ضربة للفلسطينيين في العراق - رافد جبوري

بواسطة قراءة 1122
ضربة للفلسطينيين في العراق - رافد جبوري
ضربة للفلسطينيين في العراق - رافد جبوري

لم يكن عدد الفلسطينيين المقيمين في العراق كبيرا، مقارنةً بدول عربية أخرى مجاورة، لكنه انخفض بشدة من حوالي 40 ألفا قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 إلى أقل من أربعة آلاف حاليا. الأسباب معروفة، فقد تعرّضوا، في السنوات الأولى للاحتلال، لحملات عنف وقتل من مليشيات استغلت موقفهم المسالم، وعدم امتلاكهم قوى مسلحة تدافع عنهم في بلدٍ انهارت فيه الدولة. كانت التهمة جاهزة ضدهم طبعا، وهي التعاطف مع نظام حكم الرئيس العراقي السابق، صدام حسين. ردد المجرمون والشوفينيون تلك الاتهامات، تبريرا لأفعالهم، من غير اعتبار لحقيقة أن الغالبية الساحقة من فلسطينيي العراق نأت بنفسها، وطوال تاريخها، عن السياسة العراقية الداخلية، لا بل وحتى لم تنشط فيما بينهم التنظيمات الفلسطينية بالدرجة نفسها التي نشطت فيها في دول عربية أخرى. استهدف العنف والقتل العراقيين أيضا كما هو معلوم، فهرب كثيرون منهم طالبين اللجوء في سورية والأردن، وأبعد من ذلك طبعا. ولكن أبواب تلك الدول العربية أغلقت أمام الفلسطينيين، فبقيت مجموعة كبيرة منهم عالقة مدة طويلة في الصحراء على الحدود، حتى تكفلت دول بعيدة جدا، مثل دول في أميركا اللاتينية وأيسلندا بمنحهم حق اللجوء.

أما اليوم، فتقول القوى المسلحة المدعومة من إيران، والتي تسيطر على العراق، إنها تعادي "إسرائيل"، بل ربط بعض من أبرز قادة المليشيات العراقيين التظاهرات المطالبة بالإصلاح وإنهاء الفساد والطائفية في العراق بأنها مؤامرة تقف وراءها "إسرائيل". يعرف قادة تلك الجماعات الجاذبية الكبيرة للقضية الفلسطينية، ولذلك انضموا، وبقوة، لطابور طويل من المتاجرين بالقضية الفلسطينية، شمل أنظمة و"أحزابا" وأفرادا حتى. لكن الامتحان كان دائما يأتي عندما تتعلق الأمور بحقوق الإنسان الفلسطيني الذي يتاجر المتاجرون بقضية وطنه. ففي العراق، كانت القوى والمليشيات نفسها التي تتحدث الآن عن عدائها لـ"إسرائيل"، ومواجهتها المزعومة معها، هي من استهدف الفلسطينيين وقتلهم في العراق، أو جرى ذلك تحت نظر تلك الجماعات ومباركته، فحي البلديات مثلا الذي يضم المجمع السكني المعروف الذي كان أكبر تجمّع للفلسطينيين في العراق كان دوما خاضعا لسيطرة المليشيات بعد عام 2003.
أصبحت تلك القوى الآن مسيطرة على "مجلس النواب العراقي"، لتضيف ذلك إلى سيطرتها على الوضع الميداني في عموم العراق، عدا إقليم كردستان. وإذا كانت أعوام قتل فلسطينيي العراق قد انتهت بتقليص عددهم من أربعين ألفا قبل الاحتلال إلى عشر ذلك الرقم الآن، فقد بدأت، في السنوات الأخيرة، إجراءات تستهدف خنق المتبقين اقتصادياً، بحرمانهم من الوسائل الاقتصادية التي لا يستقيم العيش إلا بها. وقد كان الإجراء الأكثر قسوة هو حرمان الفلسطينيين من حق استلام المواد الغذائية والأساسية بسعر مدعوم، أو ما يعرف في العراق بالحصة التموينية، وأيضا حرمانهم من التعليم المجاني، ومن العمل في القطاع الحكومي، ومن حقوق التقاعد. تم ذلك بفعل قانون الجنسية والإقامة الذي أصدره "مجلس النواب العراقي" قبل أكثر من عامين، بموافقة غالبية الكتل الشيعية والسنية والكردية، حينما حرم الفلسطينيين من وضعهم القانوني الذي كان مساويا للعراقيين، وقد تم ذلك عن طريق إلغاء القانون رقم 202 الذي صدر عام 2001، وساوى الفلسطينيين بالعراقيين في كل الحقوق، عدا حق المواطنة.
ليلاحظ هنا أن تلك المساواة المفترضة في العهد السابق لم تصدر بقانون إلا في نهايات حكم صدام حسين، وتضمّن حينذاك فقرة غريبة نوعا ما، تهدد الموظف الذي لا يلتزم بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم بعقوبات صارمة، مع أن من المفترض أن يكون ذلك بديهيا، لكن تلك الفقرة توضح حجم معاناة الفلسطينيين، حتى في تلك الأيام، مع الاجتهادات والتحيزات التي تصدر من الحاقدين على وجودهم، حتى في ظل أكثر الأنظمة صرامة وقوة.
تظهر نظرة منصفة سريعة إلى تاريخ الفلسطينيين في العراق قبل احتلاله أنهم لم يشاركوا العراقيين إلا بؤسهم ومعاناتهم مع الحروب، ومع سنوات الحصار الاقتصادي الطويلة المريرة. لقد عملوا، منذ مجيئهم إلى العراق، ومعظمهم جاء إليه بعد النكبة الأولى عام 1948 في قطاعات التعليم وغيره، فخدموا المجتمع وأجياله.

وقد تردّد، بعد صدور قرار حرمان الفلسطينيين من معونات السكن، أن بعضهم شارك في التظاهرات الاحتجاجية في ساحة التحرير في بغداد. أتمنى أن ذلك حصل فعلا، فإذا كان الوجود الفلسطيني في العراق يكاد ينقرض، بفعل ما أقدمت وتقدم عليه القوى المسيطرة على العراق، فمن الجدير بالتظاهرات العراقية أن تتسع لتضم شيئا من معاناة الفلسطينيين، فقضية الثورة ضد الظلم واحدة، ونضال مستمر من أجل الحقوق التي لا تموت.

 

من مقال للكاتب رافد جبوري – العربي الجديد

10/7/1441

5/3/2020