الإعــــلام الصهيــــوني فـــي مــصـــــر – عيسى القدومي

بواسطة قراءة 5480
الإعــــلام الصهيــــوني فـــي مــصـــــر – عيسى القدومي
الإعــــلام الصهيــــوني فـــي مــصـــــر – عيسى القدومي

 فقد تبنت فضائياتهم والصحف الواقعة تحت هيمنتهم التعبئة الإعلامية العاملة ضد التضامن مع الشعب الفلسطيني بطرائق ملوثة، فما زال إقحام الفلسطينيين في الأحداث المصرية مستمراً، لتشويه صورة الفلسطينيين وتأجيج المشاعر وافتعال المعارك الوهمية الكاذبة، وأدخلوا في دائرة العداء الأخوة السوريين، وطعنوا في أعراض أخواتنا السوريات اللاجئات في مصر !!

 وحقيقة أننا نرى إعلاما فاسدا، ليس في أكاذيبه وركوبه الموجة تلو الأخرى فقط، فبالأمس بكى على نظام مبارك، وإذا به يبارك ويدعم نجاح الثورة، وإذا به ينقلب على شرعية صناديق الاقتراع، ويؤيد ويروج الإشاعات، ويوجه الرأي العام لمناصرة فحشهم وأفكارهم.

أبواق يُسمح لها أن تشيع ما ترى، أما وسائل الإعلام والفضائيات القيمية والإسلامية فتغلق بمبررات واهية؛ حيث إن أغلب ما أغلق من قنوات لا يتبع مرشد الإخوان كما يزعمون!!

وبعرض سريع للأخبار التي تُنشر للتشويه في الفلسطينيين نجد الآتي :

في شهر يناير لهذا العام نشرت وسائل إعلامهم نبأ تسلل سبعة آلاف مسلح من عناصر كتائب القسام إلى مصر عبر الأنفاق الممتدة على الحدود بين غزة ورفح المصرية لمساندة الرئيس المصري محمد مرسي وحمايته!!

 وبعدها تم التسريب -وبكثافة- في بعض وسائل الإعلام المصرية من أنه تم القبض على سبعة فلسطينيين في مطار القاهرة، قادمين من سوريا وبحوزتهم خرائط لمنشآت ومناطق حيوية في مصر ثم الزعم بأنهم كانوا قد دخلوا إلى مصر من غزة عبر الأنفاق.

وفي عنوان لخبر منشور من وسائل إعلام مصرية، جاء فيه ضبط فلسطيني بمطار العريش بحوزته جوازات سفر، وفي خبر آخر ضبط أجهزة اتصال محظورة مع فلسطيني في مطار الغردقة.

الغريب في الأمر أنه عادة ما يتم الإفراج عن أصحابها بعد ساعات أو أيام ولم نر خبرا يقول: إن هذا الفلسطيني الذي ضبط في هذا المطار أو ذلك المعبر أفرج عنه بعد التحقيق وتبيان ما حدث معه، وأن كل ما في القضية اشتباه أو تلفيق سرعان ما يفرج عن أصحابها.

 وقبل أشهر شنت تلك الوسائل الليبرالية حملة تشويه بناء على فرية توطين أبناء قطاع غزة في صحراء سيناء!! انظر كيف تشوه صورة ذلك الفلسطيني الذي لم يغادر غزة باتجاه مصر في حربين سابقتين، والآلة الحربية الصهيونية تدك المنازل على رؤوس ساكنيها، بل كان المسافرون يعودون إليها، ولم يقم أي فلسطيني بترك بلاده للعيش في سيناء، رغم تعرضه لحصار تجويعي قاتل ظالم مستمر منذ ثماني سنوات.

وفي السابق نشر ذلك الإعلام كذبه وتلفيقه، وأشهر تلك الأكاذيب قصة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية قبل سقوط نظام مبارك بأشهر معدودة.

 واستمر مع ذلك الإصرار على تشويه صورة الفلسطينيين في بعض وسائل الإعلام المصرية والإصرار على الزج باسم الفلسطيني في الصراعات الداخلية في مصر. فهناك عمل دؤوب من تلك الأبواق الإعلامية لتشويه الفلسطينيين، ولاسيما في مطارات مصر أو معابرها من قبل بعض وسائل الإعلام ضمن حملة التشويه التي يمارسها بعض وسائل الإعلام المصري.

 وعلى الرغم من مناداتهم بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد الحريات، وما موقفهم من الكيان الصهيوني، وموقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة، ومواقفهم من حقوق المسلمين إلا أدلة على كذب دعواهم! والمتابع لأنشطتهم الإعلامية يكشف بوضوح كثرة أدبياتهم ومقالاتهم في الصحف والمجلات، وانتشارهم في الفضائيات والإنترنت.

ووصل الحال ببعض منهم أن جندوا أقلامهم لخدمات يعجز عنها كتّاب الصحف العبرية؟! بل ويرون أنفسهم أكثر تبصراً واستشرافاً للمستقبل من الاتجاهات الأخرى، ومن هذا المنطلق يدعون أن مشروع الدولة «الصهيونية» قد بلغ مرحلة من الثقة بالنفس، والاطمئنان على «الوجود»، ما يستدعي التعامل معه وإعطاءه حقوقه التي طالما حُرم منها!!

 ولا شك أن الليبرالية في تعاملها مع قضية فلسطين ليست كلها في إطار واحد؛ فهناك طرف لم يعاد قضية فلسطين كقضية عادلة، وأخرى عادت قضية فلسطين بجميع حيثياتها، وأعطوا لليهود حقوقا في أرضنا ومقدساتنا، وهؤلاء أناس من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويتسمون بأسمائنا، وعملهم الدؤوب النخر في جسد الأمة، وتبني أدوات أعداء الأمة لضرب أمتنا من الداخل، بعد أن لبسوا على الكثير من المخدوعين من أمتنا! فهم يبذلون جهدهم، ويحيكون مؤامراتهم، ويشيعون أباطيلهم للنيل من هذه الأمة، والطعن في ثوابتها وعقيدتها وحقوقها!!

 وكتب بعضهم: في عام (1948) قامت دولة عبرية علمانية ديمقراطية حداثية، ولو تعقلنا -أي: أهل فلسطين- لانتفعنا قليلاً أو كثيراً بعلمانيتها، وديمقراطيتها، وحداثتها؛ بحكم (الجوار ووحدة المصير)!!

ويدّعون أن الفلسطينيين بوقوفهم ضد قرارات التسوية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة قد أضروا بحق العودة، ولولا معارضتهم لتلك القرارات لكانوا الآن ينعمون في أرض فلسطين!! وجعلوا تبعاً لذلك أن صراعنا مع الكيان اليهودي صراع مرفوض، وليس من باب المصالح والمفاسد، أو لأسباب سياسيه؛ فقالوا: «لا بد أن نقبل اليهود كما هم، ونقبل كيانهم على أرض فلسطين كما هو؛ لأنهم رمز الحداثة والرقي والتجديد والعقلانية»!!

كانت كتابات هؤلاء ولقاءاتهم في السابق أكثر تورية وتقية؛ لأن الأمة الإسلامية لم تكن بهذا الانكسار والضعف كما عليه الآن، فصوت هؤلاء وظهورهم يخفت حين تكون الأمة في قوتها، ومكانتها التي كانت عليها، وظهورهم مرهون بضعف الأمة، وتكالب أعدائها عليها، وهذا هو حال كل من أراد السوء لهذه الأمة منذ عهد النبوة إلى الآن!!

 وما يكتب الآن هو امتداد للمقولات والشبهات والأكاذيب التي ترادفت مع مشروع إقامة وطن قومي لليهود؛ حيث ساهمت في تشويه صورة الفلسطينيين أمام امتدادهم العربي والإسلامي حتى لا يتعاطفوا معهم، أو يساندوهم في استرداد أرضهم المسلوبة، وليُفقِدوا الشعوب العربية والإسلامية الحماس لنصرة فلسطين وأهلها.

والتي يصفها حينذاك الشيخ «محمد أمين الحسيني» -مفتي فلسطين، ورئيس الهيئة العربية العليا-: «بأن المخابرات البريطانية -وبالتعاون مع اليهود- أنشؤوا مراكز دعاية عدة ضد الفلسطينيين، ومن جملة ما أنشؤوه من مراكز الاستخبارات والدعاية في الأقطار العربية، مركز للدعاية في القاهرة في شارع قصر النيل، وكان يرأس بعضها بريطانيون، وجندوا معهم عملاء وجواسيس؛ كان من مهامهم بث الدعاية المعروفة بدعاية الهمس، فضلاً عن نواحي الدعاية الأخرى»(1).

 ويضيف الحسيني: «ولقيت تلك الأكاذيب نجاحاً ورواجاً كبيراً في أول سنين كارثة فلسطين، وأصبحت أقلاماً عابثة وكائدة وعميلة تبث الإشاعات عبر صحف عربية، فتحت لهم ليكتبوا وينشروا الأباطيل؛ شوهوا من خلالها صورة الفلسطيني»(2).

 فقالوا: «إن الفلسطينيين يبيعون ضباط الجيوش العربية وجنودها لليهود»، «وأن الفلسطينيين لم يدافعوا عن أرضهم، بل باعوها وسلموها تسليماً لليهود»!! «ولولا معارضة الفلسطينيين للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل القضية؛ لما وصلت الحالة إلى ما وصلت إليه»!!.

حتى كتب بعضهم: «لماذا تطالبونا بتحرير أرض قبض ثمنها؟!» ماذا نعمل لكم كلما نحررها تبيعونها...!!».

ويقول الشيخ الحسيني: «مع ذلك لم تكن تسمح تلك الصحف أن تنشر في حينها ما يدفع التهم، ويرد تلك الأباطيل»(3).

وإلى الآن ما زال بعضهم يكرر تلك الشبهات والأباطيل التي طالما أشاعها اليهود لإثبات حقهم في أرض فلسطين!! وهذا ليس بجديد على ذلك الإعلام الذي أشاع الأكاذيب على مدى عقود من الزمن.

 ولكشف حقيقة تلك الأبواق أنصح بقراءة كتاب الصحافة الصهيونية في مصر (1896-1954)، للكاتبة المصرية د.عواطف عبدالرحمن، التي كشفت بالأدلة والوقائع تتغلغل الصهاينة في تلك الصحافة وذلك الإعلام!! وأظن أنه لا داعي للتدليل على ذلك، فالمشاهد لقنوات الخزي وبث الشائعات يتحقق من ذلك سريعاً.

 في الختام أقول: لا شك أن تلك الفضائيات الليبرالية تملك صوتاً مرتفعاً وسيطرة كبيرة على وسائل الإعلام المسموعة، والشعوب للأسف تصدق كثيراً ما تسمع وترى، وهذا ديدن الأبواق الليبرالية التي تبث الأخبار والشائعات؛ لتحقيق مآربهم في إسقاط أي مشروع إسلامي ينهض بالأمة ويعيد لها مكانتها.

 وفي ظل ذلك الواقع لا بد من تعرية فكرهم وفضح أهدافهم، وكشف حيلهم ومكرهم، وتوعية الأمة بخطورتهم، وكشف انتماءات أفكارهم وأبعادها وما وراءها، والرد على أقوالهم وكتاباتهم، ونشر كل ما يدحض أكاذيبهم، وإعداد الكوادر القادرة على متابعة كتاباتهم وأنشطتهم، والرد على ضلالاتهم، وتفنيد مزاعمهم وشبههم ضد الإسلام وقضاياه العادلة وحقوقه في أرضه ومقدساته، وبالأخص في أجهزة الأعلام والفضائيات.

وهذا يستلزم أن نُحسن من وسائلنا في التواصل مع المجتمع, أن نعمل بكل جهد لنملك وسائلنا الفاعلة، وشتان بين ما يملك حزب العدالة والتنمية ممثلاً برجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، من صحف ومجلات كصحيفة الزمان التي توزع أكثر من مليون نسخة يومية من صحيفتها في تركيا في توجيه الرأي العام، ومن مؤسسات إعلامية فاعلة، وبين الوسائل التي تستخدمها التيارات والحركات والجماعات الإسلامية في مصر والعالم العربي.

الهوامش:

1 - «حقائق عن قضية فلسطين»، الشيخ محمد أمين الحسيني، إصدار الهيئة العربية العليا لفلسطين (1957م)، (ص59).

2 - المرجع السابق، (ص7).

3 - المرجع السابق، (ص7).

 

المصدر : مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

23/7/2013