا المصاب الجلل .

الحاج عوض رحمه الله وتقبله في عداد الشهداء رغم فرق السن بيننا إلا أنني كنت أراه دوما في المسجد وأقف معه أوقات كثيرة ونتحدث سويا ، فقد كان متواضعا محبا للخير وأهله حريصا على أداء الصلاة فرحمه الله رحمة واسعة وتقبله مع الشهداء .بهذه الفاجعة والملمة نكون قد فقدنا أعزاء ستة علينا عز أمثالهم في أيامنا هذه ، وأصبحنا في مفترق الطريق وبداية محنة على عامة الفلسطينيين ، وفعلا بدأت الاستهدافات تتوالى مفرقة بالبداية ثم كثرت .

لم نكن نتخيل حجم المصيبة التي حلت بالحاج دواس فثلاثة من أبناءه وشقيقه في جريمة غدر وهمجية وبدم بارد وسهولة ، لكن حقيقة ما أعطاه الله من الصبر في تلك اللحظات كان عونا له على تحملها ، والله عز وجل يعطي من الصبر بقدر البلاء ، فكان الله بعونه وزاده صبرا وآجره على ما تحمل من فراقهم وشفعنا وإياه بهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .     

  5/10/2008

أيمن الشعبان

باحث مختص بشأن الفلسطينيين في العراق