تذكرت حينها تلك الأيام
الخوالي، عندما كنت مارا بين حارات مخيم اليرموك الذي يعج بالناس والحركة، وتحين
الصلاة فأدخل هذا المسجد الجميل، الذي لم يسلم من الاعتداء والقصف، ورجعت بذاكرتي
ليوم مشهود وهو 22/2/2006 في بغداد عندما اقتحمت عصابات ميليشيا جيش المهدي مسجدنا
الحبيب " جامع القدس " بمجمع البلديات، وعاثت فيه فسادا، كما تذكرت ليلة
السابع والعشرين من رمضان عام 2006 كيف قصفت تلك العصابات المصلين بعد خروجهم من
صلاة التراويح سقط العشرات بين شهيد – بإذن الله – وجريح.
يبدو أن الفلسطيني في معظم
مواطن الصراع والأزمات، مهما حاول الحياد والنأي بنفسه عما يجري، إلا أنه يُقحم
إقحاما بل من أكثر الضحايا والمتضررين، والحلقة الأضعف ولسان حالهم:" لا بواكي
لنا " دوليا وإقليميا وعربيا بل حتى فلسطينيا!
من أشد التجارب مرارة للاجئين
الفلسطينيين، في لبنان والعراق والآن سوريا!! فما حصل في لبنان من مجازر وفواجع
بحق فلسطينيي لبنان أصبح تاريخ لكن لن ينسى، ولا تزال دماء شهدائنا على أرض
الرافدين لم تجف، وآثار التهجير القسري والتنكيل شاخصة حتى اللحظة، بمخيمات الوليد
والهول!!
ما حصل بمخيم اليرموك قلّب
المواجع، وفتح سجلات مظلمة لعشر سنوات عجاف مرت علينا منذ احتلال العراق عام 2003،
فعن أي شيء نتحدث ونتكلم عن" 80% " تهجروا تحت الإكراه وتفرقوا مجبرين
لأكثر من خمسين دولة غالبيتها أجنبية!! أم عن أكثر من " 300 شهيد بإذن الله
" قتلوا ظلما وغدرا وحقدا وطائفية!! أم عن أكثر من " 500 حالة اعتقال
تعسفي" لا زال قرابة 40 قابعين في السجون!!
الذاكرة لم تعد تتسع، فكثُرت
المصائب، وتوالت المآسي والفواجع، والأنكى من ذلك كله والأصعب، خذلان ذوي القربى
إزاء ما حصل ويحصل، والسؤال المطروح الآن في خضم تسارع الأحداث وتصاعد وتيرتها؛ هل
سيُخذل أهلنا في سوريا كما خُذِلنا من قبل؟!! وهل سيخرج أحد رموز القيادة
الفلسطينية – كما حصل معنا في العراق – ويقول: هؤلاء قُتلوا لأنهم إرهابيين، كما قيلت
بحق شهدائنا بأنهم بعثيين!! وكان مبررا لعدم تحريك أي ساكن في قضيتنا وتمادي
الأجهزة الأمنية العراقية والميليشيا الصفوية بقتلنا وتهجيرنا!!
مع شديد الأسف لم نسمع عندما كنا نتعرض للقصف
والقتل والتهجير والتشريد؛ أي تصريح أو استنكار وشجب وتحميل السلطات العراقية
والأحزاب الطائفية، ما وقع علينا من ظلم واضطهاد لا زلنا نتجرعه حتى اللحظة، بل
كنا في أصعب الظروف وأخطرها طائفية، ننتقل بين مناطق بغداد الملتهبة إذ القتل على
الهوية، عسى أن نلتقي بشخصية عراقية أو مسؤول يؤازرنا أو يخفف من معاناتنا، أو
يوصل صوتنا في المحافل الدولية والعربية بل والفلسطينية!!
وصل الحال بنا حتى نتابع قضية
معتقلينا الأربعة الأبرياء لدى لواء الذيب، في القضية الشهيرة ببغداد الجديدة،
اضطررنا لجمع الأموال من العوائل بمجمع البلديات رغم الضائقة التي يمرون بها، فلم
نسمع أو نجد أي مسؤول فلسطيني أو جهة أو مؤسسة تبرع أو تكفل بجزء من الأتعاب وهي
قضية جوهرية قلب موازين المعادلة واشتدت الأزمة علينا.
يبدو أن فلسطينيي العراق غير
محسوبين في المعادلات السياسية، إما لقلة العدد أو التهميش المتعمد، أو أسباب أخرى
لا حاجة للخوض فيها الآن، لكن هل سيتخلوا عن أهلنا في سوريا وهم عشرين ضعفا منا؟!!
أم أن التجاذبات السياسية والظروف الإقليمية وانقلاب الموازين واختلاف وتغير
المحاور في العامين المنصرمين سيغير التعاطي والتفاعل مع واجب الوقت الحالي "
نصرة أهلنا في سوريا والتخفيف من معاناتهم".
يكاد القلب يتفطر حزنا وألما،
عندما يخبرني عدد من شهود العيان أثناء نزوحهم، أن عناصر القيادة العامة جنبا لجنب
قوات النظام عند أطراف مخيم اليرموك، بعد قصف طائراتهم لأهلنا بالمخيم، وهم
يتحملون بدرجة كبيرة مسؤولية ما حصل للمخيم من دمار وتلك الدماء التي سالت،
لموقفهم المعروف ضد أبناء شعبهم وعدم التزامهم بالحياد.
ثم بعد هذا القصف الإجرامي
يبقى منخدع بأكذوبة " جهات أخرى" بأنها هي من تقصف وتهاجم المخيمات؟!! وإلى
متى تنطلي علينا أكذوبة " الممانعة والمقاومة " أما تحولت إلى "
مقارعة " لشعبنا في سوريا! و" مناغمة " لأعداء الدين والعروبة!!
مشاهد النزوح من مخيم اليرموك
أبان القصف الكثيف، أعادت إلى الأذهان نكبة عام 1948 وكان مئات العوائل من
فلسطينيي العراق لهم نصيب من ذلك، لكن هل ستمنع الدول المجاورة استقبال المهجرين
الفلسطينيين القادمين من سوريا كما حصل معنا سابقا؟!! وهل ستقف القيادة الفلسطينية
من منظمة تحرير وسلطة وفصائل وغيرها مكتوفة الأيدي إزاء ما يحصل؟!! أم أن بيانات
الشجب والاستنكار كافية بنظرهم!! هذا ما ستكشفه الأيام القادمة مع اشتداد وتصعيد
واضح وقصف متوقع كثيف عشوائي على مخيم اليرموك.
أيمن الشعبان
18/12/2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع
" فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"