رؤوس الاطفال شابت والقلوب تنبض بالالم
هم لا يناشدون الشياطين .. ولا يستغيثون بنظام الابالسة .. لا اهداف سياسية لهم ..ولا مؤتمرات قمة... اسلحتهم الثقيلة اوعية قديمة لحفظ الماء الملوث اصلا....
همومهم اكبر من صحراء الوليد واقسى من عتمة ليلها... وهي تأكل وتفتك بما تبقى من اجسادهم .
ليس لهم سوى امل واحد يعتاشون عليه منذ اكثر من اربع سنين : الخروج من جوف الحريق... مخيم الوليد.
اعمارهم تتراوح ما بين الاشهر وما بعد السبعين عاما .. بقليل .
كلما حلمت قلوبهم بمصافحة المحبين ... اجتاحهم شوق غريب يلامس افق الخيام .... كل الكائنات هناك اوشكت على الانتماء لمنغصات حياتهم... لم يستجدوا لقمة او عطفا من احد... وكيلهم واحد هو الرحمن الرحيم ... لم تتوسل تطلعاتهم ومداركهم عناصر شفقة من احد ... لونهم واحد بفعل لهيب الشمس.. وتحت جلودهم نبت عشب جارح اسمه الصبر.
جاؤوا من غرب الوليد الذي شتتهم ... وقرروا نسيان الجهة الشرقية لكيانهم , الغير مستقل , حيث يقطن ( الاشقاء ) لسبب بسيط : هم الذين وضعوهم تحت سلطة بندهم السابع ... كفلسطينيين منسيين.
نعلم ان رقم اللاجئين يرتفع كل يوم ... من ثورات الارض الى ثورات الشعوب ... وندرك ان على كاهل المفوضية جبال مسؤولية كبيرة جدا تجاههم ... ونعرف ان محطات الايواء تقلصت .. ونعلم ان الدول المانحة ... تتنصل ... وان دول اللجوء باتت لا تطيق الكبير من الاعداد ... ونعلم ان ثمة مفاصل طويلة ومعقدة لاعادة التوطين وان الاجراءات تستلزم جهدا كبيرا ووقتا طويلا ... ونعلم ان طوابير الانتظار طويلة والملفات فيها القديم جدا ... ونعلم ... وندرك ... ونعرف... ولكن : ماذا تبقى لهم ؟!!
من يقطنون هناك .. بين افقين عربيين كبيرين يرفضانهما ... ماذا تبقى لهم ؟!!!
لكل اللاجئين في العالم ملاذ امن يتنفسون فيه الحرية ويحلمون : وطن يقاسمهم ذواتهم وما يطمحون ... لكن الذين في الوليد .. ماذا تبقى لهم؟!!
الوطن : تنهشه الذئاب وتمزق اوصاله منذ اكثر من ستين عاما .
الاشقاء: تخلت ضمائرهم عن الحياة ونفوسهم عن الحياء .. فانسحبت الى انفاق الصمت واللامبالاة ... ماذا تبقى لهم ؟!! امال المستقبل خاصتهم والاحلام الوردية احترقت في بغداد ... وعندما جاؤوا الى المخيم لم يحملوا معهم سوى حقائب الالم ومستلزمات الانتظار المرعب .
ماذا تبقى لهم ؟!! ثمة ساكنين هناك من الاطفال لا يعرفون شكل الاسفلت او طعم الطفولة او رائحة الورد ولم تحتويه سيارة الا عند الذهاب الى المستشفى .
ماذا تبقى لهم ... مقبرة الوليد تكبر ... والشواهد هناك كئيبة تنتظر وافدا جديدا من ضحايا المخيم .
يا أساتذة ... يا ساميو المفوضية السامية الكرام : على الحدود العراقية السورية لا يزال ينتظر من لا وطن له ... املا بوطن من غير الاشقاء ... لانهم رافضيه ..
فقط ليأويه ... هم بشر مثلكم ... امهاتهم ولدتهم بعد حمل تسعة اشهر ... تماما مثلكم .. وانا اقسم بالله على ذلك . لهم ادمغة وقلوب تشبه بالضبط ادمغتكم وقلوبكم من حيث الاصل والتركيب على الاقل ... ليس لها سوى اختلاف بسيط واحد : هي فلسطينية المنبع .
يا أساتذة .. يا ساميو المفوضية السامية .... هناك من ابيضت عيونهم مرارة الانتظار ... وهناك من ضاق الصبر بصبرهم واوشك على الهروب : فأين يذهبون؟؟
ضعوا ما شئتم من عناوين لهذا الانين : صرخات معذبين .. نداءات مظلومين ... مناشدات صابرين.. رجاء مؤمنين ... سموها ما شئتم : مطالبات مجروحين ... استغاثة منكوبين ... امال لاجئين ... استذكارات منسيين .
هي صرخة ومناشدة ونداء ومطالبة واستذكار واستغاثة ورجاء ... وهي متعلقات امل كل من يتذوق الان طعم التراب في مخيم الوليد .. لكل الضمائر الحية فيكم .
هم ليسوا بالرقم الصعب وملفاتهم جاهزة عندكم كحقائبهم , وارقام سجلاتهم وملفاتهم محفوظة في حواسيبكم ... نعرف انكم لم تهملوها ولكن : فقط لانريد شطب رقم جديد من ملفات الذاهبين الى مقبرة الوليد.
يا أساتذة ... يا ساميو المفوضية السامية .. الاكارم : نعرف ان ضمائركم حية وقلوبكم اكبر من خيمة لاجئ وجهودكم تتجاوز مساحة المخيم .... ولكن رقمهم ليس اعجازيا .... فالباقون لا يشغلون سوى ربع مقاعد طائرة متجهة الى اي مكان في هذا العالم الغريب.
يا أساتذة ... يا ساميو المفوضية السامية .. المكرمون : ثمة في المخيم من صادرت عقله المعاناة فيه... وتعرفون ان ثمة من مسحت المأساة ذاكرتها ... ونسيت حتى اسمها.... بعض الاطفال شابت رؤوسهم ... وقلوب الكبار فيه بدأت تدفق الالم والقهر عوضا عن الدم .... وفي المخيم من نسين شكل وجوههن ... وثمة شباب يعتقدون ان اعمارهم تجاوزت الستين عاما ...
يا أساتذة.... يا ساميو المفوضية السامية ... المحترمون : نعرف انكم لا تألون جهدا ... وكل ما في طاقاتكم تبذلون ... وفيكم من الانسانية من لقبناه ( القلب الرحيم) او (الاب الحنون) ... وفيكم من يحفظ اسماء الباقين ... خيمة ...خيمة ...لأنهم مزروعون هناك .
منذ اكثر من اربع سنين .. وفيكم من يعرف تفاصيل معاناة من في المخيم اكثر منا ..... وفيكم ... وفيكم ... ولكن نعرف ايضا ان فيكم من يستطيع الاسراع في الانجاز .... يستطيع ان يقلص اعداد الخيام ... بترحيل ساكنيها الى ملاذ آمن ... وفيكم من يستطيع افراغ المخيم من الحالات الصعبة على اقل تقدير .. وبسرعة ... وانتم تعرفون ذلك اكثر منا .
مرة اخرى .... هي نداء ومناشدة وصرخة ورجاء واستغاثة ... وهي كل ما شئتم من مفردات الاسترحام, ومن مديات لها علاقة بالانسانية ... ان تسرعوا بتفكيك خيام الوليد بإعادة توطين ساكنيها في الدول التي تستجيب لنداءاتكم ... بأسرع ما تستطيعون .
املنا ... نحن فلسطينيو العراق .. يا سادتي ان لا تشرق شمس 2012 على صحراء الوليد وفيها خيمة لاجئ فلسطيني ينتظر المصير.
اللاجئ في مخيم الوليد سابقا
اللاجئ في امريكا حاليا
احمد ابو الهيجاء
18/3/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"